العراق الوجع الابدي/شاكر الرماحي

Mon, 16 Sep 2013 الساعة : 1:17

أعرف أنك حزين اليوم، يا عراق، كما كنتَ من قبل. فالامتحان هو هو، ولو أن زمناً أرضياً طويلاً مرَّ، أنت كنت فيه خارج الزمان والمكان ..واليوم الذي رجعت حيث الزمان والمكان جائتك غربان الظلام لتعيث بك الفساد والافساد .

أعرف أن كثيراً من كلامك الجميل عن الإنسان وعلاقته المصيرية بالكون وبكل العناصر المرتبطة به لم يصلنا بعد، أعرف أنك أسير طقوس تودُّ لو تمحوَها من رؤوس أبناء البشر ليتحرَّروا، ليخلعوا عن بصيرتهم حجاب الأمس المنتمي إلى ما استوعبه عقل إنسان الأمس حجاب القتل والتشفي وهدر الحقوق والغاء الاخر... أعرف أنك تنتمي إلى كلِّ العصور، وأن على من يأتي ليختبر الحياة فَهْمَ رسالتك على قدر وعيه، لا على قدر من وعاها قبله وحُكِمَ عليه بالأسر المؤبَّد..
أعرف ان الحكام الذين جثوا على صدرك اوجعوا قلبك وادموا معصميك مذ اول انسان سكن ارضك الى اللحظة .. لحظة التكنلوجيا والمعرفة التي اصبح بها الكون كقرية واحدة
وبات الإنسان في تغيَّر – ولو قليلاً – في العالم كلِّه، بينما استمر البعثيون على تحجُّرهم، ضامرين السوء، ساعين أبداً في إفناء الآخرين. قبضوا على حلمك وعلى فكرك. كم تألَّمتَ لجهلهم، وكم وبَّختَهم وثُرتَ على غبائهم، حتى قبضوا عليك وصلبوك، فغدوتَ رمزاً للنور والمعرفة المهدورة على يد الجُهَّال، وغفرت لهم لأنهم جهلة لا يفقهون من الحياة إلا شهوتهم الحارقة للمال وللتسلُّط وللدم، ولقسوة قلوبهم، كما قلت لهم مراراً.

أعرف أنك حزين اليوم، يا عراق، لأن شعبك، ليس مثله شعب، يدفع ضريبة الدم مرة أخرى، واقفاً في وجههم الشرس الذي لم تلطِّفه نسائمُ الأرض الطيبة السليبة ولا ماؤها ولا شمسها ولا أثيرها. وحدهم بين شعوب الكوكب لا يرقُّون ولا يعرفون ولو بعض حنان، ولو بعض علاقة أخلاقية بالإنسان وبالأرض.

حزين اليوم، وأنت في قلب كل كائن بشري تطرق بابه قائلاً: "لنتعارف من جديد خارج العصبية الدينية والتكرار لظلام الزمن القديم." وأسمعك تردِّد: "للحب والسلام والتسامح , وتنطق ( عفى الله عما سلف )...
واسمعك تنادي : اعملوا على إيقاظ وعيكم فرداً فرداً، وستدركون كم أن الحقيقة تجمعكم فرداً فرداً وكلَّ عناصر الحياة." لعلَّ البعثيين يدركون حينئذ أن عليهم، لو شاؤوا الانتماء إلى المجموعة الإنسانية، كسرَ جدار التوحُّش الدموي المدمِّر المعدي ، ذاك الجدار الذي يغلِّف قلوبهم، فيتوقفون عن صلب البشرية جمعاء على مرِّ العصور.

يا عراق، أعرف أنك حزين اليوم. فهل ستغفر لهم بعدُ

Share |