عقدة التدريس / الجزء (2)- عقيل عبد الجواد

Tue, 26 Jul 2011 الساعة : 11:24

 أن التدريس في الغالب مهنة من فشل في تحقيق طموحه فما ان تتحدث الى احدهم حتى يخبرك انه كان المفروض ان يذهب لكلية الطب او الهندسة او القانون لكن زمانه جار عليه او انه كان يفترض ان يأتي بمعدل عالي يهيئه للدراسات لولا ظرف طارئ ..
بل ان المدرس –ولكونه صاحب وظيفة طاردة- لا يحق له ان يطمع كثيرا ً بموضوع الزواج حتى .. فهو أن جازف وحلم بفتاة مميزة ففرصة نيله اياها ضئيلة جدا ً خصوصا أذا نزل الساحة مهندس او طبيب او حامل شهادة ماجستير مذكرين اياه ان يعرف قدره وان لا يشتط بما يريده فهو ليس كفؤ لهم وان نيل زليخة او زبيدة ابعد من شاربه حتى لو كان يوسف الحُسن .
ان تدني مكانة المدرس الاجتماعية وشعوره المفرط بالنقص أدى الى ان يظهر ذلك على سيماء وجهه ومن السهل ان تقرأ في عينيه حزن وخيبة الأمل والانكسار وضياع الطموح وعدم تحقيق الذات وهي نظرة كتلك التي تعلو وجه من تعرض لصدمة نفسية او تجربة اليمة من تلك التي يمتد أثرها الى باقي أيام حياته .
باستثناء المدرسات اللواتي يبدو انهن في وادٍ آخر فكأن التدريس قد خلق لهن . وهو على اية حال وظيفة تزيد من فرص الواحدة منهن للزواج والى ان يحين ذلك فالراتب اكثر من كاف للمكياج .
أثبتت تجارب المجتمعات الإنسانية ومنها المجتمع العراقي ان وقوع الناس تحت نفس الظلم واشتراكهم بنفس الظروف لا يعني تحولهم الى طيبين وملائكة مع بعضهم البعض بل تراهم يتجسد بداخلهم الظلم ويتماهون معه -لا لسوء طوية بل لأنها طبيعة بشرية – فينعكس ذلك على علاقاتهم التي تصبح كاذبة وسطحية وهي بالتحديد صفة علاقة المدرسين ببعضهم
سبب مضاف تصور كل واحد منهم انه يتلقى هذا الظلم لوحده ولا يفكر بما يتقاسمه زميله معه هو السبب في سيادة الشعور بالأنانية بينهم وهنا يظهر دور النقابة الذي قصرت به فواجبها ان تحول هذا الشعور بالظلم من شعور محبوس داخل كل واحد الى هم وشعور اجتماعي مشترك من خلال أنشطة واحتجاجات جماعية .

ومما زاد ممن تكريس هذه الطبيعة الباهتة والباردة للعلاقة ان طبيعتها تختلف عن طبيعة علاقة كل الموظفين في باقي دوائر الدولة من حيث ان المدرسين كثيرو التنقل والافتراق بعكس بقية الدوائر حيث مجموعة الموظفين تبقى هي ذاتها مما يؤدي الى اندماجهم مع بعضهم .
وهي برأيي اسوأ من تنقلات الجيش فتنقلات الجيش يتراوح متوسط عمرها من 5- 10 سنوات او قد تكون أطول ي حين تنقلات المدرسين اقصر وأسهل .

لذا ترى كل مدرس قد انشغل بالتعامل مع الطلاب وبإحباطه المزمن وغير مستعد او مهتم أن ينشغل بمجاملات فارغة ويضيع وقته مع زميل مؤقت فتراه قد تقوقع على ذاته وبنى اسوار وجدر عزلته عن زميله المؤقت مما ضاعف شعوره بعدم جدوى العلاقة اضافة لقصر مدة جلوسهم مع بعضهم ادى الى عدم وجود مشاعر حقيقية بينهم بل استبدلوها بنفاق اجتماعي مفضوح .
فمثلا ً عند حصول مجلس فاتحة لدى احدهم ترى زملائه من المدرسين يجمعون له المال ويرسلون وفدا ً عنهم ان لم يكن جلهم حيث يتواعدون من بعد الدوام او قبله بدرس ليؤدوا الواجب .
لكن حالما ينقل احدهم الى مدرسة جديدة تنهار علاقته ويضيع واجبه مع هذا الشخص الذي لن يواصله من جانبه ايضا ً ولذا سيعمل المدرس المنقول والذي بقى على تكوين مجاملة ونفاق اجتماعي باهت وبارد مع غيره .
وجدير ذكره ان المنتسبين لوزارتي الداخلية والدفاع – وهنا سيظهر مدى اهمية دور الدولة – يعانون وان بدرجات متفاوتة من نفس ما يعانيه المدرس اعني لديهم مصاعب عمل ايضا ً تتلخص بعقدة العيش مع الأوامر والحرمان من الحياة المدنية وهي عقدة يعاني منها كل من يرتدي زي غير الزي المدني وان كان برتبة لواء . ولكنها ازمة بدرجات متفاوتة وهي تزداد كلما قلت مرتبة الشخص لتصل الى درجة ان بعض المراتب يلجأون الى حبوب الهلوسة لتصبح وسيلة حياة وليست عادة سيئة فقط .
لكن مع ذلك فالمشكلة قد احتوتها الدولة بأن جعلت من رواتبهم مغرية وبالتالي التخفيف من اثرها الأمر الذي لم يحصل مع منتسبي التربية .
ومن جانبها قامت الدولة بعدة خطوات لتطوير التعليم لكن ليس الواقع المادي الذي يعيشه المدرس . ومنها قرار منع العقاب الجسدي وما دام أصحاب القرار عندنا هم عراقيين أي نابعين من البيئة العراقية لذا لا نستغرب ان يواظبوا على الطريقة العراقية العتيدة بالإصرار على عمل الاشياء بالمقلوب ووضع الهرم على رأسه وقاعدته للأعلى .
والأمثلة على ذلك كثيرة وبها من اللطافة الشيء الكثير بحيث تصبح جديرة باعتبارها نوع من الكوميديا السوداء فنحن العراقيين ان فشلنا بكل شيء ألا اننا وللعلم أسياد الكوميديا السوداء بالعالم وبلا منازع .

[email protected]
 

 

 

Share |