مطالب المرجعية بين صمت الحكومة وانتهاك المسؤول/غفار عفراوي
Thu, 8 Aug 2013 الساعة : 2:09

المتابع للمشهد العراقي الساخن يرى بوضوح أن هناك فريقان رئيسيان يتصارعان من أجل البقاء أو قل من أجل تحقيق الهدف الذي يصبو إليه فريق.
الفريق الأول هو المتمثل بالحكومة والبرلمان والساسة والوزراء وكل صاحب منصب كبير في الدولة العراقية، وهؤلاء يحاولون ويسعون بكل وسيلة مهما كانت إلى البقاء في مناصبهم أطول فترة ممكنة والاستحواذ على خيرات البلد بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، متخذين من وصية الكاتب والمفكر الايطالي ميكافيلي نهجاً لعملهم وطريقةً لتسلطهم ونفوذهم. فالغاية تبرر الوسيلة مهما كانت تلك الوسيلة سيئة وغير شرعية، أو حتى غير قانونية، مادام الوضع العام يسمح بتجاوز تلك الحدود إن كانت تلك الحدود تتعلق بالشرف والكرامة والغيرة.
أما الفريق الثاني فهو المتمثل بكل رافض للوضع الراهن، وكل مطالب بالتغيير والإصلاح والبناء ومحاربة الفساد ومعاقبة المفسدين. وابرز جهة في هذا الفريق هي المرجعية الدينية الممثلة الحقيقية للشعب والناطقة من أجله والمطالبة بحقوقه دائماً. فهي لا تعمل وفق أجندات خاصة أو أهداف غير شرعية أو وسائل ملتوية وأساليب رخيصة كالفريق الأول، فإنهما على طرفي نقيض بطبيعة الحال، وقديماً قيل إن المرجعية الدينية والحكومة الفاسدة ضرتان لا تجتمعان.
إن المطالب الشعبية التي تظهر على شكل تظاهرات واعتصام وكتابات وأحاديث بين أفرد البلد كانت وما زالت مادة لخطباء الجمعة في جميع محافظات العراق، وتكاد لا تخلو خطبة من نداء للحكومة بضرورة تحسين الخدمات المهمة ومن أبرزها الكهرباء والماء ومحاربة الفساد والمفسدين في دوائر الدولة الذي عاثوا فيها وأنهكوا مواردها المالية وسببوا الظلم الكبير لطبقات كثيرة من أبناء الشعب المسكين. وكما أن الشعب يستلهم قوته ومطالبه من روح الحقوق وشرعية القانون فان المرجعية تنظر إلى تلك المطالب بعين العقل ولا تسمح لأية جهة بالتجاوز عليها أو إهمالها، وآخر مطلب شعبي توافق عليه الشعب والمرجعية هو ضرورة إعادة الأموال المسروقة بطرق ملتوية من قبل الحكومة والبرلمان والمتمثلة بتقاعد البرلمان والرئاسات الثلاث والوزراء ومجالس المحافظات.
في المقابل وجدنا أن الفريق الأول لا يسمع تلك الخطب أو أنه يسمع ولا يهتم بل انه في بعض الأحيان يكيل التهم ويتجاوز على مقام المرجعية بتصريحات تصدر من أعضاء الحكومة أو البرلمان وأغلبهم بطبيعة الحال من الموالين لرئيس الحكومة أو من حزبه الحاكم . فقد سمعنا وشاهدنا كيف تطاولت كتلة دولة القانون وفي أكثر من مرة على ممثل المرجعية الدينية وخطيب جمعة العتبة الحسينية المقدسة حين وصف المرجعية مرة بأنها لا دور لها إلا الوعظ والإرشاد ولا علاقة لها بالسياسة أو الأمور الخدمية لأنها من شأن الحكومة، أو اتهامها بان دورها لا يجب أن يأخذ دور الدولة، أو ذاك الذي قال إن المرجعية هي منظمة مجتمع مدني، أو تصريح سابق لآخر قوله إن على المرجعية أن لا تتدخل في العمل الحكومي أو البرلماني فهو ليس من شأنها، وغيرها الكثير من الانتهاكات بحق الممثل الحقيقي للشعب والناطق الشرعي باسمه بضرورة الدستور الحقيقي وهو القران الكريم وليس الدستور الذي تم وضعه من قبل نفس المتطاولين على المرجعية والإسلام.
لقد أحسن السيد أحمد الصافي في خطبته الأخيرة في كربلاء المقدسة حين خاطب الساسة في الحكومة والبرلمان وطالبهم بأن يكون للغيرة العراقية أو الإسلامية أو الإنسانية مكاناً في عملهم وهم يمارسون دورهم في شتى مجالات الحكم في الدولة. وقال إن المسؤول عندما يتمتع بالغيرة فانه لن يسمح بحدوث أي ضرر. وشدد على أن المواطن يجب أن يعيش في حرية ورفاه وراحة واطمئنان لا أن يعيش مهدداً وخائفاً وقلقاً يتلفت يميناً وشمالاً.
نعم إن الغيرة لو ذهبت من السياسيين لذهب العراق وانتهى وكان نسياً منسيا، وأكاد أجزم ان العراق على شفا الانهيار الكامل، وانه لولا البقية الباقية من الناطقين بالحق والممثلين لتطلعات الشعب ممن يعمل بالغيرة والشرف والأمانة لقرأنا على العراق السلام ولساخت الأرض بمن فيها.
فعلى الشعب أن يتبع أوامر وتوجيهات ونصائح الناطقين بالحق، وعليه أن يقرأ ما بين السطور في تصريحات وأقوال ممثل المرجعية، وعليه أن يسأل نفسه، لماذا هذا التصريح ولماذا هذا الاتهام الذي لم يكن ليمر ويتم الاتفاق عليه إلا لان الأوضاع وصلت إلى طريق مظلم وشائك ومسدود. وعلى المواطن أن لا يجعل نفسه ألعوبة بيد الساسة مهما كانوا ومهما حاولوا خداع الناس بكلامهم المزيف لأنهم لا يهدفون إلا لمصلحتهم فقط ولا يعملون إلا لأجل أحزابهم وكتلهم السياسية فقط.
أتصور إن الحل الوحيد والأخير هو الانتفاضة الشاملة بوجه هؤلاء الفاسدين الذين لم يراعوا حرمة ولم يحترموا مقدساً لدى الشعب إلا وانتهكوه. إن الشعب الذي يعيش أسوأ أوضاعه الاقتصادية والأمنية والخدمية والتربوية لابد له من النهوض والاستيقاظ ولا يمكن أن يستمر برقدته وانتظار الفرج بلا عمل. فان الرسائل التي تصل كثيرة منها خطب المرجعية الدينية وبياناتها المشددة على التغيير وعدم الانسياق خلف مخططات وزيف وتزوير الساسة المزورين، ومنها أيضا الاعتزال الأخير لزعيم ديني وسياسي بارز للحياة السياسية بعد أن يأس من إصلاح الوضع بالكلام أو البيانات وصرح انه سيتوجه بالدعاء من أجل خلاص البلد من المفسدين.
كاتب وإعلامي


