عقدة التدريس / الجزء (3) - عقيل عبد الجواد

Wed, 27 Jul 2011 الساعة : 14:54

يمنعون العقاب الجسدي لكن لا يحركون ساكنا ً لتغيير النمط التقليدي المقيت لأسلوب بناء المدارس فمدارسنا كسجون بجدران وباب مغلق – اكتمل السجن –
بل تستطيع ان تلاحظ ببعضها حتى العمود الكونكريتي الهائل الساند للسقف لأنها تحتوي على اخطر المجرمين براعم العراق ثم يأتي السجان وهو المدرس ليزيد الموقف سوءا ً فيقف إزاءهم واذا كان المسجون في السجن لا يجرؤ ان يتحدى سجّانه لوجود الضبط فهو هنا على العكس
فالمدرس يتحول الى هدفه الاول وهو هدف مغري وصيد سهل يفرغ به كل تمرده إزاء المجتمع وخيبات امله منه وحرمانه له من مدارس نموذجية بها وجبات تغذية وكافتريا وقاعة سينما ومسرح وقاعة لدرس الفنية وقاعة موسيقى وملاعب للرياضات المغلقة مثل الطائرة والسلة وكرة اليد والطاولة وقاعة جمناستك ولا تستغربوا متعجبين فأشياء كهذه موجودة في مدارس دولة صغيرة كالكويت ومنذ الثمانينات .
عندها فقط يجد نشاط التلميذ وطاقته مجالا ً لتفريغها واستيعابها ويصبح إلغاء العقوبة الجسدية امرا ً مجديا ً إذ لم يعد من تحد بين الطالب والمدرس ولم يعد المدرس حايط انصيص الواجب قفزه بل تحول دوره من سجان الى مرشد وسفير ارسله المجتمع الرحيم بالطالب لكي يهيئه لمستقبله ويعده لتحمل مسؤولياته .

لكن بما ان هكذا أمور بحاجة الى رغبة بترك المألوف والسير بطريق جديد وبالتالي اصرار وارادة وعملة صعبة - لصعوبة استخراجها من الجيوب وليس لصعوبة توفرها –
ولذا من الأسهل ان نجمل الصورة او اطارها الخارجي على طريقة البلدية بأعمار مداخل المدن والشوارع الرئيسية فقط لأنها الواجهة وبأعمارها تعمر كل المدينة .

ومثال الكوميديا السوداء الآخر حصل في فترة التسعينات عندما تم ادخال دراسة الكومبيوتر في المنهج ايضا ً تم الأمر بالطريقة العراقية المعكوسة
فالمفهوم ان تأتي للشخص وتعلمه السياقة اولا ً وبعد ان يتقنها تقوم كخطوة لاحقة بفتح بنيد المحرك والحديث له عن الية عمل السيارة .
لكن بالعراق العكس هو الصحيح دائما ً فأدخلوا أنظمة بيسك وغيرها لأناس لم يروا الكومبيوتر ولم يجلسوا أمام شاشته وأصبح الواحد منا أمام رموز واسرار وكأنه أمام علم متفرع من علم الرياضيات .

ان النظرة المنكسرة على وجه المدرس قد لاحظتها على أوجه جميع زملائي وان بدرجات متفاوتة لكني لم الحظها بزميل واحد فقط وهو منتظر الذي اعتبره استثناءها الوحيد .
بل ان زميلاً اخبرني انه عندما كان طالبا ً في الاعدادية كان أهله يقولون له صير مدرس فكان يجيبهم " أصير عربنجي ولا اصير مدرس " ويقول انه لا زال عند رأيه هذا .
إما ما يجب على الدولة فعله فقد ذكره صالح المطلك – ولو إني لا احبذ الرجل فهو طائفي كصنوه الهاشمي لكنها كلمة حق قالها – فقد قال ان الدولة عليها ان تحيل وزارتي الدفاع والداخلية على الاستثمار ثم تجعل من وزارة التربية رقم واحد باهتمامها
ومثال اللجنة الاولمبية الناجح وامتلاكها لبعض الاستثمارات الخاصة أمر واضح واثبت نجاحه . فما يضير ان تحال بعض حقول النفط والغاز او غيرها من مصانع يخطط لاستثمارها تحال الى صندوق خاص مستقل او شبه مستقل على طريقة ديوان الرقابة المالية او البنك المركزي لينفق الاموال المتحصلة على هاتين الوزارتين .

ان هكذا خطوات ثورية – على كرهي لهذه الكلمة – واصلاحات هيكلية هي الحل العملي الوحيد وليس تصريحات والقاءات كالتي قالها رئيس او عضو لجنة التربية في البرلمان حيث ذكر معلقا ً حول موضوع اهتمام الناس بقضية الاسئلة الصعبة وبرأيه ان هذا يعكس مدى اهتمام الشارع والدولة بالعملية التربوية .

طبعا ً هذا غير صحيح فاهتمام الناس منبعث لحرصهم على مستقبل اولادهم فالسادس الاعدادي مرحلة مصيرية والأهل يولونها أولوية كبيرة حتى يضمنوا لأولادهم القبول في كلية جيدة ليضمنوا وظيفة جيدة ويجنبوا اولادهم ان يزلف حظهم ويذهبوا لكلية التربية ويكونوا مدرسين ويشبعون فقر وذل وحرك اعصاب .
لكن يبدو ان البعض يستسهل التحول من خادم للشعب الى خادع له فان لم يقدم افعال سواء لا يرغب او هو عاجز فهناك دائما ً الاقوال .

واذا لم تهتم الدولة بما عليها وتبقى تدوسنا بالأقدام وتهمشنا وتنسانا وتبقينا نكرات فلا بأس فالظلم جعل قلوبنا سوداء

وسنبتسم ابتسامة الشماتة بك وأنت في آخر ركب الحضارة وفي هاوية التخلف مزهوة كالطاووس ومنتشية كالديك يا سقط المتاع ولكع الأمم وغمر الدول فأنت بنسياننا كمن يقدم على قتل نفسه فاقتلينا ونحن بك مستهزؤون .
واقعدي مع القواعد متجرعة ذلك وخيباتك مكررة كالببغاء شعاراتك وأمجادك المتهرئة.
واسألي ان شئت –اقلها من باب العلم بالشيء- عن سر تقدم كوريا والفهود الآسيوية او اسألي من سألهم قبلك وأجابوه ان السر يكمن ﺒ الاهتمام بوزارة التربية .

[email protected]

 

 

Share |