الأخ الأستاذ نوري المالكي رئيس الوزراء المحترم:/عزالدين البغدادي
Sun, 28 Jul 2013 الساعة : 16:53

بسم الله الر حمـن الرحيم
الأخ الأستاذ نوري المالكي رئيس الوزراء المحترم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
مع توالي الأحداث وتتابعها ومع تعقّد الوضع الداخلي –لاسيّما بعد انتخابات مجالس المحافظات- والإقليمي، ومع تقديرينا لما بذلتموه من جهد. فقد رأيت أنّ خطر الموقف وحراجته يحتّم علينا –من منطلق التكليف الشرعي والوطني- أن ننظر فيما يمكن أن يكون مخرجا من هذه الأزمات المزمنة لذا قررت أن أكتب إليكم بهذا المقترح وهذا التصور للحل راجيا أن يساهم ذلك بشكل ايجابي فيما يخدم الوطن وفيما يخرج العراق من خطر على الأبواب بلغت خطورته إلى حدّ أن يرى كثير من الناس أنّه حتميٌّ لا يمكن دفعه أو التهرّب منه.
إنَّ أيّ حل لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن هناك تحديد للنقاط التي تمثل مفاصل المشكلة وأهم محاورها والتي يُحتاج إلى تفكيها وعلاجها.
وأهم من ذلك أن نملك إرادة حقيقة للتغيير واتخاذ القرار.
تتفقون معي بأنّ ما يحدث لا يمكن بأي حالٍ أن يؤدي إلى بناء دولة، ولا يُمكن مهما طال الزمن أن تؤدي هذا التغيّرات المحدودة مهما كانت إلى إحداث تغيير نوعي إيجابي بما يضع البلد على السكّة الصحيحة التي تؤدّي إلى تجاوز الأزمات ونهضته. فكيف مع وجود كل هذا العوائق التي تعمل على كبح أيّ مسيرة من قبل هواة السياسة والصبية الّذين صاروا في العراق دهاقنة سياسة يُعجَبون بأنفسهم ويجدون من يملأهم غروراً وصلفاً ومن يدفعهم ليكونوا أبطالا ورجالا. وكأنما عقم العراق فلا تجد فيه إلا كلّ مسخ مشوّه يحرّك الفتنة ويقلّب نارها متى طُلب منه ذلك أو متى أراد أن يبتزّ ليحصل على مطالب تشبع جشَعه.
وما زاد من خطورة الوضع في العراق تلك التقلّبات التي تحدث في المنطقة والتي لا يعلم أحدٌ إلى أين ستصل.
ربّما أيّ عراقيٍّ يقدر على أن يشخّص الخلل، إلا أنّ مشكلتنا في تحديد الحلّ وأهم من ذلك في امتلاك القدرة على العمل لتحقيق الحلّ فعلاً.
إن الحلّ ليس في انتخابات مبكرة كمال قيل، أو في حل الحكومة والبرلمان، لأنّ ما يأتي بعد ذلك لن يكون أفضل من هذه الحال إن لم يكن أسوأ، بل يكون بتغيير جذري وقانوني أيضا كي لا يعطي مجالا لقوى معيّنة بالتدخل في الشأن العراقي.
لذا فإنّ مقترح الحل للخروج من الأزمة والانطلاق نحو عالم البناء والعمران الّذي يليق بالعراق وجماهيره يمكن تلخيصه بالنقاط التالية لكن على أن يتمّ تنفيذه دفعة واحدة ضمن منظومة عمل واحدة :
أولاً: تشكيل حزب جديد: إنّ الحلّ الأفضل في هذه المرحلة، وهو الحلّ الّذي لابدّ منه هو أن يتمّ تشكيل حزب جديد، يتجاوز إخفاقات حزب الدعوة وتوسّع كوادره وترهلها وكثرة الاستقطابات الموجودة فيه. إن الحزب كأيّ شيء في هذا الكون يصل حدّ الشيخوخة وحزب الدعوة وصل بالفعل إلى هذه المرحلة وترهّل، لذا نعتقد أنّ الحل الأمثل هنا إنشاء حزبٍ جديد لهذه المرحلة يمكن أن يسهم في إخراج البلد من هذا المأزق. ويمكن أن يسهم في بناء هذا الحزب من تثقون به على شريطة أن يبدأ كحالة جديدة وبيد نظيفة تتجاوز أخطاء الماضي أو تجاوزاته، بحيث يكون الفساد أو المحسوبية شيئا غير مقبول في هذه المرحلة. وليكون في هذا الحزب مصفاة لا تسمح لأيّ شخص مشبوه أن يدخل فيه.
وليس بالضرورة أن يكون هذا بأسلوب القطيعة مع الحزب الأم، وذلك بهدف المحافظة على مكانة شيوخ الحزب وصقوره بما لا يؤدي إلى توليد مشاكل مبكرة، أو بما يخلق ضغوطا على المشروع.
وينبغي أن يكون هذا الحزب صغيراً فلا يرتكب خطأ تضخيم الحزب بما يخلق بطانةً جديدة واسعة تستهلك أكثر مما تنتج، وليقتصر فيه على أهل الكفاءة والحماسة من الشباب الواعي وأن لا يحمل هذا الحزب أي أيدلوجية دينية أو غيرها بل يكون حزبا يهدف إلى بناء البلد ويكون عمله كحالة طوارئ تعمل بسرعة ورشاقة دون تنظير.
أنا أعتقد أنّ مثل هذا الحزب يمكن أن ينفع في خلق قاعدة جديدة يستقطب الناس بدل هذا الائتلاف الواسع الّذي أثبتت لكم الانتخابات الأخيرة أنّه لا يساهم إلا في توسيع الضغط على مساحة واسعة جدا بما يفقد القوة تأثيرها في أرض الواقع.
ثانيا: أن يكون العمل وبشكل سريع جداً على الطبقة الفقيرة ودعمها وتقليل مظاهر الفقر ما أمكن والبدء ببناء منازل ومستوصفات والعمل في القرى والأرياف وتوفير الخدمات البلدية والصحيّة، ودعم الموظفين والعمال والتوجّه إلى شريحة الطلبة وكسبهم.
وباختصار أن يكون العمل حقيقيا وسريعا وأن يناط ذلك بشركات أجنبيّة نظيفة ومحترمة دون السماح بأي عمولات أو أي استغلال للمال العام. ولا يخفى عليكم أنّ هناك كثيرا من الشركات لاسيّما الآسيوية يمكن أن تعمل في العراق لاسيّما مع وجود قابلية نقدية جيدة للعراق في هذه المرحلة.
إنَّ العمل في هذه المشاريع التي نقترح إقامتها يمكن أن تكون على مستويين، فهناك مشاريع تمس المواطن بشكل مباشر ومؤثّر كالخدمات البلدية والصحية وغيرها، وهذه هي التي ينبغي أن يؤكد عليها في هذه المرحلة ربّما لعامين، ثم يأتي دور المشاريع العامة التي لا تمسّ حياة المواطن بشكل مباشر في هذه المرحلة كبناء مطار أو مصفاة ونحو ذلك.
كما ينبغي تشكيل جهاز غير رسمي من منظمات غير حكومية ومن متطوعين لكنها ترتبط بالحزب المقترح مثلا أو بمكتبكم بنحو تقوم بدورها في إيصال ما يحتاجه الفقراء إليهم ودعمهم وعدم الاعتماد على وزارة العمل، وأيضا لتقوم بمراقبة ما يتم انجازه من مشاريع الإعمار وكشف الفساد ولأنها اقدر على ذلك بسبب عدم إعاقتها بالروتين.
ثالثاً: ترك أسلوب شراء الذمم، حيث إنّ من أكبر الأخطاء التي ارتكب في المرحلة السابقة أسلوب الاسترضاء ومحاولة كسب بعض الأشخاص من الساسة أو بعض الوجهاء، من منطلق وهم أنّ هذه الشخصيات يمكن أن تسهم في الحفاظ على الوضع العام أو أنّ هذا يمكن أن يؤدي إلى كسب ورقة ضدّ الخصوم الآخرين فبذلت أموال كثيرة لزعماء محليين وهؤلاء بعد أن أكلوا هذه الأموال انقلبوا كما رأينا بعد أن اعتادوا على مستوى عالٍ من العيش وصار بعض هؤلاء بعد أن كانوا لصوصا وقتلة صاروا وطنيّين وأصحاب مشروع وطني يتباكون على العراق، وما يبكون إلا على مصالحهم.
كما ينبغي إذا أمكن أن يتم تخفيض رواتب المسؤولين -ولو في مرحلة لاحقة تفاديا للمشاكل- حتى يتم كشف بل وتسقيط كلّ من لا ينسجم مع الوضع المطلوب والجديد.
رابعاً: التأكيد على المناطق الملتهبة أو التي تصلح أن تستغلّ لتكون قاعدة للفتن والمشاكل: فلا بدّ أن يتمّ التعامل معها بما يسلب قوى الإرهاب أي إمكان للتأثير فيها، من خلال تقديم الخدمات ودعم الخطاب الديني المعتدل ودعم أئمة المساجد بما يجعلهم يشعرون بأنّ هذه الدولة دولتهم لا تتعامل معهم بتمييز أو إقصاء على أن لا يكون ذلك بأسلوب توزيع المغانم أو شراء الذمم. وبدون محاولة تقديم بعض الشخصيات الدينية أمام الجمهور وكأنّها مدعومة من قبل الدولة بما يسقط اعتبارها بين الجمهور. فهؤلاء شعبكم وأنتك لا تحتاجون إلى وسطاء بينكم وبينهم لا يقومن بعمل إلا بابتزاز الدولة أو سرقة المال العام.
إنّ المشكلة ليست في القاعدة وفكرها بقدر ما هو في الأرض الرخوة التي تتوفر لها. فهناك بلدان لا تفكر القاعدة بان تعمل فيها لأن الأرض فيها ممسوكة بينما هناك بلدان أخرى تعمل فيها بنشاط واسع بسبب ضعف أرضيتها التي ما تمّ تطهيرها فلن تجد فيها ملجأً.
خامساً: تحجيم دور رجال الدين ورؤساء العشائر: لقد رأيتم أن كثيرا من رجال الدين بغض النظر عن المذهب والمشرب ومن أقصى اليمين إلى اليسار من كان عالما ومن كان جاهلا صاروا ساسةً، وإن أحدهم لا يقدر أن يدير أمر مسجد صغير في قرية نائية. وهؤلاء ينبغي على الدولة أن لا تعطيهم الفرصة لذلك فلا ترفعهم وتملأهم غرورا، ومن استطاع بفهمه وعقله فليعمل، لكن لا تقدمهم الدولة ولا تضخّم دورهم.
وأما رؤساء العشائر، فهم وإن كان لهم دور طيّب ومشكور في تهدئة الأمور في كثير من الأحيان وضرب الإرهاب إلا أنّ الدولة إذا أرادت أن تكون دولة مدنيّة ناهضة لا يجوز أن تستمر في تقوية هذه الحالة، لاسيّما وأنّ العشائرية لا تبرز إلا في ضعف الدولة وتفكّكها، بل إن قوتها مؤشّر على ضعف الدولة ونظامها السياسي.
وعلى أن لا يكون في ذلك نكران لموقفهم كما حصل بالفعل بعد أن طردت القاعدة، حيث تركت الصحوات مكشوفة بغير دعم مما مكن القاعدة من استرداد قوتها فقامت بحملات لتصفيتهم فصار أبناء الصحوة بين ضحيّة بين إرهاب القاعدة وسوء تعامل الحكومة وإما أن يضطر إلى التعامل مع القاعدة وإما أن يهرب من منطقة سكناه
سادسا: ضرب المفسدين وفضحهم ورفض أي تستّر عليهم، ورفض تأجيل قضاياهم كما يفعل أحيانا لتبقى ورقة ضغط تستعمل عندما يكون هناك مشكلة سياسيّة مع هذا الشخص أو ذاك. ولا بدّ أن تعمل الحكومة كلّ جهدها لتوفير البطاقة الغذائية بشكل كامل بل وبما يجعلها أفضل مما كانت عليه سابقا، وليس هذا مستحيلا أو صعبا.
ينبغي ضرب المفسدين وليبدأ بوزير التجارة السابق الّذي يسّرت له الحكومة سبيل الهرب، وكذا فضائح وزارة الكهرباء التي لا تقل في نتنها عن أختها وزارة التجارة والتي أنفقت من الأموال ما لا يحتمله عقل ولا يصبر عليه حليم. وبعض أعضاء البرلمان الّذين شاركوا في سرقة المال العام في قضية المصرف المركزي رغم انه ينتمي إلى قائمة طالما تاجرت بآلام الفقراء وتحدّثت عنهم وادعت أنّها تمثلهم.
سابعاً: رفض إقصاء أيّ مواطن بحجّة انتماء سياسي سابق، ولا يخفى عليكم أنّ هذا الّذي حصل غير صحيح من الناحية الشرعية كما هو معروف من سيرة النبيّ (ص) ولا هو صحيح من ناحية التدبير السياسي. ولم يكن البعثييون أقلّ قسوةً مع أخوتنا الأكراد إلا أنّ الساسة الكرد تجاوزوا هذه العقدة ولم يقفوا عندها، بل حاولوا الاستفادة من كثير من الخبرات التي وجدت عند هؤلاء، واستفادت من أخطاء الحكومة المركزية في هذا الجانب بما يدعم نفوذها وتأثيرها.
لقد أثبتت فكرة الاجتثاث خطأها، ولو كانت هناك حكمة واستفادة من دروس الماضي والحاضر لكان من الممكن أن نوفّر كثيرا من الجهد واستغلال بعض الساسة الّذين لا يريدون خيراً لهذا البلد. وإذا كان هناك بعثييون وأرادوا أن يدخلوا في الحالة الجديدة فلماذا نصر على أن نجعلهم أعداء لهم وهم يقدمون خدماتهم؟
أنا لا أشكّ في أن كثيرا من أبناء العراق لا زال لديهم ربّما شيء من التعاطف إما بسبب خلفيّة الحركة القومية التي كان العراق أحد قواعدها وإما بسبب سوء الوضع الراهن الّذي جعلهم يقارنون ما بين العهدين قبل وبعد 2003، ويفضلون الحالة السابقة لا بسبب إيجابياتها بل بسبب إخفاق الحالة اللاحقة. ولكني أقطع ثم أقطع أن كثيرا من هؤلاء هم أحرص على العراق وأشد حبا له من الطائفيّين الّذين لا ينظرون إلا لمصالحهم الضيقة والّذين لا يخدمون طوائفهم كما يدعون بل يستغلونها لمصالحهم الخاصّة.
ثامناً: العمل بسرعة على بناء قواعد الدولة بأركانها: وهي التعليم والصحة والقضاء والدفاع.
إذ لابد من إعادة الهيبة للقضاء – بعد أن فقدها- ولو كان ذلك على حساب جزء من وضعكم السياسي أحيانا، ونحن نتذكر موقف الإمام علي الذي كان يستطيع شرعا أن يأخذ درعه لكنه أبى إلا أن يُثبت هيبةَ وسيادة القضاء. كما ينبغي شنّ حملة واسعة لتنظيف الدولة وتثقيف الجمهور وتحذيرهم من الرشوة والفساد والنهوض بواقع الخدمات الصحيّة.
كما لا بدّ أن يبنى الجيش بناء عسكريا بمستوى التهديد الكبير الّذي يحيط بالعراق من كل جانب لاسيّما مع خطر التحالف القطري التركي الصهيوني الأمريكي، فغير معقول أن تكون الفتنة على أبوابنا ونحن جلوس لم نقم بأيّ شيء واضح للتهيؤ للخطر القريب منا بل الموجود على أبوابنا.
وبالتأكيد لا يمكن لبلد ضعيف وغنيّ أن يحمي نفسه من جيران أقوياء وطامعين، وهم قادرون بالفعل كما أثبتت الأحداث كثيراً على إثارة المشاكل الطائفية.
كما لا بدّ من العمل على تغيير الدستور بما يجعله دستور الجميع ولا يكون فيه إشارة لطائفة معيّنة أو شعائرها أو مظلمتها بشكل خاصّ. لقد كشفت المرحلة السابق خطر الطائفية كما كشفت عن خلل وضعف هذا الدستور الّذي وضع ليولّد أزمات لا تنتهي وواضح أن الأمريكان أرادوا أن يطبقوا النظرية السياسية والخريطة السياسة التي رسمتها فرنسا للبنان حيث أنّ الواقع السياسي ما يفتأ يولّد أزمات لا تنتهي إلا إذا انتهى مولِّدها وهو النظام السياسي، ونفس المشكلة موجودة في العراق.
تاسعاً: أن تكون هناك إستراتيجية حقيقية وواضحة في المعركة الكبرى ضدّ الإرهاب، وسدّ المنافذ التي يستفيدون منها والاستعانة بمنظومات أمنية تقوم بعمل بقوة وبرشاقة وبدون الأسلوب الموجود في التفتيش الّذي يعتمد استخدام أجهزة فاشلة أو طريقة السَّيطرات التي تسدّ الشوارع والطرقات بما يزيد من معاناة المواطن. مع تقوية تدريب رجال الأمن والجيش الأبطال الّذين يقومون بواجبهم لولا تقصير من هم في موقع المسؤولية للأسف.
ولا بدّ هنا من الاستفادة من منظومات تكنولوجية أمنية تسهم في سدّ الثغرات التي يدخل منها هؤلاء المجرمون.
كما ينبغي محاسبة أولئك الّذي أدخلوا تلك الأجهزة إلى العراق وكشفهم وفضحهم، وغلق باب فضائح هروب المساجين والتي لا تليق بدولة محترمة. كما ينبغي غلق ملف السجناء بأن يحلّ هذا التناقض العجيب الّذي نجده والّذي لا يجد تفسيرا منطقيا والذّي بموجبه يبقى شخص بريء في السجن لفترة طويلة دون جرم بينما يوضع شخص آخر مجرم وهو معزّز مكرّم تحت يده كل وسائل الاتصال، حتى أن السّجن يكون شيئا مفيدا جدا بالنسبة له لكي يكون خطوطا أخرى ويكسب أشخاصا آخرين ويقوي رصيده بين جماعته وأنصاره. ثم بعد ذلك يخرج إما بدفع أموال كثيرة وإما وهذا هو الأدهى بالتهريب بالقوة المسلحة أو بالفساد أو بالهرب بسبب التقصير أو الفساد أيضا.
كما ينبغي أن يكون تنفيذ الإعدامات في أعضاء الجماعات الإرهابية دون ضجيج كما يفعل بعض الإخوة في سبيل تحصيل مكاسب على مستوى الداخل.
كما إنّ الجيش رغم شهامة وشجاعة رجاله مراتب وضباطا على المستوى الفردي إلا أنّه لا زال من حيث التدريب والتسليح أقل جدّا من المستوى المطلوب ودون مستوى حجم المؤامرة، وأما وزارة الداخلية فقد صارت قصص الفساد التي نسمعها فيها والتعامل الطائفي وغياب الرؤية الوطنيّة من الأمور صار أي مواطن قصصا كثيرة عنها.
عاشراً: العمل على أن يأخذ العراق دوره عربيّا وإقليميّاً: وهو جزء مهم من مسؤولية النهوض بالبلد لا سيّما في هذه المرحلة التي تسيّدت فيها دولة لا تكاد ترى بالمجهر –كما وصفتموها- وعملت على أن تزيح مصر وسوريا والعراق والجزائر بل وحتى السعودية.
لقد حان الوقت للعمل، ولا يمكن أبداً أن يكون هناك تأخير وإلا فإنّ الضريبة ستكون أكبر مما يتصوّر أحد.
وهنا نشيد بموقف العراق من دعم مصر والأردن اقتصاديا، ونتمنّى أن يكون هناك فعل للعراق وتأثير على مستوى القضّية المركزية في فلسطين والمقاومة في لبنان، وهذا هو شأن العراق وما يليق به.
الأخ رئيس الوزراء المحترم:
أنا أعرف أنّكم تدركون جيّدا بأنّ المشكلة التي يمر بها العراق لا يمكن حصرها بسبب خطأ هذا المسؤول أو ذاك أو رئيس هذه القائمة أو زعيم الإقليم، ولا نريد تبرئة أحدٍ من هؤلاء، بل لأنّ الخلل في هذه العملية السياسية المسخ التي لا يمكن بأي حال أن تنتج إلا نتائج مشوهّة لقد وضع الاحتلال وصاغ هذه العملية السياسية بما يضمن استمرار المشاكل في العراق كما فعلت فرنسا في لبنان.
كما لا يمكن أن يتحقّق تغيير الوضع السياسيّ إلا بتغيير النظام السياسي وإلغاء أو قل تعديل هذا الدستور الهزيل -على الأقل- الّذي أحدث تلك الكوارث. فهذا البلد لا يبنيه سياسيّو غفلة الدهر ممن لا يخجلون من أن يأكلوا أموال الفقراء.
لذا فإن أهم ما يمكن أن يقوم به الحزب المقترح هو العمل على التهيئة لمرحلة جديدة لإنهاء الوضع السياسي والدستوري الشاذ. وليس بالضرورة أمن يكون هذا على حساب القوى الموجودة الآن في الساحة، فأنا أعتقد أن من الممكن التعامل مع عدد منها بشكل جيّد ومسؤول بما فيها القوى الكردية.
وعلى مستوى مشكلة قادة الأحزاب الكرديّة، فما معنى أن تأخذ حكومة كردستان ما يقارب عشرين مليار دولارٍ دون أن تتمكن الحكومة المركزية أن تفرض عليها شيئا؟ رغم إن الدول تفرض على دول أخرى إرادتها ببضع ملايين من الدولارات.
أنا أعتقد بأنّه متى ما تمكنت الحكومة المركزية من إثبات ذاتها وبنت وجودها، فإنها ستتمكن ممن أن تفرض إرادتها، بل يمنكن لها أن تجد في كردستان من يمدّ يده إليها لاسيّما مع فساد الأحزاب الحاكمة وابتعادها عن أبناء شعبنا في كردستان، وعندها ستبدأ أولى الخطوات لإزالة هذا الوضع الشاذ المتعب.
إن الحلول التي لا يعرف كثيرا عن تفاصيلها ليست غير مسكنات أو ليست إلا استراحة مؤقتة لجولات أخرى تستهلك ما تستهلك، لذا لا بد أن يكون هناك برنامج لحلٍّ جذري حقيقي.
إنّ أكبر خطأ حدث أو وقع فيه بعض الناس أن يغترّ الإنسان بقوّته حتى يجد نفسه فيما بعد في وضع حرج لا يستطيع أن يخرج منه، وكثير من الناس ممن يتصوّر أنّ الخروج من هذا المأزق يعني أنّ الأمور صار على ما يرام رغم أن انتهاء أزمة ما لا يعني إلا أنّ هناك أزمة ستأتي قد تكون أكبر مما سبقها.
أؤكد لكم بأنّ المسألة التي نعاني منها ليست أزمة دستور أو تضارب مصالح بقدر ما هي أزمة أخلاقية لا يكون حلّها إلا بإرادة قوية لا يفتقر إليها أبناء العراق الّذين أخرجوا الاحتلال وما كان أحد يتصوّر أن يخرج بهذه السرعة. وأنتم إن شاء الله قادرون إذا توكلتم على الله، وستجدون أنّ كل الأشخاص الّذين ستتخلون عنهم لفسادهم وتغليب مصالحهم الشخصية لن يضرّكم فقدهم فستجد رجالا مؤمنين وطنيين يدركون استحقاقات المرحلة وخلفهم كلّ الفقراء والطبقة المسحوقة والطبقة الوسطى والطلبة ورجال إعلام ورجال دين شرفاء غيّبوا كلهم، سيقفون معكم وسيساندونكم في تحركِّكم.
ولا يمكن أن نكون ساذجين لدرجة أن نتصوّر أن يكون حل مشكلة هنا أو ضيق هناك فيما يسمى بالعملية السياسيّة كافٍ لأن نتفاءل بالمستقبل فالخروج من ضيق أزمة ما لا يعني أكثر من أنّ أزمةً قد انقضت بثمن نجهل مقداره كالعادة لنستعدّ لمضيق جديد في دورة لا تنتهي أبدا أبداً إلا بالتخلّص من هذه العملية السياسيّة.
انفضوا أياديكم – وإن لم يكن بشكل معلن- من العملية السياسية وارجعوا إلى الشعب إلى الفقراء، فهم من مادّتكم وهو سرّ القوة حتى يتم التخلّص من هذا التلاعب من قبل الصِبية والمغامرين والفاشلين، ومن هذا البرلمان الّذي سيكون لمن جلس على مقاعده موقف عند الله صعب.
وأنا أذكركم، بأنّ مسؤولية العراق كبيرة ومسؤوليتكم نبعا لذلك كبيرة. وأؤكد لكم أن العراق محروس بالله لأن العراق ينتظر دوره الكبير في نهضة الأمة وأخبرك كيف وصف علي أمير المؤمنين العراق وعاصمته الكوفة في ذلك الوقت فقال: الكوفة جمجمة الإسلام وكنز الإيمان وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء، وأيم الله لينصُرنَّ الله بأهلها في مشارق الأرض ومغاربها كما انتصر بالحجارة.
وقال حذيفة بن اليمان عن العراق وأهله: ما أخبيةٌ بعد أخبيةٍ كانت مع رسول الله (ص) ببدرٍ يدفع عنهم ما يدفع عن أهلِ هذه الأخبية، ولا يريدهم قومٌ بسوء إلا أتاهم ما يشغلهم عنهم.
كما ورد عن الإمام الصادق فيمن لا يستجاب لهم دعاء فقال: من لا يستجاب دعاؤه: وهو ثمانية عشر: من جلس في بيته فاغراً فاه: ربِّ ارزقني........ ومن دعا على أهل العراق.
وليس بعيدا عنكم تصديق ذلك، فكم من مشكلة كبيرة بل كبرى مرّ بها البلد فدفع الله شرّها وهي كافية لو حدثت في أي بلد أن تحدث فتنة كبرى تؤدي إلى كوارث لكن دفع الله شرها. فله الحمد على ذلك والمنّة.
توكلوا على الله وثقوا به وثقوا بشعبكم وسوف تجدون النجاح والتوفيق بإذنه تعالى. فألمانيا الدولة النموذجية لم تكن كذلك قبل بسمارك، وإيطاليا كانت أجزاء مجزّئة قبل غاريبالدي.
وأقرب منهما مثلا سنغافورة التي تحولت على فقرها وقلة إمكانها في عقدين من دولة فقيرة إلى دولة محترمة وهامّة إقليميّا وعالميّا كل ذلك بجهود زعيمها لي كوان الّذي حوّلها إلى حالة متميّزة وكان العامل المؤثّر في ذلك هو الإرادة. نعم الإرادة التي صنعت كلّ ذلك وغيّرت الخريطة الاجتماعية للأمم وهي التي نحتاجها الآن وهي التي جعلت شافيز شافيز.
أنا أعرف أن هذا الطرح يمكن أن بنتقد من حيث أنّه ليس محدّدا بآليات، وهذا ليس عيبا لأنّ هذه الآليات يمكن تحديدها فيما لو توفّرت النيّة والإرادة لذلك.
أكتب إليكم، وأنا أعرف أنّ كثيراً مما أكتبه لكم لا يخفى تشخيصه عليكم، إلا أنّني أعتقد أنّها يجب أن يتمّ التعامل معها ككلّ وبدون تجزئة. توكّلوا على الله واحزموا أمركم وستجدون لكم ومعكم أخوة ينصرونكم وينتصرون لكم ويقفون معكم بهم يثبّت الله أقدامكم وبهم ينصرون وقد قال ووعد وقوله حَقّ ووعده صِدْق: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )
وفّقكم الله لما فيه الخير والسلام عليكم