نص رد الدكتور طارق الحروي على سؤال الاستطلاع الخاص بصحيفة يمن ناشيونال الناطقة باللغة الانجليزية/د.طارق الحروي
Mon, 9 Sep 2013 الساعة : 18:15

- هل أن (صياغة نظام سياسي جديد) يشكل هدفاً مشتركاً لليمنيين وللقوى السياسية والاجتماعية والدينية المؤثرة في ظل هذه التناقضات السياسية والإيديولوجية التي تسود المشهد الداخلي والسياسي منه- بوجه خاص- في الوقت الحاضر؟ أم أن الأمور مآلها إلى المزيد من الفرقة والتشتت والتمزق لا سمح الله ؟
- من نافلة القول عند محاولتي الإجابة على هذا التساؤل سوف أكتفي بوضع بعض أهم المعالم الرئيسة الحاكمة لها فقط، بما يسهم في تغطية جزء مهم من معالم الإجابة المنشودة الأكثر قربا من الواقع بالاستناد على مؤشرات عديدة بما تحمله من معاني ودلالات لها شأنها دون أن أحاول الخوض في جدلية الردود التقليدية التي تبدأ بنعم أو لا، ليس باعتباري كاتبا ومحللا سياسي فحسب، لا بل وبصفتي خبيرا إستراتيجيا أعطى اهتماما كبيرا لاستجلاء الأبعاد الإستراتيجية أكثر منه السياسية أثناء محاولتي تقديم قراءاتي لمسارات الحدث وآفاقها، فالقراءة بين السطور واستشراف المستقبل هو أكثر ما يهمنا.
- وبالاستناد إلى ذلك نجد إن إعادة صياغة ومن ثم بلورة مقومات النظام السياسي المنشود، قبل أن يصبح هدفا مشتركا توافقيا نسبيا إلى حد ما بين كافة الأطراف الحالية المؤثرة البارزة في المشهد الداخلي كما أوردتموها في ثنايا سؤالكم أعلاه، فإنه بالدرجة الأساس قد أصبح هدفا (غاية ووسيلة ومن ثم نتيجة) أساسيا لا بل ومحوريا متجذرا إلى حد كبير في إرهاصات المشهد الداخلي- السياسي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله بالمطلق- استنادا- للعديد من الحقائق الدامغة في أرض الواقع، التي تجسدها إلى حد كبير حيثيات المرحلة الانتقالية الحالية (2011-2014م) التي فرضتها المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية، والتي برزت بعض أهم معالمها الرئيسة في أبعاد ومضامين ومن ثم مسارات ونتائج مفردات خارطة الطريق الجديدة التي تمثلها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة.
- لعدة اعتبارات نوجزها بتلك الاعتبارات الأكثر أهمية التي لها علاقة وثيقة بالدرجة الأساس بما حققته حركة التغيير الوطني بمسارها الجديد (الحركة التصحيحية الثالثة) في العشر سنوات ونيف الماضية من انجازات مهمة ونسبية في اتجاه التأسيس واستكمال حلقات المشروع المدني النهضوي الجديد، بصورة تجعل من أية خطوة في هذا الاتجاه ما هي سوى امتداد طبيعي وتتويج حقيقي لمسار وطني جديد له امتداداته في أرض الواقع قبل أن تكون وليدة حيثيات اللحظة الحالية التي تعيشها البلاد منذ مطلع العام الماضي- هذا أولا.
- وباعتبارات لها علاقة وثيقة الصلة بحيثيات المتغير الشعبي والشبابي الحالي التي برزت مع أحداث العام الماضي، في ضوء ما أصبح يفرضه من ضغوط حادة ودوافع مهمة في اتجاه إحداث تغييرات مهمة في واقع الحياة السياسية برمتها، تفضي- في المحصلة النهائية- إلى انفراج نسبي ومهم تنعكس آثاره في واقع الحياة العامة- ثانيا- وصولا إلى اعتبارات لها علاقة وثيقة الصلة بحيثيات العامل الخارجي في ضوء ما أصبحت تفرضه المصالح الحيوية للأطراف الإقليمية والدولية المعنية صاحبة المصلحة المشتركة من أهمية لا بل وضرورة الانتقال الأمن لليمن إلى مصاف الدولة المدنية البحرية الحديثة دولة النظام والقانون وولوجها مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة من أوسع أبوابها- ثالثا.
- وبمعنى أكثر دقة وتحديد ومن هذا المنطلق فإن ملامح الإجابة على هذا التساؤل قد أصبحت واضحة إلى حد كبير في مضامين وأبعاد ومسارات مفردات خارطة الطريق الجديدة التي تمثلها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، باعتبارها امتداد طبيعي وتتويج حقيقي لمسار وطني جديد ومن ثم انعطافة نوعية في مسيرة حركة التغيير الوطني بمسارها الجديد، التي ركزت إلى حد كبير في المدة المحدودة (2.5عاما) على معالجة إرهاصات حيثيات الملف السياسي الداخلي أكثر منه الملف التنموي، باعتباره الحلقة الأكثر أهمية القادرة على إحداث النقلة النوعية المنشودة في الواقع اليمني برمته من عدمه ومفتاح الحل الأساسي للأوضاع التي تعيشها اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا برمتها كما أوضحتها في مقالاتنا قيد النشر في سلسلة تحت عنوان (اتجاهات جديدة نحو فهم أعمق لحقيقة الأوضاع الحالية في اليمن وأفاق حلها !!).
- في ضوء ما يتوقع أن يترتب عنه من انعكاسات وآثار ايجابية في اتجاه تصحيح مسارات الحياة الرسمية بأبعادها السياسية والدستورية...، والعسكرية والأمنية، وصولا إلى الحياة غير الرسمية بأبعادها الاجتماعية والشعبية....الخ، بما يهيأ البلاد بنظامها السياسي ومواطنيها إلى حد كبير للانتقال الأمن إلى مصاف الدولة المدنية البحرية الحديثة دولة النظام والقانون بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة، من خلال ولوجها أهم مرحلة من مراحل العمل الوطني قاطبة التي تمثلها مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة من أوسع أبوابها.
- وضمن هذا السياق- أيضا- تجدر الإشارة إلى إن أحد أهم القواعد العامة بهذا الشأن تفيد أن شكل ومعايير قيام أية نظام سياسي في أية بلد يعكس إلى حد كبير مصالح الأطراف النافذة في المجتمع بكل تياراته وشرائحه وأطيافه المهيمنة على مصادر القوة والثروة فيه والساعية وراء احتلال مكانتها فيه أكثر منه المصالح الوطنية العليا للبلاد وعموم أبناءها، وبمعنى أخر تبرز أشكال ومعايير الأنظمة السياسية كي تعكس طبيعة ومستوى ومن حجم التوازنات القائمة فوق مصالح عموم الأمة بين العناصر والقوى والتيارات النافذة فيه، ويتم إعادة صياغتها ومن ثم بلورتها على أرض الواقع في الجزء الأكبر والمهم منها على أنها المصالح الوطنية العليا للأمة.
- ولكن لهذا الأمر استثناء مهم في وقتنا الحاضر أصبح له شأنه على أرض الواقع؛ تترجمه إلى حد كبير متغيرات ما شهدته المنطقة العربية واليمن منذ مطلع العام الماضي بدخول جزئي نسبي للمتغير الشعبي والشبابي منه- بوجه خاص- في إرهاصات المشهد الداخلي- السياسي في بيئة داخلية وخارجية حاضنة له إلى حد ما، بصورة غير مسبوقة إلا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فالشاهد في هذا الأمر يمكن إعادة بلورته بالقول إن كان المتغير الشعبي قد أصبح رقما مهما إلى حد ما في المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد لا يمكن تجاوزه أو تجاهله في أية ترتيبات قادمة، فإن العامل الأكثر حاسما في ذلك يدور إلى حد كبير حول طبيعة مدى قدرة حركة التغيير الوطني على إحداث نقلة نوعية لهذا المتغير إلى قلب المعادلة الداخلية، كي يصبح محور ارتكاز لكافة أو معظم التوازنات قيد التبلور؛ من خلال قرارات تنموية ضخمة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية....الخ خارج كافة الحسابات التقليدية المتعارف عليها.
- وأخيرا يجب أن نشير- أيضا- إلى بعض أهم الحقائق التي يصعب تجاوزها أو تجاهلها عند محاولة إعطاء إجابة شبه مكتملة الأبعاد، يمكن إعادة بلورة بعض أهم معالمها الرئيسة بالقول في حال كانت كافة الفعاليات المعنية؛ بتمثيل المجتمع اليمني بكل تياراته وشرائحه وأطيافه في مؤتمر الحوار الوطني الشامل القادم إلى هذا اليوم- وفقا- لما تشير إليه معظم الدلائل التاريخية لا تمثل سوى جزء لا بأس من المجتمع، ليس هذا فحسب، لا بل وفي ظل استمرار تنامي حالات الانقسام والتضارب الحادة فيما بينها وانتفاء إمكانية تضيق حدة الخلافات السياسية القائمة في الأساس بين التيار التحديثي التحرري وبين التيار التقليدي المحافظ والمتطرف وشركائه، باعتباره صراع مصيري بين فكرين ومشروعين وإرادتين أكثر منه صراع تقليدي- من جهة- وبين مكونات التيار التقليدي وشركائه أنفسهم سواء داخل كل مكون على حده أو فيما بين بعضها البعض، جراء استمرار تنامي حالات التضارب الحادة بين مصالحها والمصالح الوطنية العليا- من جهة ثانية- فإن هنالك صعوبة حقيقية أمامها- وفقا- لما تشير إليه الكثير من التوقعات الحالية للتوصل إلى اتفاقات حقيقية تجسد الجزء الأكبر والمهم من المصالح الوطنية العليا، على الرغم من كل المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية المساعدة والمحفزة بهذا الشأن.
- ونظرا لعدم وجود أية إمكانية لتمثيل كافة شرائح المجتمع وتياراته وأطيافه كما ونوعا؛ جراء اعتبارات عديدة لها علاقة بالجوانب الفنية التي فرضتها طبيعة اللحظة التاريخية نفسها، وصولا إلى وجود صعوبة حقيقية لضمان إمكانية تحقيق أية تقارب حقيقي في الروي والتوجهات والمواقف والسياسات بين جميع الفعاليات التي سوف يتاح لها تمثيل المجتمع في المؤتمر، بسبب طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الاختلافات والخلافات القائمة فيما بينها.
- يصبح من الضروري على حركة التغيير الوطني لإحداث نقلة نوعية في هذا الأمر تبني مشروع برنامج وطني طموح جدا للأربعين عاما القادمة (تحويل اليمن إلى دولة بحرية عظيمة لها شأنها) يجسد الحد الأعلى من المصلحة الوطنية العليا ومصالح الأطراف الأخرى المشار إليها أنفا في اتجاه ضمان الانتقال الأمن لليمن دولة وشعبا لمصاف الدولة المدنية البحرية المنشودة وإرساء مداميكها، تستطيع من خلاله إلى حد كبير سد معظم الاختلالات الحادة في المؤتمر التي يصعب تجاوزها أو تجاهلها، كما أوردنا بعض أهم مؤشراتها في مقالاتنا الأنفة الذكر بعنوان (الحوار الوطني: لماذا يجب أن يكون مجتمعيا قبل أن يكون حزبيا!!) و(أربعون سؤالا مصيريا إلى من يهمه الأمر: من سوف يمثل المصالح الوطنية العليا للشعب اليمني في مؤتمر الحوار الوطني الشامل !!) و(ردا على الأربعون سؤالا مصيريا: نحن بحاجة ماسة لتبني مشروع برنامج وطني طموح جدا في مؤتمر الحوار!!) و(مستقبل اليمن في مؤتمر الحوار الوطني الشامل: قراءة في حيثيات خارطة الطريق ألحمدي- الصالح الهادي!!)، بحيث تنحصر مهمة المؤتمرون على إقراره كخارطة طريق يمنية جديدة لبناء اليمن الجديد بالارتكاز على البحر من خلال إخراجه في هيئة برنامج تنفيذي مزمن للأربعين عاما القادمة.
- ويكون امتداد طبيعي وتتويج حقيقي لمسيرة حركة التغيير الوطني على مدار العقود الماضية- هذا من جانب- ويفتح المجال واسعا أمام كل العناصر والقوى الوطنية للمشاركة بفعالية واقتدار ووضوح في رسم مصيرهم في هذا المنعطف التاريخي الاستثنائي الذي لن يتكرر إلا بعد زمن بعيد كلا بحسب وزنه وقدرته وطموحه؛ من خلال ما يتوقع أن يوفره للكثير من المستلزمات ومن ثم المقومات المهمة اللازمة لإعداد خارطة الطريق الجديدة (برنامج تنفيذي مزمن) اللازمة لبناء مداميك اليمن الجديد في الأربعين عاما القادمة- من جانب آخر.
- وهو الأمر الذي سوف يترتب عن تبني هذا المشروع إمكانية توفر رؤية عامة ذات طابع إستراتيجي واضحة المعالم الرئيسة إلى حد كبير كما أوردنا بعض أهم مؤشراتها في مقالاتنا المنشورة على سبيل المثال لا الحصر بعنوان (قراءة في البعد الاستراتيجي: اليمن وإمكانية التحول إلى دولة بحرية عظيمة !!) و(فخامة الأخ رئيس الجمهورية، الأخوة في مهرجان الحوار الوطني الشامل: هل وصلتكم رسالة الشعب اليمني العظيم من خلالي) و(مشروع نظام الحكم المحلي الأمثل لليمن!!) و(النظام الرئاسي الأمثل لليمن!!).
- تغطي الحدود العليا والدنيا لطبيعة ومستوى ومن ثم حجم الانجازات (المخرجات) المنشودة الملقاة على عاتق كافة الأطراف المعنية وحركة التغيير الوطني منها- بوجه خاص- وصولا إلى كافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بصورة سوف (أو يجب أن) تنعكس إلى حد كبير وبشكل إيجابي على أهم المحاور الحاكمة لخارطة الطريق الجديدة الحالية (المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة).
والله ولي التوفيق وبه نستعين