هل الرَبُّ يصومُ ويُصلِّي ... ؟!!!/مير عقراوي
Tue, 30 Jul 2013 الساعة : 20:32

الصوم هو شعيرة من الشعائر العبادية في الأديان السماوية كافة . والصوم هو الإمساك عن الطعام والشراب والعمل الجنسي لمدة معينة ومحدودة في النهار ، وذلك تقرُّبا الى الله رب العالمين المعبود الحق المستحق فقط لاغيره لجميع أنواع العبادات والطاعات ، والى غير ذلك من حِكَم الصيام وفلسفته التي تعود النفع بالنهاية الى الإنسان .
إذن ، الصوم هو فريضة دينية فرضت على الأنبياء عليهم السلام ، وعلى أقوامهم وأممهم كما جاء في محكم التنزيل الكريم : { يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصيامُ كما كُتِبَ على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } البقرة / 183
فالصوم ، أو الصلوات وغيرها هي عبادات يقوم بها العبد المخلوق تَقرُّباً الى المعبود ، ولافرق هنا مطلقا بين العباد من حيث تأدية العبادات لله رب العالمين ، سواء كان العبد نبياً ، أو إماماً ، أو غيرهم من البشر ، إذْ أنَّ كل هؤلاء بشر مخلوقون مكلّفون بالطاعة والعبادة ، حيث هم محتاجون الى معبودهم الرب والتقرّبُ اليه ونيل نواله ورضوانه ..
على هذا الأساس لايقوم بالعبادة سواءً كانت صلاة ، أو صياما ، أو دعاءً إلاّ العبد البشر المخلوق المُكلّفُ ، وإلاّ أنه بالضرورة والوجوب أنه محتاج لتلكم العبادة والعبادات . لهذا من المحال المحال أن يقدم الرب بالصيام ، أو الصلاة ، أو الدعاء ، لأن ذلك يتناقض ويتصادم مع شأن الربِّ والربوبية وأبعادتها المفاهيمية والتعريفية ، وهكذا فإنها تتناقض وتتصادم مع أخص خصائصها في الربوبية ، بل إنها تكون إسقاطاً بالكامل وإنهياراً بالتمام ، ومن الجذور لمفاهيم ومعاني الربِّ والربوبية ! .
تأسيساً على ماورد ، فمن أبرز التناقضات الصارخة والصادمة الموجودة في الأناجيل هو دعوى ربوبية نبي الله وعبده عيسى المسيح – عليه الصلاة والسلام – من جهة ، ثم دعوى أنه كان يَتعبَّدُ ويُصلِّي ويصوم من جهة ثانية ، حيث هذا وذاك لعَمْرُ العقل والحق والمنطق نقيضان صادمان لايلتقيان بالمحال المطلق ! .
وفي هذا الموضوع جاء في إنجيل متّى النص التالي عن صوم عيسى المسيح – عليه السلام – (!) : [ يسوع يصوم في البرية ويقهر الشيطان : ثم سار الروح يسوع الى البرية لِيُجَرِّبَهُ إبليس . فصام أربعين يوما وأربعين ليلة حتى جاع ] !!! (1) ، والجوع يصدر من الكائن المخلوق كما الظمإِ والتعب والفرح والحزن والنوم وما اليه ، وهذا ليس بحاجة الى إقامة دليل عليه ، أو برهان ...!
وفي نفس الإنجيل المذكور نرى النص التالي ، لكنه هنا عن أداء ِ المسيح الصلاة (!) : [ ثم جاء يسوع معهم الى ضَيْعَة يُقال لها جَتسمانية ، فقال للتلاميذ : أمكُثُوا هنا ، رَيثما أمضي وأصلِّي هناك ] !!! (2) .
لاكلام لنا ولاتعليق أبداً على المقطعان المذكوران لصيام عيسى بن مريم – عليهما السلام – وصلاته إن كانت صلاة وصيام عبد بشر مخلوق مكلَّف كسائر البشر للطاعة والعبودية والعبادة للمعبود الحق ، حيث هو الله رب العالمين ، لكن المعضلة التناقضية الكبرى هنا تكمن في دعوى الربوبية لعيسى بن مريم – ع - ، وهو روحي فداه منها بريءٌ وبعيد كل البراءة والبعد بترليونات الأعوام الضوئية ..!
إذن ، اذا كان عيسى بن مريم – ع – ربّاً فلماذا كان يصوم ويصلي ويدعو ويَتَعَبَّدُ ، والى مَنْ كان يُقَدَّمُ العبادات المذكورة ، لأنَّ الرَبَّ لايحتاج مطلقاً ، بل هو في غنى عن الصيام والصلاة والدعاء وسائر العبادات ..؟ ! ، ثم كيف وصل أمر [ الرَبِّ ] المزعوم الى هذا الحدِّ من البساطة والضعف والهوان والإحتياج كي يختبره ويُجرِّبه ويمتحنه أحقر وأخبث وأحطَّ وأشَرَّ مخلوق على الإطلاق ، وهو إبليس اللعين الرجيم المرجوم ، لأن العكس بداهة هو الصحيح ، أي أن الرب سبحانه هو المهيمن المتعال المطلق الذي يختبر ويفعل مايشاء ، وكيفما يشاء ، فسبحانه عمّا يصفون وعما يتوهمون ...!
وهكذا ثبتت بشرية عيسى بن مريم – ع - ، ومن الأناجيل نفسها ... ، فهل من مُذَّكِّرْ ..؟!
الهوامش :
1-/ كتاب [ الكتاب المقدس ] ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق / بيروت – لبنان ، دار المشرق ش . م . م / بيروت – لبنان ، الطبعة السادسة / 1988 ، إنجيل متى ، ص 43 .
2- / نفس المصدر المذكور ودار النشر والجمعيات والطبعة والسنة والإنجيل ، ص 111