دراسة- حول إنضاج الفكر السياسي للأحزاب العراقية؟- علي حسن الشيخ حبيب
Sun, 31 Jul 2011 الساعة : 9:23

مقدمة:-
عَرف اصحاب الاختصاص السياسة على انها فن الممكن، وعرفها اخر على انها بناء تصوري يبنيه الفكر الانساني ليربط بين مبادئ ونتائج معينة، وقد يكون هذا البناء التصوري صائبا او خاطئا، وقال اخر ان السياسة هي
مجموعة من الاسس النظرية التي تحتاج الى التجربة لكي تتجسد على ارض الواقع ، فأن من اساسيات البحوث العلمية ان النظرية لاتصبح علمية الا اذا اثبتت التجربة صحتها، ولان النظرية السياسية هي مجموعة من المجردات والتصورات النظرية التي تهدف الى ربط النتائج بالمبادئ وربط الدولة والسلطة ومؤسساتها وعلاقتها مع بعضها البعض ومع المجتمع والقوى السياسية الداخلية والخارجية، فهي تحتاج ايضا الى التجربة الى اثباتها صحة مبادئها ،اما السياسة في التعبير الادق هي فن ادارة الدولة ومزاولة السلطة لتحقيق مصالح المجتمع، وتحقيق الانسجام بين الحكام والمحكومين، وفق قاعدة الحقوق والواجبات، وتحقيق مصلحة الدولة العليا..
وبعد تلك المقدمة الموجزة عن السياسة وتعريفاتها المتنوعة، يتبادر الى الذهن ماهي الخطوات التي يتبعها الانسان لكي يكون سياسا ناجحا ومفيدا لشعبة ووطنه.
1- ان يكون ملما في السياسة الدولية .
2- ان يكون لدية فكرة عن علم النفس السياسي.
3-ان يكون ملما بالاخلاق السياسي.
4- ان يكون ملما في اشكال العلاقات والسلوك السياسي، لانه لا يوجد موضوع في الحياة غير متعلق من قريب او بعيد بالمعرفة السياسية.
5- ان يكون ملما بالدين والمذهب والمعتقد السياسي، لانه لايوجد فصل بين السياسة والدين لان غالبية الشعب العراقي تدين بالمذهب الشيعي الذي لم يدين بولاية الامر للحاكم او الرئيس.
6- ان يكون السياسي ملما بالتفكير السياسي السليم ، ولان العقل والتفكير هو الاساس لكل النظريات بما فيها النظريات السياسية، وقد عٌرف التفكير على انه امعان النظر والتأمل في ماهية الاشياء، وهو احساس وحركة داخل النفس البشرية ، والهدف منه الوصول الى المبادئ، والانتقال منها الى المطالب التي يحتاجها المجتمع.
وقًسَم عُلماء السياسية الفكرالسياسي الى ثلاثة اقسام هي:-
1- الفكر السياسي السطحي.
وهو النظر الى الشيء والحكم عليه بدون فهم، لقلة المعلومات،وبساطة التعليم، حتى اصبح التفكير السطحي آفة السياسة العراقية، وقد عانى الشعب العراقي الامرين من تسلط اصحاب الفكر السطحي على مقدرات البلد على مر العقود الماضية، مما ادى الى استنزاف طاقات البلد وهدر ثرواته، وانعدام الخدمات اوالتخطيط المستقبلي للمشاريع والبنبة التحتية.
وبعد سقوط النطام البعثي الفاشي والتغير الديمقراطي الذي حصل في البلد ،جاءت قوى سياسية تصف نفسها انها على درجة عالية من الوعي والتعليم وقد تأمل الناس فيهم خيرا لتغيير واقعهم وتحسين احوالهم لكن مالذي حدث ؟ وما الذي قدمته تلك النخب التي تدعي انها نخب واعية ومتعلمة ومثقفة وقد اثبتت التجربة انها كفاءات مزورة ذات تعليم بسيط لايفقة في السياسة شيء ؟
وعند البحث البسيط في الاسباب التي جعلت من تلك الشخصيات السطحية تتسلط على رقاب الناس وتتحكم بمصير وثروات البلد،
اولا:- نجد ان الاحزاب التي تدير دفة البلد اليوم كانت وراء اؤلئك، لانها ركزت على الولاء الحزبي على حساب المصلحة العامة، فاصبحت الاحزاب ساحة للمتملقين والنفعيين الذين اعتادوا على تمجيد راس السلطة وزعيم الحزب، وملئت الاحزاب والمؤسسات العراقية بالكثيرين ممن لايجدون سوى التصفيق والاذعان والتملق والتمجيد وعدم استخدام العقل ..
ثانيا:- بروز ظاهرة الصنمية الحزبية، والتوريث السياسي، الذي خلف الدمار وانعدام الخدمات وتفشي السرقات ، حتى اصبح العراق يحتل المرتبة الاولى في الفساد الاداري والمالي على مستوى العالم ..
2- الفكر السياسي العميق.
وهو الفكر المبني على الاساسات العلمية الرصينة، التي تعطي تصورا واضحا للواقع وفق المعطيات العلمية المدروسة والمعدة والمخطط لها، للوصول الى الغاية المقصودة المتمثلة في النتائج الصادقة التي تنعكس ايجابا على ارض الواقع، مما يؤدي الى تغيير حياة الناس نحو الاحسن، وهذا يتطلب من السياسين الذين يديرون شؤون البلد اليوم السعي الى:-
اولا:- الحصول على العلوم السياسية وتكوين الفكر السياسي الرصين الذي هو خلاصة عصارة الآراء والافكار التي صاغها العقل الانساني على مدار حياة البشرية، مما اسس نظريات وانظمة وقواعد علمية متبعة في ادارة اغلب بلدان العالم المتحضر.
ثانيا:- وعلى الكتل السياسية العراقية ان تنهض بأداء منتسبيها ومحاولة اعطائهم ابسط مقومات السياسة، وتفهيمهم كيفية بناء علاقاتنا بالعالم وفق المصالح العليا للبلد، ، مما يؤدي الى توسيع الفكر وتنوير افاقه، ويفتح ابواب العقل والخروج من التقوقع الحزبي الذي تعاني منه الساحة الحزبية العراقية،
ثالثا :- الكف عن السجلات الكلامية المحمومة بين ذيول رؤساء الاحزاب السياسية، وعمليات التسقيط المبرمج، ولاساليب الملتوية التي تبتعد دائما عن الواقعية والمهنية والفائدة والاداء السياسي الرصين.
اهم محددات الفكر السياسي ؟
1- المحددات الزمانية: كالقول بالفكر السياسي القديم او المتزمت او المتشدد ، او الحديث المنفتح او العلماني .
2- المحددات المكانية : كالقول بالفكر السياسي الامريكي، او الفكر السياسي الايراني ، الفكر السياسي السعودي.
3- المحددات الدينية والمذهبية والقومية : كالقول بالفكر السياسي الاسلامي، والفكر السياسي الشيعي، والفكر السياسي السني او المسيحي او التركماني او الكردي ..
اهم اساسيات العلم السياسي.
1- ان يكون السياسي محيطا بالعلوم السياسية التي تتناول الظاهرة السياسية بكل ابعادها وخصائصها وتطورها ، وان يركز العلم السياسي المنشود على خصائص الدولة، وتنظيم المؤسسات المرتبطة بالقانون، وتحديد وظائف الدولة في الجوانب التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكل شئ يؤثرفي او يتأثر بمؤسسات الدولة بطريق مباشر او غير مباشر.
2- على ان يكون السياسي عارفا بالنظام السياسي وواقع العملية السياسية، ووظائف الدولة وعمل مؤسساتها، ضمن اطار دستور وتفاعل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع بعضها منفصلة او متصلة ، وعلاقتها المتصلة بالمنظمات السياسية في المجتمع ، وبما يؤدي الى تحقيق التكيف والتوازن بين عناصر النظام المختلفة.
3- على السياسي ان يكون لدية معرفة في الايديولوجية السياسية، التي هي نسق اونظام فكري يفسر الطبيعة والمجتمع والفرد ، من خلال برامج معينة تهدف الى تغيير الواقع، فالايديولوجية السياسية هي الجانب التطبيقي للفكر والنظرية السياسية ، وظيفتها احداث تغيير نوعي وكمي للواقع السياسي باتجاه افضل ، ولان الايديولوجية هي العقيدة السياسية للاحزاب الفاعلة في الساحة السياسية ، فأن النسق الفكري المتطابق للاحزاب التي تشكل الحكومة هو سر نجاحها وتحقيق وعودها واهدافها.
4- على السياسي ان تكون له العقيدة السياسية الواضحة او المذهب السياسي القائم على اعتناق مجموعة من الأفكار والحقائق السياسية المتماسكة ، وهي العقائد السياسية التي توجه الانسان في تفسيره للوقائع السياسية، وتحدد سلوكه تجاهها، والايمان بها وتجسيدها على ارض الواقع.
5- على السياسي ان يكون ملما بالظاهرة السياسية التي هي الواقع السياسي المتعلق بالسلطة وابعادها وخصائصها وعلاقتها بالمجتمع والمؤسسات السياسية والتي تتطلب الدراسة والبحث لمعرفة اسبابها وواقعها ونتائجها ومعالجتها، كظاهرة الارهاب الدولي، او الحرب الطائفية، او التسقيط المبرمج لرموز وتاريخ البلد، والظاهرة السياسية هي ايضاً عملية التفاعل بين السلطة والآخرين باتجاه ايجابي او سلبي لتحقيق هدف معين ، واهم ما يميز الظاهرة السياسية هي صعوبة قياسها بالارقام.
6- على الاحزاب ان تعمل على التنشئة السياسية السليمة لافرادها ومنتسبيها الذين توكل اليهم المناصب الحساسة، او الوزارات من خلال عملية تعلم واكتساب المعارف والقيم والاتجاهات السياسية الصحيحة والمدروسة، ومحاولة تغيير انماط السلوك السياسي، ونقلها من جيل الى جيل من اجل احداث تغيير جزئي او شامل في عناصر ومكونات الثقافة السياسية، خاصة من خلال الاسرة والمدرسة والمؤسسات السياسية والاعلام الحزبي.
والهدف من التنشئة السياسية هو تحقيق مصلحة البلاد العليا عبر شعب واع ومثقف ومدرك لأبعاد المصلحة الوطنية العليا وليس المصالح الفئوية والحزبية الضيقة.
7- ان تعمل احزاب السلطة على التكامل السياسي الذي هوسر من اسرار تقدم المجتمعات، وان يتخذ التكامل السياسي شكل الوحدة ، وتتحول كل الولاءات الحزبية او القومية او الاقليمية الى ولاءات وطنية، مستثمرة شروط الجوار الجغرافي، والتشابه الاجتماعي، والتشارك في القيم، وتنمية المشتركات التي تحفز الكتل السياسية للتكامل، والمنفعة المتبادلة، والصفقات السياسية السلمية بين المسؤولين مع مراعاة الكفاءة والاهلية والخبرة والنزاهة، ووجود هياكل تنظيمية تعمل على زيادة التنسيق والتعاون المشترك في مختلف القطاعات،وتنمية الاحساس بالتوزيع العادل للمكاسب بين مكونات الشعب العراقي .
مركز الرافدين للدراسات والبحوث الاستراتيجية
http://www.alrafedein.com/news_view_319.html