المضمون غير الممارسة ولايُبرِّرُ أيَّ ممارسة إطلاقا ! /مير عقراوي

Sat, 10 Aug 2013 الساعة : 10:36

اذا كان المضمون حقا ومشروعا وعادلا فهل يعني ان الممارسة أيّاً كانت نوعها وكيفيتها هي أيضا حقة ومشروعة وعادلة ، أو هل أنَّ الغاية تُبرِّرُ الوسيلة ، وأيَّ وسيلة كانت ..؟!
الجواب : هو بالطبع كلاّ ، لأن الممارسة ينبغي أن تكون ضمن المشروعية والعدل والعدالتية ، أي يجب أن تكون منضبطة بالقيم والمعايير والموازين المشروعة وإلاّ ستفقد الممارسة آنئذ مشروعيتها وعدالتها وأحقيتها . وهذا يعني بتعبير الامام علي – رضي الله عنه - : { كلمة حق يُراد بها الباطل } . وقد أطلق الامام علي كلمته الكريمة المشهورة هذه كرد على مقولة الخوارج عندما قالوا : { لاحُكْمَ إلاّ لله } ! .
مثال على ماورد : إنَّ مضمون بعض ماتدّعيه منظمة القاعدة ذو الصِبْغة والأفعال الخوارجية هو صحيح وحق وعادل ومشروع في نفس الوقت ، لكن ممارساتها وأفعالها مُذ بدايات القرن الجديد ، والى اليوم سلبت منها حق المشروعية والعدالتية والاسلامية والأخلاقية والانسانية لمضمون إدعاءاتها العادل والمشروع ، وذلك للأسباب التالية :
1-/ الإستسهال في قتل الناس وسفك دمائهم من المسلمين وغير المسلمين ، وذلك بشكل جماعي في العالم كله عن طريق زرع القنابل والتفجيرات العشوائية الهمجية والعمليات الانتحارية المُحَرَّمة شرعا ، أوغيرها من الوسائل التي هي حرام ومحذور وممنوع بشدة في الاسلام . وهذا لايعني إلاّ أمرا واحدا ، وهو شن حرب إبادة على الجنس البشري العزيز والمحترم والمُكرَّم أصلا بعمومه في المنظور القرآني الانساني كما في قوله تعالى : { ولقد كرّمنا بني آدم } الإسراء / 70 ! .
إن دماء الناس كلهم ، في الاسلام ، وبدون أيَّ إستثناء على الإطلاق ، وذلك بغض النظرأيضا عن أديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم وأجناسهم وأعراقهم وألوانهم ولغاتهم وتخومهم الأرضية هي محترمة ومصانة ومقدّسة ومكرّمة كما في التنزيل الحكيم : { من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } المائدة / 32 ، مضافا أن القتل وسفك الدماء المُحَرَّمة سفكها هو من أكبر وأشنع وأفظع الجنايات والجرائم والمُحرَّمات في الشريعة الاسلامية ، ثم بإضافة أخرى إن من أولى مقاصد الشريعة الاسلامية وغاياتها هو صون الدماء الانسانية من الهلاك والإهلاك والتلف ، أو حفظ النفس الانسانية كما يقول علماء أصول الفقه الاسلامي ، ثم يأتي بعدها حفظ العقل والتديُّن والعِرْض والأموال وغيرها من الحقوق الأساسية للإنسان التي قرّرتها الشريعة الإسلامية في مقاصدها وغاياتها ... وبالنسبة للتدين فإن الاسلام منذ بداياته إعترف علانية وصراحة بالأديان السماوية ، وكذلك بحرية المعتقد بصورة عامة ، كما نقرأُ قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، إنَّ اللَه يفصلُ بينهم يوم القيامة ، إن الله على كل شيءٍ شهيد } الحج / 17 . إذن فالفصل والحكم النهائي بين هذه الأديان والمعتقدات وأصحابها هو من سلطة الله تعالى وإختصاصه فقط لاغيره كائناً من كان ، حيث هو سبحانه ، كما نلاحظ بكل وضوح وبيان يحكم ويفصل بينهم فيما كانوا فيه يختلفون في دار الدنيا ...!
2-/ تفجير المساجد والجوامع والكنائس والمدارس على رؤوس ساكنيها ومؤمنيها وأتباعها ، مع تفجير المطاعم وأماكن العمل والعلم والثقافة ...
3-/ الإحتذاء تماما بعقائد وممارسات الخوارج في التاريخ حذو القذّة بالقذَّة ، بل إنهم فاقوا الخوارج في التطرف والغلوِّ والفساد والإفساد والتدمير وسفك الدماء والولوغ فيها والعبث اللامحدود بأرواح وحقوق ومقدسات ومعتقدات وممتلكات الناس .
4-/ الإستسهال في التكفير والتفسيق والتضليل بدلا من التفكير والتحاور والأخذ والرد ، وفي إباحة دماء الناس وأعراضهم وأموالهم ، مع أن الشريعة الاسلامية حرّمت كل ذلك سواءً بالنسبة للمسلم ، أو لغير المسلم ، لأن الناس كلهم : { صنفان : إما أخ لك في الدين ، وإما نظير لك في الخَلْقِ } كما قال الامام علي – رضي – في رسالته التاريخية الإدارية الهامة جدا الى واليه بمصر يومها الأشتر النخعي ..!
في الاسلام يجب أن تتقيَّدَ الممارسات النضالية والمقاوماتية كلها بالضوابط الشرعية والانسانية ، وإن خرجت منها ، أو ناقضتها فقد فقدت شرعيتها وعدالتها وإسلاميتها ، لأن النصر والغَلَبة في الشريعة يجب أن لا تكون ، وأن لاتترافق بالجور والظلم وسفك الدماء البريئة والتخريب والتدمير وغيره من معالم الفساد في الأرض ، أي بكلمة واحدة : إن الغاية والمضمون في الاسلام لاتُبرِّرُ على الاطلاق إستخدام جميع الطرق والوسائل والأدوات ، فذلك حرام أشد التحريم في الاسلام ، فهو ، أي الاسلام قيَّدها كما قيَّدَ وحرَّمَ الغدر والغيلة والنذالة والفتك بالناس بأيِّ وسيلة كانت ، وإلاّ ماالفرق هنا بين الظالم والمظلوم ، أو بين المقاومة والإرهاب ، أو بين الحق والباطل ...؟ ، وإن كان لافرق بينهما في المنظور الخوارجي اللامشروع حينها يكون الصراع صراعا بين ظالم وظالم بدون شك ...!
وفي هذا الموضوع غضب الامام علي – رضي الله عنه – كثيرا من بعض أتباعه عندما أشاروا عليه ذلك كرد على ممارسات خصمه معاوية بن أبي سفيان ، فقال : { أتأمروني أنْ أطْلُبَ النصرَ بالجور } ! . والجهاد في الاسلام ليس كما توهمه خوارج العصر والزمان من منظمة القاعدة وتفرُّعاتها وأشباهها ، فالجهاد في الاسلام هو لدفع الظلم سواء كان الظالم مسلما ، أو غير مسلم ، وهو ليس معناه إنه لدفع الكفر بسبب الكفر ، لأن ذلك يتناقض مع الكثير من النصوص القرآنية ، منها :
1-/ { لاإكراه في الدين } البقرة / 256 .
2-/ { وهديناه النجدين } ، أي ان الله تعالى أهدى الانسان طريقي الايمان واللاإيمان في إختيار أحدهما ، وتأمل معي في لفظ : { وهديناه } ، فهذا الإهداء الرباني الكريم الحكيم في الايمان واللاإيمان يُثبتُ كم أنَّ الانسان هو مُكرَّم ومحترم على العموم في الخطاب القرآني . لهذا اذا كان الله تعالى نفسه أهدى الانسان طريق الايمان ، أو أهداه في نفس الوقت طريق اللاإيمان ، وذلك للإختيار في أحدهما كما يشاء ، وكما يختاربكل حرية ، فكيف بأناس ينصبون أنفسهم فوق مقامات النبوة الكريمة وقاماتها العظيمة ، بل أنَّ هؤلاء – والعياذ منه سبحانه – تجاوزوا حتى حدود الله سبحانه وتعاليمه وأحكامه وصلاحياته المطلقة وتمردوا عليها . وهذا ليس له أيَّ تفسير وتبرير ومعنىً سوى أنه إنقلاب خطير على الاسلام والقرآن الكريم ورسوله الصادق الأمين محمد – عليه وآله الصلاة والسلام - ، وعلى المسلمين والإنسانية بشكل عام وأعم كما فعله الخوارج في زمن الامام علي – رض - ! .
3-/ { ولو شاء ربُّكَ لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلاّ من رَحِمَ ربك ، ولذلك خلقهم ...} هود / 118
4-/ { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ...} النحل / 93
5-/ { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ..} يونس / 99 . على هذا فالإختلاف والتنوع والتباين في العالم ، بل في الكون كله من حيث الأديان والمعتقدات والأجناس والألسن والألوان والقوميات والشعوب وغيرها هو من سُنَّة الله عزوجلَّ وقانونه العام ، ومن آياته ومعالمه الكبرى التي تَجلَّتْ وتَتَجلَّى بكل روعة وحكمة في الكون برمَّته ...
لهذا فقد جعل الاسلام الايمان أمراً إختيارياً لاقهرياً وإكراهياً ، حتى الردة في الاسلام ، أو عنه فإن عقوبتها وحسابها أخروية حصراً ، فهي بيد الله سبحانه كما قرّر القرآن الحكيم في آيتين حكيمتين محكمتين هما :
1-/ { ومن يرتدد منكم عن دينه ويمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } البقرة / 217
2-/ { ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } المائدة / 54 .

Share |