حزام بغداد والمعتصمون بحبل الشيطان/عاطف العزي

Tue, 10 Sep 2013 الساعة : 19:18

استيقظت صباح يوم الأربعاء الماضى متلهفا لآخر أخبار سورية ، ولكنى سمعت خبر مقتل عائلتين من 23 شخصا يسكنون منزلا فى اللطيفية جنوب بغداد وهم 5 نساء و 6 أطفال وجرح 12 هاجمهم مسلحون اطلقوا عليهم النارثم فجروا المنزل لينهار على الضحايا . ترى أي نوع من البشر يقدم على مثل هذه الجرائم البشعة فيقتل المدنيين العزّل لا لذنب ارتكبوه سوى انهم من الطائفة الأخرى؟ الدوافع الطائفية تسببت فى مجازرعانى منها البشر فى مختلف العصور، وعانى منها الأوروبيون فى نزاعات بين الكاثوليك والبروتستانت، ولكنها انتهت منذ عقود ، عدا ما يحصل من آونة لأخرى فى ايرلندا الشمالية على نطاق ضيق جدا.
ذكرنى ذلك بما حصل فى (رواندا) الأفريقية قبل عقدين من الزمن بين طائفتي (الهوتو) و (التوتسي) بسبب خلافات بينهم فقتل من الطرفين 800 ألف انسان من مجموع 10 ملايين رواندي بحسب تقديرات الأمم المتحدة خلال ن م عشرة ايام فقط استعملوا خلالها المناجل والسكاكين . فتصوروا كم سيقتل من العراقيين لو حصل مثل ذلك فى بلدهم الذى يضم أكثر من ثلاثين مليون عراقي ربعهم مسلحين بأحدث الأسلحة والمتفجرات وقد شحنهم المغرضون بالحقد والكراهية والبغضاء . لا ريب فى أن الملايين سيفقدون حياتهم فى اقل من شهر بالاضافة الى ملايين من الجرحى والمعوقين. ويجدر بكل عراقي أن يفكر بهذا الأمر مليا قبل ان يطلق رصاصة واحدة ، فان الموتى لا يعودون ، ولن تنبت أطرافا جديدة لمن فقدها ، ولن يفيد الندم.
ان ما يحدث فى العراق اليوم من مجازر بشعة مريعة بدفع من المعممين والسياسيين الفاسدين على اختلاف طوائفهم للجهلة والمتعصبين والطامعين بجنات تجرى من تحتها انهار من الخمر، وتطوف عليهم حوريات حسان وولدان مخلدون. العراقيون جميعا وبدون استثناء مستهدفون من قبل قتلة يعشقون القتل والتمثيل بالجثث ولا يتورعون عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ وهم يصرخون "الله أكبر"، وكأنهم ينفذون مشيئة الخالق العظيم لامشيئة مشايخ وسياسيين فاسدين يوجههم حكام غرباء لا يسرهم إلا تدمير العراق وقتل أهله.
ومؤخرا قام بعض المعممين الطائفيين والساسة الفاسدين بالتغلغل بين المعتصمين فصعدوا على المنصات وكالوا السباب للحكومة والشيعة بدون وجه حق، مستفيدين من الحرية التى حُرم العراقيون منها أكثر من خمسة عقود من الزمن. والمضحك المبكي أنهم يتهمون الحكومة ورئيس الوزراء بالدكتاتورية التى لو كانت موجودة حقا لما استطاعوا فتح افواههم ولسكتوا سكوت الأموات.
صرح السيد صالح المطلك نائب رئيس الوزراء والمولود فى فلوجة الأنبار لبعض الصحف قبل حوالي شهرين أن "الاعتصامات فقدت أهميتها بعد ان اندس فيها غرباء استفزوا الشيعة من عرب العراق". وكان المعتصمون فى الرمادي قد رموا المطلك بالحجارة والأحذية عند وصوله الى ساحة الاعتصام فى يوم 20/12/2012 واتهموه بالانحياز الى رئيس الوزراء .
وأكد الشيخ محمد الهايس أحد شيوخ عشائر الأنبار في تصريح له مؤخرا حول ما أشيع عن تكوين جيش عشائري أنه "لا يوجد جيش عشائري هناك لأن عشائر الأنبار لا تريد أن تتورط في هذا الأمر بينما هي من حاربت تنظيمات القاعدة وكل الميليشيات الخارجة على القانون وجعلت المحافظة آمنة بحيث صارت فيها قيادة عمليات وقيادة شرطة وكل ما يجعلها في إطار القانون"، مشيرا إلى أن "هناك حركات إسلامية متطرفة حاولت السيطرة على ساحات الاعتصام وتحويلها باتجاه آخر وهي التي قامت بتشكيل هذه الميليشيات الجديدة والتي تسترت باسم العشائر لأغراض تسويقها إعلاميا".
ومن الناحية الأخرى اتهمت قائمة متحدون بزعامة رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي القوات الأمنية بانتهاك حقوق الانسان وحمّلت الحكومة وجميع المسئولين عن العمليات العسكرية فى حزام بغداد المسئولية عن دماء العراقيين وارواحهم ، ذاكرة فى بيانها : ان مناطق حزام بغداد ومحافظتي صلاح الدين ونينوى "تواجه منذ اسابيع سلوكا لا ينم عن انتماء لتراب هذا الوطن وتعاملا اقل ما يوصف بالطائفي الاستفزازي المقيت"!. فهو كما يقول المثل: ضربنى وبكى وسبقنى واشتكى . وقال مثل ذلك اياد علاوي رئيس القائمة العراقية المدمن على التهجم على الحكومة التى يشارك فيها 8 وزراء من قائمته ، ولم يزل حلم العودة الى منصب رئيس الوزراء الذى فقده يراوده كل يوم ، ولشدة انشغاله بالكيد للحكومة وزياراته الكثيرة لعائلته فى بريطانيا وأقاربه فى لبنان فانه لم يستطع حضور جلسات مجلس النواب أكثر من 6 مرات خلال تسع سنوات مع أنه يستلم راتبا تقاعديا دسماً عن منصبه السابق كرئيس للوزراء إضافة الى راتب نائب فى البرلمان والمخصصات التى لا حدود لها، منها السفر بالطائرات بالدرجة الأولى ونزوله فى فنادق 7 نجوم على حساب الدولة، وسيبقى متنعما حتى بعد تقاعده حيث سيستلم هو والبرلمانيون 80 بالمائة مما يستلمونه حاليا بحسب القانون الذى ترفض قائمته أن تلغيه، اما الشعب الجائع المعذب المنهوب فالى حيث!.
وهذه بعض من خطب المشايخ فى صلوات يومي الجمعة 16/8 و 23/8/2013 كما نشرتها الصحف والتى تظهر جليا رغبتهم بتحريض السنة على اخوانهم الشيعة ، غير مبالين بالأرواح التى ستُزهق والدماء التى ستسيل من جراء خطبهم المسمومة:
ففى يوم الجمعة 16/8 ، قام إمام وخطيب جمعة كركوك الشيخ هادى العزاوي بمطالبة الحكومة والبرلمان بتنفيذ مطالب المتظاهرين ، وقال إن العراق يمر بخطر كبير نتيجة الأزمات والاقصاء والظلم الذى يقع على ابنائه خاصة فى المدن المنتفضة (على حد تعبيره) وقال ان العمليات الأمنية التى تشهدها أطراف بغداد هى مخطط لافراغ بغداد وتطهيرها عرقيا من أبناء السنة ، على حد قوله!. ولم يذكر الخطيب شيئا عن (تطهير) أطراف بغداد السنية من الأقلية الشيعية.
وفى الرمادي وفى نفس اليوم دعا الشيخ عمر حسين خطيب الجمعة منظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية والمنظمات الدولية الى تعليق عضوية العراق لانقاذه مما وصفه ببطش الحكومة والتنكيل بشعبها خاصة الساكنين فى حزام بغداد الذين يعانون من الاعتقالات التعسفية والتعذيب والتهجير من اجل تغيير ديموغرافية المنطقة على حد قوله!.
أما سعد الفياض خطيب صلاة الجمعة فى الفلوجة فقد حرض فى خطبته على الحكومة قائلا: "إن الله قد هيأنا للدفاع عن الرسول المظلوم لدى الروافض (ويقصد الشيعة) فقولوا الله أكبر"!!!. ولكنه لم يوضح كيف يظلم الشيعة الرسول وفى نفس الوقت يقولون: أشهد أن محمدا رسول الله.
وفى سامراء أكد إمام وخطيب جمعة الصلاة الموحدة الشيخ خالد حاتم السامرائي استمرار عمليات القتل والتهجير والاعتقالات في جميع مناطق بغداد، التي تستهدف المكوّن السني(كذا؟)، بهدف جرّ البلاد إلى الفتنة الطائفية، وقال: لكننا لن ننجر إلى ذلك، وسنتحلى بضبط النفس، ولن نحقق للحكومة مسعاها"!. وأشار إلى أن أهل السنة في مناطق حزام بغداد والمحافظات المنتفضة يتعرّضون لإرهاب الحكومة وقتل الأبرياء وزجّ أبنائهم في السجون!. ولم يذكر الخطيب شيئا عن المهجرين الشيعة من بيوتهم فى ديالى ونينوى وصلاح الدين والأنبار ومن الجانب الغربي لبغداد ومن الأعظمية ومن بعض المناطق فى البصرة وبابل، ولم يذكر الشيخ شيئا عن قتل الشيعة اليومي فى جميع أنحاء العراق.
كل تلك الخطب المحرضة كانت تُلقى من (منصات الاعتصام) فيما يسمونها بـ(المحافظات الست) التى يقف عليها القادة من رجال الدين وشركاؤهم السياسيين، ويحيطون بالمنصات أتباعهم الذين يكبرون ويهللون لاثارة الحقد فى نفوس الجهلاء فيرددون تكبيراتهم . واندست زمر من القاعدة الارهابية وحثالات البعث المطمور -الذين استطاعوا بسبب حسن تنظيمهم- ان يستولوا على معظم ساحات الاعتصام ، والجميع يهددون بالزحف على بغداد ، حتى أن أحدهم قال بأنهم لن يتوقفوا الا فى طهران!!. ولم يذكر أحد من المشايخ الآية الكريمة " ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" ، فبدلا من الدعوة الى الخير فقد أجتمعوا على الدعوة الى المنكر، وبتشجيع ومساعدة منهم تقوم مجاميع من الارهابيين بالتسلل الى بغداد يوميا للقتل والتفجير ونشر الرعب بين سكانها المدنيين العزل ، يساعدهم فى ذلك سكان (الحزام) من الطائفيين. وتجاهل المشايخ الآية الكريمة 82 سورة المائدة:(لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود) فبدلا من اليهود ناصبوا العداء لكل الطوائف الأخرى من المسلمين . وبذلك يصح القول ان الاعتصامات يسيطر الآن عليها المعتصمون بحبل الشيطان، متناسين أمر الرحمن :(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
عاطف العزي 

Share |