حوار في مكتبها/عبدا لستار الاسماعيلي

Wed, 11 Sep 2013 الساعة : 23:16

كانت على قدر من الجمال ، هادئة ، رزينة ، لها عينان قال الله لهما كونا فكانتا ، كل قطعة في مكتبها تشعرك بأن من وراء هذا التناسق والترتيب لمسات لأنامل يحركها شعور بسحر الحياة ،والجمال، والذوق،والنظام  تشعرك عندما تتكلم بأنك امام مستوى من  الاخلاق والثقافة والتجربة والثقة بالنفس ،كانت مخلصة في عملها،حريصة على أداء واجبها،دقيقة في إجراءاتها .هذا مايعرفه  عنها زملاءها  وزميلاتها في الدائرة  ،قادتني قدماي الى مكتبها لانجاز معاملة، بعد القاء تحية الصباح المعتادة ناولتها المعاملة وبدأت تقلب الاوراق ،يظهر ان المعاملة تحتاج الى تدقيق ، لذا رفعت رأسها مبادرة بالقول تفضل اجلس ،قلت لها سأنتظر خارج الغرفة ريثما تنتهين من تدقيق المعاملة ،قالت ولماذا ؟بإمكانك الانتظار هنا وأشارت الى كرسي  قريب  تفضل اجلس ،واعتذرت ثانية ،رفعت رأسها وقد لاحظتني وأنا أحول نظري الى زاوية اخرى من زوايا الغرفة دون النظر الى وجهها ،وبعد أن لاحظت اصراري على الانتظار  خارج الغرفة قالت كما تريد ولكن لاتبتعد كثيرا. 

سبب عدم جلوسي وخروجي من الغرفة أن هذه الموظفة رغم صفاتها المتقدمة كان ينقصها الحجاب ،كان شعرها المنسدل على كتفيها،والزينة البادية على وجهها ، سببا مانعا لتجنب وساوس النفس الامارة بالسوء،لاأدعي اني يوسف زمانه في العفة، ولكني ماأردت ان يكون للشيطان منفذا، ولا لحبائله وسيلة، لانزلاقي في نظرة خائنة او فكرة ماجنة. بينما كنت خارج الغرفة،خطر ببالي ان اكلمها عن ماينقصها من الحجاب الشرعي لفتاة بهذا المستوى من الثقافة والذوق ولاخلاق،فهي على وعيها اجدر به من غيرها،والاحرى بها بحكم وظيقتها ان تكون قدوة لزميلاتها في الدائرة. كنت اشجع نفسي كيف أبدا الحديث معها بخصوص الموضوع ،وأتخيل ردا منها قد يكون مخجلا او قد تعتبر كلامي تدخلا في خصوصيات لاتعنيني ،قد تفسر ذلك بسوء نية وتنادي أحد الموظفين وتتهمني بسوء التصرف ..الخ،قطع علي افكاري صوتها وهي تنطق بأسمي الثلاثي ،قالت: المعاملة الان كاملة ولاتوجد فيها نواقص ،قلت:ولكن ..قالت:لايوجد فيها نقص.قلت: بعد ان استجمعت شجاعتي :اتسمحين لي بكلمة؟ قالت: ماذا لديك وضعك مذ سلمتني المعاملة غير طبيعي؟ قلت:ارجو ان لايزعجك الكلام الذي سأقوله قالت لا ابدا تفضل ولكن اجلس وتكلم وجلست هذه المرة وابتدأت حديثي بقول ابي الطيب المتنبي :

         ولم ار في عيوب الناس عيبا        كنقص القادرين على التمام

قلت لها:حضرتك على قدر من الثقافة والوعي وحسن الخلق فضلا عن الجمال،جوهرة مثلك لابد ان يصونها حجاب،يكون به  مظهرك   أتم،وجمالك أكمل ومنزلتك اكبر،به تكسبين رضا الخالق،واحترام المخلوق،والمظهر دليل على الجوهر.

قالت بلهجة الواثقة: بعض بنات حواء - من امثالي- وقعن في سوء فهم،و نظرة قاصرة للحياة ،باعتقاد خاطيء بأن واحدتنا تصبح مثارا للأعجاب كلما برزت من مفاتنها ،وتأنقت في ملبسها ،وكشفت عن جمالها ، ثم تأتي صيحات الموضة وأزياء الموسم والتباهي امام الصديقات والزميلات في الحفلات والاحتفالات. كلامك صحيح،ورأيك صريح،نصحت فأوجزت،والصواب في مارأيت،وستجد منا لنصحك اذن صاغية .

ودعتها مؤكدا اعتذاري ،وشاكرا لها تقبل نصيحتي،ومرت الايام،حتى عرضت لي معاملة في ذات الدائرة،وكانت فرصة لالقاء السلام على من جمعني معها موقف وحوار،توجهت لذات المكتب كان هناك بعض المراجعين ،رأيتها وقد زادها الحجاب والحشمة جمالا وهيبة ،  القيت السلام وبقيت واقفا، رفعت رأسها ،لما رأتني عرفتني،رحبت بي أيما ترحيب،قالت تفضل (استريح )أخذت مكاني على ذات الكرسي،وعندما انتهت من المراجعين،التفتت الي،قالت : سعدنا بزيارتك ،كنت صاحب فضل علي ،نصيحتك كانت سببا في سعادتي.ثم دخل مراجع آخر،استأذنت منها مودعا وخرجت، وصوتها يتبعني لاتقطع زيارتك لنا .كنت حينها في غاية الانشراح لأني شعرت ان نصيحتي قد أثمرت وأينعت لأنها وجدت ارضا خصبة،اتمنى وأتمنى من كل قلبي ان تلقى النصيحة المخلصة اذنا صاغية .والله الموفق 

Share |