دراسة نقدية/عقيل هاشم الزبيدي

Tue, 24 Sep 2013 الساعة : 8:41

لينبت فوق المظلة عشب
المعادل التخيلي بين" المحسوس و المتحقق"
الشاعر: وسام عبد الجبار منصور
قراءة:عقيل هاشم
.............................................
" لينبت فوق المظلة عشب "،مجموعة شعرية للشاعر وسام عبد الجبار منصور والصادرة من (تموز للطباعة والنشر2012 ).
"النص الشعري نسق من العلامات ، وهو بالتالي يمثل مشهدا دالا على ما مال إليه الشاعر من اختيارات استقاها من النظام اللغوي ، هذه الاختيارات بالطبع لا تتمظهر اعتباطا، بل إن وراءها طاقة تدفعها، هذه الطاقة تكمن في ذهن الشاعر وفي بصيرته ، ولا يمكننا وصفها إلا بالنظر مليا إلى النص الموازي، وبيان مدى قدرة الشاعر على الاختيار(العنونة /الإهداء/الهامش/صورة الغلاف) والتلقي الواعي - بمعني ما - من سلطة الجمالي الكامن في النظام السيمائي" .
سفر الكون
في متاهة عتمته
يؤرقني
أنا طائر الثريا
أجوس...(ص7)
العتبةالاولى: العنوان/ النص:
العنوان عتبة من عتبات النص، أو مفتاح من مفاتيحه، أو باب نلج منه إلى العالم النّصّي، ويظلّ العنوان، على الرغم من دلالته في اللحظة الاستكشافية الأولى، خاضعاً لاحتمالات دلالية مختلفة، (لينبت فوق المظلة عشب)..وهي لا تتّضح إلاّ من خلال القراءة التأويلية الاستبطانية، لذا لابدّ من إستراتيجية منهجية تكفل رصد تموّجاته المشاكسة داخل النص. لعنوان إذن الرسالة الأولى أو العلاقة الأولى التي تصلنا ونتلقّاها من ذلك العالم بصفته آلة لقراءة النص الشعري، وباعتبار النص الشعري آلة لقراءة العنوان، فبين العنوان والنص علاقة تكاملية، ويتكوّن النص الشعري من نصّ يشير إلى عدد من الدوال في تماثلها (الغرائبي)، مختلفة في قراءاتها هي العتبة لسبر أغوار النص وعنوانه، فنصّ العنوان مكثّف مخبوء في دلالاته بما يحمله النص بشكل موحٍ إشاري مكثّف لفعل دلالي مفتوح على قراءات متعددة من الأفعال الموحية للتكثيف الصارم للمفردة والصورة التجريدية للمعتى:.
(الإهداء:إلى ذكرى التي تحت قدميها ..روضة من الجنة...الى الجنة التي رحلت)..
على غلاف المجموعة كتب: (ماسر ذالك الناعور ..
على دكة صحراء
حيث لانهر
ولاربوع
................
................
هنا السموات
مظلة للضائعين
العابرين بغربتهم
لاالقاصدين
طريق الحرير
العتبة الثانية/
آلية كتابة النص:
أن الرؤية الشعرية للنصوص إنما تؤكد على وحدة الأفعال الإنسانية، واندماج كل البنى (الدال/المدلول) داخل وحدة عضوية شاملة. يتمثل في أن الحراك المستمر للأفعال كي تمارس قدرا من استقلاليتها التاولية، التي يمكن بعدها أن تمارس تأثيرها على الرؤية الشعرية، التي ترى كل عناصر الوجود في حراك وتحول مستمرين، وهذا الحراك يظل محكوما باليات التلقي وايجاد حوار تفاعلي مع المتلقي.
أتذكر
وأنا أغنية مغولية
تبحث عن صداها
طائر الرخ
هو القطارات
مواويلها لاتنفك...(ص10)
وهكذا، عبر الانتقال بالأفعال المستمر زمنيا كفعل أنساني، تتأكد إمكانية التجلي المادي للوجود الإنساني ككل. يتحقق بالفعل عبر ممارسة قولية ، فإنه يحتاج إلى تبرير من الشاعر للصور المتخيلية من خلال أفق ثيمات البعد المضمونى للنصوص، وبخاصة ثيمات عناوين النصوص (طائر الثريا,ليل في طرقات مستديرة,جسر الكلمات ,اليمبوس...الخ)، هذا المستوى المتعدد للعنونة يكشف لنا على الجانب الأخر الصلة الحميمة بين هذه التجربة والواقع فهى تجربة لصيقة بكل ما هو مرئي ومحسوس ومجسد، ناهيك عن نظرة للمتخيل بنفس الروح الواقعية لذلك المجسد، ولاضير فى ذلك, فأسماء هذه العناوين اشد ما يمكن أن تطرح فى أبعاد هو ذلك التفاعل المؤثر مع حركة الحياة والواقع وهذه فى حد ذاتها سمة مهمة من سمات النص النابض بحيوية الدلالات الفاعلة التي يتسم بها النص الجديد لهذه التجربة. ومن هذه المنطلقات مجتمعة ستكون معابرنا لتقديم قراءة النص الشعري الجديد, مع ملامسة حتمية لداخليته عند استنباطنا لثيماته التى تنهض من موقف انفعالي ، أو هاجسي عابر، إنها تبقى في أخيلة الرؤية، وفي نزعها الأبقى دائما، نزوعها للكشف والانبثاق والتجلي.
مقززة
في مملكة الموتى الأشياء
والأمطار
الأمطار نحاس
شتاء هندوسي
حط على نافذة الذكرى...(ص21)
تتدافع علامات النص الشعري في شكل إيحائي ، متموج نحو غايات رمزية متعددة ، أعني أن هذه العلامات تمضي في خط رأسي عميق ورمزي دليل مبدئي على قدرة النص التخيلية ومقاصده الدالة،على فاعليات مستوياته واستقصاء اته ، ومن هنا ينشأ وعي شعري . هنا الشعري يستدرج صوره لا بشكل بلاغي معهود،تتماهى فيها حيوات الدوال ،وإيماءتها، النص يأخذ شكلا سرديا، منسجما وآليات الشعرية التي لا تدافع ولا تحتج إلا بما قي النص من نظام ، ومن تخييل ، ولعل الشعرية هنا تتأتى من كون الفاعل النصي - الشاعر - يخاطب ذاته في نوع من الالتفات الى ضميره الآخر.
في الطريق
قرى تتساقط
في منعطفاته الوحشة
فوق أراضي الصمت ...(ص37)
هذه النصوص دون أدنى شك تراكيب لغوية تفجر اللغة فتخلق صورا جديدة في محاولة للتعبير عن العالم الذي يصفه الشاعر فتنبثق التجربة الوجدانية اللغوية في نغمات أو موجات متلاحقة في الأول تخلق اللغة حالة نفسية ويعبر عنها في عمق. بحيث لا نستطيع الإفلات من اسر الإحساس الطاغي .
لكي أرى العتمة
التي تطاردني
في يقظتي
ينبغي أن أكون
مستفيقا...(ص61)

ختام النص هنا، ختام مفتوح ، الشاعر لم يغلق نصه بمعنى ما، ويستنفد بوحه تماما، انه يدنو من أسئلته الخاصة، بلا يقين . هذه الهواجس المؤولة. لكن في يقيني أن الرضا الناقص الذي يناله المتلقي في جنوحه لفهم النص الشعري هي شذرات ذات صلة .
(لن أكون مضطرا..مهداة إلى فرقان ابني وصديقي..)
لن تتبعني الغيمة
إذا الساقي
رمى الاقداح
الى فم(الحاوية)...(ص69)
فإحساس المتلقي الدائم بأن ثمة شيئا ناقصا، خفيا في هذا النص أو ذاك يعمق داخله تساؤلات كثيرة، وهواجس متعددة تؤطر فاعلية تلقيه الجمالي والنفسي بركامات غير قليلة من التوتر والقلق واليقظة الذهنية، وتستحضر فيه ذاكرته المعرفية التي عاين عبرها نصوصا كثيرة من قبل ، كما يستنهض فيه مخيلته التي تمعن- من وجهته الإيجابية - في تأمل النص ومحاولة العثور على مجازاته الغائبة،بتحول الكلي إلى جزئي ..!!.

Share |