نائب في شارع الرشيد/حيدر الجابر

Tue, 17 Sep 2013 الساعة : 16:50

أصادف نواباً أو سياسيين في بعض الأماكن العامة أو الخاصة، وكلهم يبدون تذمراً من الوضع الذي تسير عليه الدولة العراقية، بالرغم من أنهم جزء مهم من هذا الواقع المؤلم. يتحدثون دوماً عن سلامة سرائرهم وفساد الآخرين، عن رؤاهم "الوطنية" حتى العظم في مقابل سوء خصومهم أو أقرانهم. السياسيون العراقيون ملائكة، ولاسيما إذا تقاعدوا أو طُردوا أو فرّوا من مناصبهم أو قرُب موعد الانتخابات، عند ذاك نجد أنفسنا أمام نماذج تضارع الفقراء في تمسكها بوحدة الوطن وصلاح المجتمع، هؤلاء الذين لم نرَهم أيام الشدة والرخاء يملكون الحلول الكاملة والناضجة، ويحللون ما جرى ويجري في العراق بذكاء وألمعية افتقدوها سابقاً.
قبل أيام التقيت ببرلماني من الخط الثاني في احد الشوارع العامة، بدا وطنياً جداً وهو يستعرض يأسه من صلاح البلد بسبب العصة الحاكمة، كما انتقد المحاصصة التي أفرزت "قادة فاشلين" على حد وصفه. لكنه كان شجاعاً ـ ربما أمام المارّة فقط ـ وانتقد زعماء كتلته السياسية الذين أرسوا دعامات السياسة الطائفية. هكذا بدا الأمر، وهو هكذا دائماً. تفرز اتصالاتي المتباعدة ـ بمقتضى عملي ـ ببعض النواب والمسؤولين الحكوميين شخصيات هادئة طيبة حنونة، ربما لايشبهون أنفسهم وهم يحترفون توجيه الاتهامات والشتائم لبعضهم البعض. دعا البرلماني في الشارع الى اعادة تشكيل العملية السياسية من جديد، وإلغاء المحاصصة التي كان ـ وربما ما زال ـ أحد مرشحيها، لأنها سبب خراب البلد.
لقد كان هذا البرلماني الملائكي أنيقاً جداً ومحاطاً بحرس غلاظ مؤدبين ومهذبين، وقد كان منظر سيارته السوداء الغامضة، ووجهه الذي ينبض بالصحة، وبدلته الفاخرة، وحديثه الوطني النموذجي، لايمتّ بصلة الى ذلك الشارع الذي طُردت منه السيارات، وامتلأ بالحواجز، والأسلاك الشائكة، وكذلك انتشرت النفايات بلا هدف على جانبيه. كان البرلماني حالة صاخبة وشاذة من السياسة والوطنية على ذلك الشارع البائس الذي لايهتم بالأشكال ولا بالهتافات الفارغة، لأنه يحترم الأعمال الحقيقية التي تغيّر وتقدم. لم يهتم هذا الشارع بضيفه البرلماني، وإن اهتممنا به نحن الذين نصدق الخرافات. لقد كان رسماً سريالياً ضم: برلمانياً، وطنية، شارعاً، تاريخاً، نفايات!
جريدة المؤتمر

Share |