ليالي شهرزاد/كريم شلال
Mon, 2 Sep 2013 الساعة : 12:42

من ليالي شهرزاد .. قطرة الجنون
قراءة في قصيدة الشاعرة / امان الله الغربي
كريم شلال
ليس الشعر قولا ذاتيا صرفا ، او موضوعا محضا ، وانما هو بين" بينين " فهو تواشج بين الواقعي والمندس ، فالشعر ليس بسحر لكنه من طينته فهو يجمع بين الاضداد ويؤلف بينها الشعر ماهو الا رسم للكلمات كما يراه نزار قباني ، فهو فضاء للتشكيل اللغوي ـ وفق رؤية لسانية ، بل هو توقيع على المكبوت ، كنظرة نفسية تحليلية . انه تجسيد لحلم يتراءى للانسان ، فيحيله الى اللغة كاحلام شعرية يتعالى فيها الوعي الانساني بالذات وتصرخ بها اللغة باستخداماتها العليا المختلفة عن اللغة العادية لقوتها التعبيرية .
من كل ذلك يتبين ان الشعر لغة حية تنبض بالمعاني العالية والمؤثرة للقاريء ، وهنا تدخل حبكة الشاعر وقراءته لمتلقية وهو سر نجاج شعره . من هنا جاءت الاهتمامات بالشعر ، ومن خلال المتابعة والتمحيص في رموزه واعلامه ، وما نتلمسه من متابعتنا للمشهد الشعري العربي انه اصيب بصدمة الحداثة ، عندها استيقظ شعراؤنا ليروا انفسهم عراة امام اوهامهم فاكتشفوا تخلفهم عن الركب . وظل الحال بين مناديا بالزحف نحو الغرب ، وبين العودة نحو السلف الصالح ، او انتهاج الوسطية .والشعر التونسي ليس ببعيد عن كل ذلك ، الا انه حمل ملامح هوية منفتحة ـ نوعا ما ـ على منجزات الاخر النصية ، المتقاطعة من النسيج الشعري القديم ، مرتدية جلبابا تعبيريا مغايرا لصنمية الشعر العربي القديم .هذا ما نتلمسه من قراءتنا لقصائد الشاعرة المبدعة " امان الله الغربي " وهي تشق طريق الابداع والتجدد ، بل والزحف نحو حفر اسمها في الذاكرة الشعرية التونسية العربية ، بعدما نسجت قصائدها بروية وهدوء نسجا متناغما مع روح العصر مراعية ذائقة متلقيها لتحصد نجاحاتها بكل هدوء ، لتنسف قواعد التخلف الشعري وكسر صنمية القديم ، لتضع بصمات تجديدية وفق رؤى حداثوية يستسيغها القاريء العربي ، تقول :
ألا زال فكرك يصول
في حبة بين أخذ ورد يجول ؟
ألا زال وعيك يتحسس
حنايا نبضي
ليعلم من أكون؟؟؟؟؟
ان صرخة التحدي ونبرة السمو تطلقها الشاعرة ، تلك الصرخة الوامضة التي تذهل كل مثمول
أنا قطرة
اللا وعي المجنون
يشتاقها كل مثمول
أنا ومضة البرق
على عين الذهول
تبصر ممتع تنشره "امان " في دنيا اللا امان ، حيث الجري خلف الاجساد ، دون وعي او بصيرة او تحسس او شعور لنبضات ارواح تلك الاجساد ، انها تصرخ بوجة الهمجية والذكورية المتسلطنة ان الانتظار طويل ، وليالي شهرزاد طويلة عليك يا شهريار، ان الانتظار سيطول حتى يستقيم امرنا ونجاري رياح التغير ،ونخلع برقع الزيف" الثوب الخجول "
انتظار ممشوق على
غصن مستور
أنثى ضياء
في ثوب خجول
نفثها حبر الصبابة
من قلم مهموم
تنجح الشاعرة بايصال صرختها بان المراة ليست جسد يشتهى ليلا ويقذف وتقطع انفاسه نهارا
أنا
ظلك نهارا يتبع
خطاك أين تكون
ألبسك ليلا في خشوع
تنجح الشاعرة الى حد ما بنشر الفاظ التحدي والانفتاح نحو نافذة التمدد الطولي والافقي ، لتخبر العالم ان الانثى مقتدرة ومتمكنة على تحدي جلاديها بصبرها وانسيابيتها نحو اطلاق مشاعر فياضة طالما استحسنتها الذائقة العربية والتونسية حصرا لما تعانيه الذات العربية من حجر ، فتراه تننثر دموعها بين الجفون المحترقة لاطفائها :
قلب صبور
أنا
دمع الماسة بين الجفون
تلك القطرة المحترقة
في شمع الشجون
سيل أفاض كل
قلب مفتون
حتى البحر اختل
توازنه حضن قطرتي
بكى أغرق الدنيا
وصار غير مسؤول
وتكرر " انا " تحديا لكسر خفوت جذوة الانوثة العربية ، بل صرخة لذكورية مقيتة ، لتهيج لوعتها قطرات تملا الصحارى ، لتجبر جناجا مكسورا برذاذ شفيف قطراتها
أنا
قطرة النجدة لعطشى
الصحاري والبرور
قطرة ندى على
ورد جناحه مكسور
لربما يبان لك
ضربا من الغرور
قد أكون قطرة
وأدوم لفترة
ان توظيف عنصر الماء "القطرة" كمطهر لادران وخبائث النفوس التي تناجيها / توظيف رائع ، لما يحمله الماء من اثر الخير والنماء
لكن يقينا لولا القطرة
ماذاقت روحك
طعم لذة الفترة
ونقول ان ما سطرته امان الله / في شهرزاد / ايماءة ناجحة لما تحمله هذه الشخصية من اثر كبير في الموروث الاجتماعي وسر نجاحها امام نزوات شهريار، تلك النزوة المتصاعدة حتى يومنا هذا ، بان شهريار موجود في ضمائرنا ، ولابد من ان تتصدى له شهرزاد لتوقف نزواته وتسلقه ماهو الا نجاح للشاعرة في توظيف رمزية التسلط الذكوري وقهره بالحكمة النثوية .