الله والقائد وبس-طالب شريف آل طاهر
Tue, 26 Jul 2011 الساعة : 9:47

لقد كشفت الانتفاضات العارمة في البلدان العربية اليوم ، حجم الكبت والحرمان الذي يلف حياة هذه الشعوب جراء سياسات الظلم التي تنتهجها بعض الانظمة ، وقد أتت هذه السياسات على شخصية الفرد العربي بالإحباط وتوطين الشك في قدراته اتجاه على البناء وتجديد مسار الحياة , فمن غياب الوزن السياسي وصورية المؤسسات المدنية في البلدان العربية تعرى امتهان الفرد هناك في معايير الحضارة الانسانية للعصر الحديث وسط تغييب الدساتير وتعليق الحقوق الشخصية وتجاهل امتيازات الهوية الوطنية , لتخلق بذلك مدارا ( آمنا ) للسلطة يسمح للشعوب في ان تعبر عن الولاء المطلق ( للقيادة الرشيدة ) بطرق تقوض الطاقات وتحمل المرء على ذاته وتهدر جهده باتجاهات إعلامية تبلور مناخ التسلط وتعمم سلوكية الانصياع في الشارع العربي والذي شوه القيم الموروثة وأفرز شرعية لقيطة تبجل الأنظمة الدكتاتورية أو الأسر الحاكمة وتحرم الخروج عليها وتجرم المس بمقام القائد( رئيس الدولة ) أو التعرض للثقافة الموجهة التي تطوق الفكر الشعبي وتسور آفاقه بعيدا عن الحريات التي جاءت بها القيم الدينية والتجارب الإنسانية ، فكانت الازدواجية ومرونة الانقياد لرؤى الطغاة وضعف التصدي لنرجسيتهم.
والحقيقة إن السلطات العربية الحاكمة في معظم البلدان العربية , قد انبرت ضمن هذا التوجه إلى مسخ إرادات الناس بأساليب مبتكرة قولبت بواعثهم الفطرية برؤى ممنهجة , فأصبحوا أسارى أهداف السلطات ، ويعد الإعلام من اخطر الأدوات التي زينت وجه الدكتاتورية ووهجت مفهوم القائد الواحد وخلعت عليه من الخصال المفترضة والرمزية الوهمية ما لا يليق , وجسدت خيالاته بمعالم وضاءة يجري تسويقها عاطفيا على مستوى الفرد وفكريا لدى الخارجين على مصالح المجتمع والسابحين في غي القائد وشعاراته التي تعتبره من حيث التنصيب ممثل الإرادة الإلهية مع كل ما يتصف به من فساد وظلم جاز تداوله أجيالا عند أنظمة الحكم الوراثية.
ولكن الشارع العربي , بعد سبات , وجد نفسه قد صحا على حلم بائس وقد سرق ليله وهناءه , فاخذ يغلي ويحاول الانتفاض على أفكاره ورفع الغطاء عن حكامه واستئثارهم بالسلطة ، وقد امسك بوعي الشعوب المتحررة التي تحمل القيم الدينية السامية والثقافة الإنسانية المتحررة وأدرك حقيقة إن حركة الحياة تتأثر بعاملين , قوانين وتشريعات السلطة أو قيم وأخلاقيات وأعراف المجتمع وهو العامل الأقوى والموجه الأصلح لهذه الحركة ، وأيقنوا بان القيم العظيمة لا تختزل بفكر شخص واحد ، فليس من العدل التغاضي عن الظلم والإجرام لإرادة مستبدة ، بل ليس ثمة امة تتنكر أو تتغافل عن معتقداتها أو تقرن مصير ارثها بمصير فرد أو أسرة باغية.
وعلى العرب اليوم التأمل كثيرا بأسباب نزول القران الكريم والإصغاء إلى الصرخة الشهيرة للإمام الحسين ( ع ) في وجه الأصوات التي انحازت إلى جانب السلطان بقوله المأثور ( كونوا أحرارا في دنياكم ) وأراد بذلك ( ع ) ان يتحلوا بالمقومات الإنسانية من الكرامة وحرية الرأي ونيل الحقوق ، فهي صرخة لا تقتصر على امة بعينها , إنها صرخة تحرض على الثورة نحو الإباء وكسر القيود ورفض الذل , وقد قرأتها المجتمعات التي اكتوت بنيران الأنظمة الدكتاتورية وتمكنت في ظروف ثقافية واقتصادية غير مؤاتية أن تجهز على الظلم ، لأنها استعظمت عيش الرق وأبت أن تمضي في الحياة إلا من وحي نظرتها الخلصة لمفاهيم الحق والكرامة , فارتقت بالإنسان إلى القيمة العليا واعتبرته البذرة التي تترعرع فيها جميع الفضائل واستحالت الإنسانية الى قوانين ترقى بالحيوان إلى ما يضاهي حقوق البشر، فما ينتظر الشعوب العربية إلا مكافحة الظلم للخروج من شرنقة السلطة والشروع في بناء الإنسان وفق المبادئ والقيم النبيلة.