يوميات فلسطينية/حيدر الجابر
Tue, 6 Aug 2013 الساعة : 19:43

كل يوم تفرض فلسطين نفسها بكل ألم، تفرض نفسها على واقع متبلّد لاتحركه الهزات العنيفة التي تنتاب المنطقة كل يوم. تفرض فلسطين نفسها أكبر من الهم وأقوى من العجز الذي يغلف الانظمة العربية، والذي سرى إلينا، نحن الشعوب المحكومة، التي علت اصواتها بالتوافه وخفتت عند مرور المندوب الامريكي لمحادثات السلام. الكلام يعلو عن فلسطين في مناسبات نادرة، منها يوم القدس في الجمعة الأخيرة من رمضان، ومنها حين يغزو الاسرائيليون غزة، وحين يمنعون المصلين من الصلاة في المسجد الأقصى، حيث تفرض في كل اسبوع شروط جديدة ترفع أعمار المصلين، أو كلما قضم جدار الفصل أراضٍ زراعية في الضفة.
فلسطين ستبقى حية، وإن اجبرنا على الخنوع، أو روّضت الأجيال المقبلة، وانتشر حرس السلام المنمّق. ستظل حكاية النكبة والتوطين مستمرة، وسيظل شعب حي على أرض تأبى الموت يتنفس عبر مسامات التراب. نعم، ستستمر القدس كابوساً في الليالي الاسرائيلية، حينما ينام العرب، ومعهم المسلمون. القضية الفلسطينية أكبر من محادثات سلام وانقسام بين فتح وحماس، وأوسع من تشظٍّ مذهبي وانشقاق شيعي سني، أو ثورات تجتاح العالم لتقلبه رأساً على عقب. فلسطين وقضيتها رواية تُقرأ كل عهد جديد برؤية ومختلفة، وعاطفة متجددة. وتتسع كل زمان لتشمل أفواجاً من الأحرار لاتربطهم بها علاقة إلا الانسانية، وحينها سيضيق خناق من نوع جديد على رقاب المستعمرين.
تفقد الشعارات معناها، إلا مع فلسطين، وتضيع مفردات البطولة أمام الواقع الذليل، إلا هناك، في تلك الأرض المقدسة، التي يعيش أهلها كل يوم ألوان الظلم والقسوة، وتنشأ أجيال لم تتعلم في مدارس مرفهة، وأمامها كل صباح بندقية شرسة، تواجه طفلاً أعزل، تتعلم كيف تقاوم، وتعلمنا أن الاستقرار مع الاستبداد وهم. تذويب القضية الكبرى بحق العودة او القدس عاصمة موحدة أو الارض مقابل السلام تثبت فشلها منطقياً، لغة القوة تطغى على لغة الهدوء، الجلوس الى طاولة الحوار مع خصم صهيوني مضيعة للوقت. 20 عاماً مرت على مؤتمر مدريد، ولم يحصل الفلسطينيون الا على شبه دولة مهلهلة مقطعة تعيش عالة على المجتمع.