قصة المعركة والشهادة/حيدر الجابر
Mon, 9 Sep 2013 الساعة : 18:10

الحديث عن محمد الصدر لا يريد ان ينتهي، ربما لأنه شكّل علامة فارقة مميزة في التاريخ، وكذلك الكشف عن تفاصيل حركته القصيرة زمنياً اللا منتهية تاريخياً، أو ربما لأن حركته ما زالت تتمتع بالحيوية والديناميكية نفسها التي انطلقت بها. وبينما كان التوقع الأكثر حضوراً أن ينتهي كل شيء بنهاية حياته، وبينما ظن الكثيرون أن الحركة التي انتفضت بعد استشهاده كانت حركة قصور ذاتي بعد غياب الدافع، كشف الوقت عن تيار متبلور واضح الأهداف انبثق من بين كلمات وسطور خطب الجمعة، ليتضح للجميع أنه الأكثر قوة والأوفر حظاً في السيطرة على الشارع، وتسلم زمام المبادرة، وملء الفراغات الفكرية في المجتمع.
تتميز حركة محمد الصدر بكثافة نشاطها واختزالها لعنصري الزمان والمكان، حيث استطاع هذا الرجل الذي تلقى أنواع التعذيب في السجون، مع إقامة إجبارية زادت على عقد كامل، استطاع ان يوظف يوم الجمعة ومنبره لصالحه، ولم يضيع جزءاً منه، بل كانت اللحظات التي يقضيها بين أتباعه وكذلك طلابه الذين انتشروا في مدن العراق، لحظات تربية وتوجيه، نفتقدها اليوم. نعم، كانت الجمعة تتميز بأن خطبتها شغل شاغل للمصلين حتى يوم الجمعة المقبل. لقد كانت منبراً إعلامياً توجيهياً أعاد للأمة ارتباطها الروحي، في وقت كان الإعلام محجوزاً للدكتاتور وحزبه المقبور. كانت تلك الأيام نشطة، تخفي بين ظلالها الاستعداد المبكر للصدام مع السلطة.
لم يكن محمد الصدر ظاهرة انتجتها المتوالية الحوزوية، ولكنه ضرورة أفرزتها الوقائع السياسية والاجتماعية العراقية، لقد كان ثورة على داخل الحوزة، وثورة على خارجها. وفي الوقت الذي واجهه الأعم الأغلب من النخب بالرفض والنقد والاتهام، استغلت السلطة المستبدة الفرصة وعبر جيش مرتزق من رجال الامن والحزبيين وجهت سهام الطعن والقذف. المدة الزمنية بين 1994 و1999 شهدت حرباً غير معلنة ضد محمد الصدر. ولم يكن دفاعه يحتوي غير صوته واسلوبه المنطقي، ومعه عواطف الآلاف الذين وجدوا فيه ضميراً حياً، وخلاف ذلك كانت الدعاية الإعلامية ضده تعمل على قدم وساق.
لقد انتصر محمد الصدر في تلك المعركة، وكانت لحظة إعلان الانتصار هي نفسها اللحظة التي سقط فيها شهيداً مع اثنين من أبنائه..