(اسمك بالحصاد ومنجلك مكسور)/فارس الفايز

Tue, 27 Aug 2013 الساعة : 23:25

في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات القادة الميامين ،بأن العراق ثاني أكبرمصدرللنفط ، تتعالى آهاتنا، وتتكدس حسراتنا ، بحجم أكداس القمامة التي تتشي بها طرقاتنا، وساحات مؤسساتنا، وتتسع أحزاننا بسعة أحياء الحواسم، وأحياء التنك ، فيتمطّى اليأس في مخيالنا كما تمطّى الخراب في كل أركان حياتنا.
لا نريد أن نردِّد معزوفتنا الممجوجة، بأن أحلامنا قد تخثرت وتخثرت حتى دب العفن إليها،وأن الفقر يفترش أرواحنا ، وأن أعمارنا طحنت بين فكّي ماضٍ متّشحٍ بالحروب ، وحاضرٍ تفخَّخ فيه كل شيء ، وأننا شعب يختزن الموت على طول مسافات ذاكرته ، فهو الرفيق في الشارع، وفي السيارة، وفي العمل وفي المقهى ، وفي خزانة ملابسنا، فلا نبالغ إذا قلنا : بأننا فتحنا عيوننا على جثث القتلى ، ولوعات الحصارات، والقحط ،وتسابقت خطواتنا في دروب الهجرة، والضياع، والتشرد، ولم تزل مصائرنا في جيوب السماسرة، يبيعون رقابنا على صخب موسيقى الروك ، أو تحت قبّة جامع يدوي فيه صوت الأذان .
فإذا عدنا نحن أبناء هذا الجيل من حياتنا بالكفاف، فهل سنورِّث كفافنا لأطفالنا؟، وهل نترك اللعنات التي لاحقتنا تلاحقهم؟.
في دول الخليج عندما تدخل مدرسة يذهلك بناؤها ، وتصميمها، وأثاثها ، ومرفقاتها، فهي أفضل من أجمل كلية عندنا في أحسن جامعاتنا وأعرقها، وحين ندخل إلى مدارسنا ذات الفصال الواحد، والخريطة الأسطورية المقدسة، فأننا نتجول بين أكوام من المزابل، ونتعثّر في مطبّات الساحات الصلعاء، والأرضيات المتموجة، وتجلدنا حرارة الصفوف ،والممرّات ،فالطواف في مدرسة عراقية ، كالطواف في مقبرة قديمة، أو كراج ،وتقليب البصر في أثاث إدارتها، كتقليبه في أثاث مطعم شعبي ، فأين تكمن المعضلة؟ : في الدولة التي نست كل شيء في زحمة الإرهاب والفساد ،أم في مديريّات التربية التي خدّرتها البيروقراطية .
يقول أحد مدراء المدارس حاكيا عن معاناته في استلام السلفة المستديمة (خمسة ملايين دينار) التي تعطى مرة واحدة في حياة كل مدرسة، للترميم ،أو لإعادة هيكلة بعض المرافق، وسد النواقص : ذهبت والأمل يهرول أمامي بأن أستلمها في مراجعة واحدة ،فالمسافة بين قلعة سكر والناصرية التي تقع فيها مديرية تربية ذي قار لا تقل عن 120كم إذ لا يمكن أن لا يضعوا هذا البعد في حساباتهم ، فالموضوع فيه خدمة للصالح العام، و بمجرد أن يعرفوا بأنني مدير مدرسة، ستفتح أمامي الأبواب مشرعة ، وقد أخذت طريقي كله أفكر في ترتيب الأولويات، وكأن السلفة في جيبي ، فأحاور نفسي، سأشتري مراوح بدل المراوح العاطلة، وأرتب حنفيات المياه، وأعيد تأهيل الحمامات، وأشتري عددا من الجامات التي أحرج بها برد الشتاء، وأعلن انتصاري عليه هذه السنة وووو...........، فماذا كانت المفاجأة ،مراجعة تجرُّ أخرى، وموظفة تلوك توسلاتي كما تلوك لفّتها تبعثني على أخرى مشغولة بطفلها، أو على موظف أكثر أوقاته متجهم الوجه، كقضاة العصورالمظلمة، يصرخ بي كلّما أتيته بأوراقي من خلف فتحة شباك صغير،وأنا أردّ عليه كمتسولٍ بصوت يبلّله الخوف والرجاء.
ومن يوم 15/3/2013 إلى يوم 20/8/2013 خمس مراجعات والحبل على الجرار، والآمال تتبخر والخمسة ملايين لا أدري في أي مصرف تتبختر ، وأسألكم الدعاء.
فتخيلوا كيف سيكون مستقبل فلذات أكبادنا إذا كانت مدارسهم ، وهي محطات خروجهم الأولى نحو الحياة العامة بهذه الهيئات الخربة ، وتدار بهكذا آليات روتينية مخرومة تشل الإصلاح،والتطوير، ونحن نتوخى فيها أن تكون: الحواضن التي تنشأ وتكبر في ظلالها قدراتهم وعقلياتهم، وترعى مواهبهم وابتكاراتهم ، ولذا ادعوا الله معي أن لا يجعلنا أول أكبرمصدرٍللنفط.

فارس الفايز /قلعة سكر
تدريسي في جامعة سومر

Share |