سفاراتنا تشكو ساكنيها -قاسم محمد الكفائي-كندا

Thu, 28 Jul 2011 الساعة : 21:32

على هامش مؤتمر سفراء العراق الثالث
الأسبوع المنصرم كان صاخبا بأصوات وكتابات وسائل الأعلام العراقية ، تفيدُ بأنعقاد مؤتمرسفراء العراق في الخارج الذي بدأ أعماله في بغداد العاصمة  ثم انتهى منها في 23 – 7-2011 . تابعنا بشيىء من الوعي والنضوج أعمالَ هذا المؤتمر من خلال الأنترنيت . فبقلب موجَع  ندعو لسفرائنا بالتوفيق في كل أعمالهم خدمة لوطنهم وشعبهم . لكن في الحدث هذا ما أهاج الجروح التي كان قد توَشَّمَ بها فؤادي منذ نيسان عام 2003  عندما خلت بعضُ سفاراتِنا من عصاباتِ صدام التكريتي بعد سقوطه ، حيث باتت في ذلك الحين عرضة للنهب والفوضى والفساد ، ثم صار بعضُها الآخر لا يمثل العاصمة بغداد ، وقد هيمنت على أعمال أعضائِها الروحُ القومية والطائفية والأقليمية كبديل عن مصالح العراق . كارثة ٌ حلت على بلدنا وخلفت في نفوسِنا نحن العراقيين ألوانا من الشجَن والحزن . لقد تحسّنت بعضُ ( الأحوال الأدارية ) قليلا في سفاراتنا هذا العام 2011 ، وبقي ما هو الأهم , ( الأمن والسرية ) الذي لم يُكشف عنه الى اليوم ، ولم يتطرق له مسؤول ولا مُشارك في المؤتمرالثالث لسفراء العراق ، إلا اللهم خلف الأبواب الموصَدَة , وهو الصحيح .
فمن عمق ثقافتنا وتراكماتها في الحياة السياسية ، وسنين الغربة المُوحِشة ومخاطرها تعلمنا أن السفارة في أي بلد يتم فتحها ولأي بلد تعود هي محط أنظار وصراعات المنافسين والمتنافسين من سفارات الدول الأخرى التي تمثل مصالح وسياسات بلدانها ، أو من الأعداء والأصدقاء والمراقبين والفضوليين في الأحزاب والتكتلات والجمعيات والتيارات ووسائل الأعلام بحسب موقفهم الظاهر والباطن . فالسفارة بالعرف الدبلوماسي هي الممثل الرسمي للبلد الذي تنتمي اليه في سياسته ومصالحه ، وفي المعنى الثقافي والأخلاقي هي المرآة التي تعكس ثقافة وحضارة وتاريخ بلدها وشعبه كي تتعرف عليه الشعوب بحسب موقعها في هذا العالم ، كما أنها محطة تلاقح ما بين الحضارات والثقافات والمعرفة . فرسالتها السياسية والأنسانية أن تجعل البلاد والشعوب في تطور دائم وازدهارٍ ورُقي . وللسفارة معناها الوطني الرائع أنها بيتٌ لأبنائها في الخارج ، تهتم بتدبير شؤونهم وصناعةِ مستقبلهم ، وتتابع أمنهم  . وفي كل الأحوال تبقى السفارة بحاجة الى من يصونها كصرح ٍ دبلوماسيٍّ ووطنيٍّ ممثلا لطموحاتِ ومصالح  البلاد التي تنتمي اليها . فلو سلمنا بالرأي القائل أن السفارة هي الهدف الثابت الذي تحوم حولهُ مطامعُ الدولة التي تستضيفها لأقامة أحسن وأفضل العلاقات السياسية والأقتصادية والعلمية ، فأنها في ذاتِ الوقت تبقى نفس الهدف الذي يحومُ حوله جهازُ مخابراتِها بغرض النفاذ الى داخل حصنِها كي يتعرف على خفاياها ، وطموحاتها ، والتنصت على حديث موظفيها خلال مؤتمراتهم الأسبوعية ، أو أثناء واجباتهم الرسمية اليومية داخل السفارة .
في الأعوام التي مضت من عمر العراق الجديد كنتُ أبحث عن فرصة مناسبة لأكتب فيها عن أمن السفارات ، ولما تستوقفني خطورة الكتابة لِما لها من تبعات خطيرة على حياتي ( ليس عندي ما أخشاه على حياتي غير المخابرات الكندية . أقولها وأنا لستُ بغافل عما أقول ولا نادِم ) ، أظلُّ حريصا ، منتبها على مواصلةِ موقفي . وفي ثقافتي عن جهاز المخابرات الكندي أن سرَّ ديمومة عمله واحراز تقدمه هو المتابعة والتنصت على الأنسان والمؤسسات المحلية والخارجية لأتفهِ القضايا وأعظمِها بأسلوبٍ خارج عن إطار المهنية والأكاديمية ولا تتشابه معها أحيانا . إن المعادلة َالثابتة التي ينتهجُها جهازُمخابرات دول الغرب وأمريكا الشمالية– كندا و أمريكا – أن تبحث عن فرصةٍ مناسبة ولو لبضع ساعاتٍ للنفاذ الى مبنى أي سفارة من أجل زرع أجهزة التنصت في داخلها بوسائل دقيقة ومعقدة الكشف لا تمر على بال حتى المتخصصين في بعض دولنا الشرق أوسطية . إن صحَّ هذا بالحكم العام فأن هناك العديد من سفاراتنا في دول أوروبا بما فيها سفارتنا في أوتاوا عاصمة كندا قد خلت بناياتها من ساكنيها أو حتى متابعة بعضهم لشؤونها أياما معدوداتٍ ما بعد سقوط أركان نظام صدام وهزيمته . لذا يتعين على الجهات الرسمية في العراق أن تعملَ ما بوسعها من أجل ضمان سلامة أمن سفاراتنا في الخارج . هذا الضمان لا يمكن أن يحصل بخلفية وذهنية تزدحم فيها أوهام الفطنة بينما هي قديمة ، منتهية الصلاحية  أمام التطور المُذهل في أساليب الجاسوسية الغربية . ( قد يفكر بعض موظفي سفاراتنا أن يبحث عن أسلاك غريبه أو عدسات مخبئة على جدران وفي ثنايا البناية ، ولما لم يجد شيئا يعتقد أن السفارة غير مُستهدَفه  وفي أمان . أقول لهذا الموظف الف مبروك للعراقيين عليك ).
في مايس عام 2010 كانت هي المرة الأولى التي أزور فيها سفارة وطني في - أوتاوا – ، وقد التقيت بالرجل الثاني فيها . جلسنا وتحدثنا ، فتمنيتُ في حينها أن أجدَ سفارتي في حال أفضل . لكنني وجدتُ الموظفين الآخرين يتعاملون مع زوارهم العراقيين بشيء من الحرص والمُجاملة – تنفيذا لتوصيات السيد رئيس الوزراء - . بعد أشهُرٍ التقيتُ فيها بسعادة السفير وجلسنا لأكثر من ساعة . كان رجلا دمثا ، حريصا ، يتصف بشخصية أكاديمية ( كما سمعت منه . أعتقد أن  الأكاديمية لم تكن الأداة الضامنة لحفظ سفارتنا من الخطر الذي نحن بصدده ، هذا عالم مختلف ) ، لكن تبقى سلامة بنايتنا وأمنها تحتاج الى أبعد من كل هذا . ( في صالة الأستقبال جلستُ وبعَمد تحت صورة السيد رئيس الجمهورية ولما أحسَّ السفير ابتسمَ فأوضحتُ له بأنه رئيسنا وأفخرُ به ، بعيدا عن أي تفسير يعيق هذا الشعور، فكان مبارِكا للرأي .
ما قبل لقائي هذا كنت قد التقيته  قبل أسبوعين في مركز الأمام علي بن أبي طالب – ع – في مدينة تورونتو عند زيارته الجالية العراقية  ، للأستماع الى قضاياهم  وحلِّ مشاكلهم ( عملٌ رائعٌ وصحيح ) . في معرض كلامِه عن السفارة قال ,,, عندنا الآن مشروع تهديم البناية لأنها قديمة ولا تصلح  لممارسة أعمالنا فيها ، وقد نستعين بالعاملين والمهندسين العراقيين المتخصصين . كلامٌ يتسم بالمسؤولية ، وذو أبعاد واقعية يدفع بالسيد السفير أن يُكمل المشوار في مشروعه الوطني هذا ، على أن يبدأ من أساسه وحتى سقفهِ ، كذلك تأسيس شبكة الكهرباء والتلفونات بأيدٍ عراقية قادمة توّا من الوطن . في فمي ماء يا سادة .
على العموم ، يصعب الكلام بهذا الخصوص لكنني لا أخفِ لو قلت أن السفارة مهما صار كل أعضائها مخلصين في عملهم ، ومهما عَظمت بنايتها وطرازها ، وأوصِدَت أبوابُها فأنها لا تصلح لأخذ دورها اللائق عندما تتسلل في داخلها وسائلُ التجسس التي يزرعُها جهازُ مخابرات آخر ( كارثة ). هذا المناخ يكون فيه طاقمُ تلك السفارة مجرّد ناس عراة يتحركون ويمارسون نشاطاتِهم الرسمية بأوهامهم وسذاجتهم ، حتى لو حسبوا أنفسهم دبلوماسيين منبهرين بعالم الحصانة والأناقة ، وأنهُم مُحترَمون ، وكل أعمالهم صحيحة وسليمة . إنه خيالُ عراة غافلين ، ليس إلا .
هنا لا يسعني أن أبوح بما يمتلىء به صدري وذاكرتي من قضايا صارت ثقافتي في حياتي اليومية عن حقيقة عمل جهاز المخابرات الكندي الصهيوني سوى أن أهيب بمؤسساتنا المختصة أن تمارسَ دورَها الحقيقي للحفاظ على سلامة أمننا ومصالحنا في سفاراتنا خارج العراق وفق ضوابط ناجحة وصحيحة . هذا الأمر ليس بسرٍّ بل تمارسه كل دول العالم بما فيهم الصومال وجيبوتي . الى هنا اتوقف عن الحديث .... ولا أقول سوى كلمتي المفجوعة .. انقذوا سفاراتنا في الخارج من شرِّ المخابرات الصهيونية العالمية ، والرجعية العربية في الأردن والسعودية وقطر والكويت ، وانقذوها من ساكنيها الذين – امتطوا – مناصبَهم على أساس المحاصصة وليس خدمة العراق وصيانة أمانته ، حتى لا تكون حكومتنا وشعبنا ودولتنا كالنعامة ....في فمي ماء .
إن العملَ الدبلوماسي الذي يقوم به أعضاء أية سفارة لا يكفي ولن يتكامل بمجرد موظفيها والبناية التي يشغلونها ما لم يتحصن الجميع بوعيهم ونزاهتم وتابعيتهم لمرجعهم الرسمي –حكومتهم - الذي اختارهم ودفعهم باتجاه هذا العمل الوطني المحترم .                                                                                                                 
(( تنبيه شديد ! أرجو أن لا يغفل القارىء الكريم من أنني لم أكتب مقالتي هذه على أساس شعوري بالمناخ الديمقراطي الكندي ,,, لا يا سادتي هذا الشعور هو عند – الأفندية - الذين عاشوا في كندا وخرجوا منها غافلين لا يحملون غير شهادتهم وألف مبروك لهم ... أنا أكتب بهذه الجرأة لأني دفعت الثمن غاليا – عافيتي وحياتي –  منذ ثمانية عشر عام وما زلت في ظل مخاطر جهاز مخابرات كندا الصهيوني )) .

 

Share |