رحلة على طريق الطار/احمد الاسدي
Tue, 20 Aug 2013 الساعة : 0:05

اليوم انطلقت بسيارتي الى سوق الشيوخ مارا بطريق الطار (ناحية الطار التابعة لقضاء سوق الشيوخ 29 كلم جنوب مدينة الناصرية ) , فعادت بي عجلة الزمان الى الوراء حين كنت اصغر بكثير من الان وانا اتخيل تلك البساتين فغبت عن وعيي للحظات وانا اتصور تلك المدينة الجميلة قبل , والتي كانت عباره عن فردوس لاشجار النخيل واهوار مليئة بنباتات القصب والبردي حيث تعلو تغاريد الطيور في سمائها , وتملئ اجوائها عطر النباتات الفواحة.
وانا امسك عجلة القيادة حينها بدأت احلم بتلك المناظر الخلابة ورائحة النباتات الطرية المرتوية بالمياه العذبة وسكانها البسطاء , غمرتني تلك الصور التي في مخيلتي حد الثمالة , واصبحت ارى تلك الاضواء التي تتخلى اشجار النخيل وهي تعزف على خويصات السعف الممتلئه بمياه الفرات العذبة , واستمع الى قهقهات البلابل وهي فرحة تحلق عاليا فوق الاشجارالمحاذية للطريق.
وتستمر قوافل الذكريات في مخيلتي
وانا اتذكر عندما كنت امر على دراجتي البخارية وسط تلك البساتين والتي دائما ما اغوص بجسدي عيمقا عبر موجات روائحها الزكية وأتيه روحي لتمتزج في اجواء تلك المروج الخضراء حيث كنت اتصور نفسي ملك اسطوريا يعيش لحظات نشوة حكمة .
فعاقرت ذاك المنظر الجميل حتى النخاع , وتركت الحبل على غارب روحي لتمتطي نفسها الى غابات السحر والجمال , فتمنيت حينها ان اترجل بعيدا عن دراجتي واركض مستمرا اطارد الفراشات هنا وهناك , واغطس بجسدي في عالم الاضواء الذهبية الهاطلة على اوراق نباتات السدر والنخيل .
وانا عبر الطريق اتصور الاطفال وهم يرمون باجسادهم الناعمة في احضان نهر الفرات ويصرخون بصيحات فرحة تنم عن امتلاء صدورهم بالحنان والمحبة لتلك الارض الجميلة , فتبتل نفسي حتى النخاع فرحا عندما اراهم وهم يسبحون وينادونني باصوات مكسوة بالمزاح البرئ كدعوة مباشرة في ان انظم الى عالمهم السحري.
لكن للاسف دائما للزمان نهاية فكنت امضي بعيدا عن تلك البساتين والمروج الخضراء بجسدي لكن روحي قد بقت منذ تلك اللحظات تطوف ارجاء الغابات السحرية وتشرب من عذب ماء ذاك النهر. وتغفو على سيقان اشجار السدر البريئة التي كانت تظل بجسدها المقدس طريق الماره.
وبعد ان عدت من حلمي وجدت نفسي وسط ذاك المكان اليوم , لكن اي مكان ؟
شارع اسفلتي متصحر مليئ يالاشواك , اما ضفاف نهر الفرات مستحمة بدهون السيارت ومرتدية نفايات المدينة التي نزحت بجسدها المسموم الى تلك البساتين , واستبدلت اصوات البلابل بمزامير الستوتات , وبناء عشوائي في كل حدب وصوب فاتمعن مع نفسي واقول من قتل ذاك الكوكب الجميل ؟ من القاتل ؟ ومالفرق ؟ فقد ذهبت تلك الفردوس واصبحت جثة تكسوها الرمال النازحة من قلب المدينة المسموم بغازات المركبات ونفايات الناس ,ووجوه تخشى ان تكلمها فتقوم بالتحقيق معك من اين انت؟ وماذا تفعل هنا ؟ كما حدث فعلا اليوم معي عندما سئلت عن طريق المؤدي للسوق فقال لي احد الناس بعد ان ادلني مالذي تريده هنا , وبعد فترة اوقفني شرطي مرور ليفتش سيارتي واخر يسألني من اين جئت والى اين ذاهب ؟ (وكاني في محكمة المختار احببت ان اقول هذا المصطلح لان فيه قصة اخرى)
فعندها احاول عبثا ان استوعب الصوره بين تلك الايام وهذه الايام , فما يتبادر الى ذهني الا سؤال واحد فقط الا وهو ؟ من قتل تلك الفردوس ؟ ومن قتل ساكنيها او استبدلهم بمحققي جرائم ؟