نستورد الماء والتمر من بلاد الصحراء !/طاهر مسلم البكاء
Fri, 13 Sep 2013 الساعة : 20:53

يعتمد العراق اليوم في أغلب سلته الغذائية على دول الجوار وبشكل غريب ،فنجد قناني ماء الشرب مستوردة من الأمارات أو السعودية أو الكويت وهي جميعها بلاد توصف على انها صحراوية !، بينما نحن من نملك أشهر نهرين خالدين هما دجلة والفرات ،وتنتشر على سفوح جبالنا في الشمال والشمال الشرقي عشرات الشلالات والمتساقطات المائية والتي تصنف على انها من أعذب مياه الشرب وكل واحدة تصلح لأن تكون مصنعا ً للماء العذب يعتمد الطبيعة مباشرة ،حيث تكون المياه المتساقطة من قمم الجبال أنقى ما تكون .
والطامة الكبرى التمر ، فالعراق بلد النخيل وقد كنا نقرأ أيام الدراسة انه يتصدر العالم في عدد ما تحويه ارضه من نخيل ،وقيل ان اسم العراق جاء من كثرة تشابك عروق النخيل في ارضه ، ومع ان لاتتوفر لدينا اليوم أحصائيات لأثبات ذلك ،وقد يكون الأمر قد تغيير في عالم متحرك من حولنا فيما نعود نحن الى الوراء ،غير اننا نلمس التخلف بوجود التمور الأجنبية تباع في أسواقنا وتتصدر البلدان المصدرة الينا نفس الدول أعلاه التي وصفت بالبلاد الصحراوية .
وهكذا في غير هذه السلع فمع ان جنوب وأهوار العراق تصلح لتربية مختلف أصناف أبقار الحليب والجاموس ،فأننا نستورد مشتقات الألبان كافة من ايران وتركيا والسعودية والكويت وغيرها .
وينسحب الأمر على المواد الصناعية والخامات ،فعلى سبيل المثال لا الحصر لو أخذنا مادة الأسمنت ،حيث كان الأسمنت العراقي من أرقى أنواع الأسمنت وكانت الصناعة المحلية تكفي السوق العراقي وبالأسعار المقبولة ،نجد اليوم تراجع الصناعة العراقية كما ً ونوعا ً وامتلاء السوق بأنواع الأسمنت المستورد من الباكستان والهند وايران ،وسط تراجع كبير بالصناعة العراقية التي بقيت تعتمد المكائن والخطوط الأنتاجية القديمة التي اهترءت بفعل الزمن ،أضافة الى تضخم العمالة العراقية بعد عام 2003 ، ،وهكذا عشرات السلع والحالات الأخرى .
الأعتماد على الغير والأستقلال السياسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مهما كانت الدولة منيعة وتعد الجيش وتزيد من اعداده وتهيأ له صنوف الأسلحة المختلفة ،ولكن يبقى أستقلالها السياسي منقوصا ً بفقدان وعدم توفر الأستقلال الأقتصادي ، وقد مر العراق بتجربة كبيرة من هذا النوع في محنة الحصار الذي فرض على شعبه ، حيث عزّت لقمة الخبز لأننا كنا نستورد الحنطة من استراليا وأصبحت كل سلعة عزيزة ونادر الحصول عليها لأننا لم نكن نصنعها بأيدينا وفي داخل بلادنا ،وقيل أن أغبى الأغبياء من وقع في الخطأ مرتين ، ولكننا رغم اننا ذقنا مرارة الأعتماد على الغير فأننا اليوم لانولي أي أهمية لهذا الأمر .
اين الخطأ
ـــــــــــــ
يصل الحال بالفلاح العراقي الى انه يبيع الحاصل بأقل من المبالغ التي صرفها خلال فترة الأنبات ،وأنه عادة يصاب بأنتكاسة وخيبة أمل قد تؤدي به الى التوقف عن الزراعة وكذلك الحال بالنسبة للنخيل حيث تحتاج النخلة الى مداراة طويلة تمتد على طول العام وعندما يأتي موسم جني المحصول يجد الفلاح ان ما يكسبه مخيب للآمال حيث فقدان الدعم المنظم من الدولة وبالنتيجة النهائية أهمال النخيل وعموم الزراعة وبدأ الفلاح عاطلا ً يبحث عن أعانة أو باحثا ًعن وظيفة مدنية أو في الجيش أو الشرطة ومن ثم أهمال الأرض الزراعية ،وبكل بساطة تخرج عملة صعبة من البلاد لشراء هذه المواد من الدول المجاورة ،دون دراسة هذه المشاكل ووضع الحلول لها ، أذن من الواضح ان الدولة قد تركت الزراعة لحالها، حالها حال أي منتوج عراقي آخر ،وبدون أي دعم أو حماية لمنتجاتها ،ونحن لاندعوا الى ايقاف الأستيراد ،او الى رفع الأسعار بقدر ما ندعو الى اسناد الفلاح وشراء محاصيله بأسعار مدعومة تصب في خدمة البلاد وتدعيم استقلالها الأقتصادي وبالتالي تقوية الأستقلال السياسي .
وبنفس الصورة قضت الدولة على أي صناعة عراقية بشرعنة استيراد مفتوح جعل السوق العراقي رائجا ً لمن هب ودب ،ولو نظرنا الى العالم من حولنا لوجدنا ان دولا ً كبرى لاتقوم بما نقوم به رغم تمكنها في حلقات الصناعة ومتانة اقتصادها ، ولكنها اما توفر دعما ً حكوميا ً للمنتوج الوطني أو تقوم بفرض رسوم على البضاعة المستوردة، وخاصة التي لاتصنف من الحاجات الأساسية ،وذلك لحماية المنتوج الوطني في السوق العراقي .
ان التهديدات في جانب الأقتصاد الوطني وأستقلاله هي تهديدات حقيقية ومن النوع الأستراتيجي الذي لايمكن اهماله ، والذي يرتبط ارتباطا ًوثيقا ً بالسياسة واستقلال القرار ، ولن نكون متمكنين من قرار وطني مستقل بدون ان نتمكن من استقلال أقتصادي متكامل ،كما انه من جانب آخر سيتيح للبلاد دخلا ً وموارد جديدة قد لاتقل عن الموارد التي يوفرها النفط اليوم ،والذي يعتبر اعتمادنا الكلي على ايراداته (95 % ) من اكبر الأخطاء الأقتصادية والسياسية ،حيث ان البحث عن بدائل الطاقة تجري على قدم وساق في عالم اليوم وقد يكون من المواضيع الأولى التي توليها الدول أهتمامها وخاصة الدول المتقدمة ، ولهذا فليس بعيدا ً أن نجلس يوما ً لنجد ان بدائل رخيصة للنفط قد توفرت وأن نفطنا لا أحد يشترية ، وحتى وان لم يحصل هذا فأن النفط سلعة ناضبة يجب ان نفكر في استغلال مواردها لمستقبل مفتوح على أحتمالات عديدة .