تشظي الأزمة المصرية/ناصرعمران الموسوي

Sat, 27 Jul 2013 الساعة : 0:31

يقول( دروكر) المفكر الأميركي في كتابه (عصر القطيعة مع الماضي ) إن الثورة حدث يطرأ على تغييرات جذرية في الأسس الاجتماعية تستدعي إحداث تغييرات فوقية في البنية الاجتماعية تتماشى مع التغييرات الحاصلة في الأسس الاجتماعية ،فان لم تحدث هذه التغييرات فان هناك حالة من الخلل الاجتماعي الذي يحدث التناقض بين التغيير الحاصل في الأسس الاجتماعية والجمود او اللاتغيير في البني الفوقية. هذا الخلل او التناقض يؤدي إلى حدوث الفوضى الاجتماعية التي تقود بدورها إلى الثورة التي ستخلق أوضاعا ً إنسانية ايجابية .)
وفي المشهد المصري لا يمكن الفصل بين التغييرات الجذرية الحاصلة في البنية الاجتماعية مابين ثورة ( 25 يناير ) و (30 يونيو ) فأسس البنى الفوقية وان تغيرت من هيمنة الحزب الوطني وسيطرة مبارك إلى هيمنة الإخوان المسلمين في صورة الرئيس المعزول مرسي، الا ان هذا التغيير الفوقي لم يكن تغييرا متناسبا مع ما شهده التغيير الذي حدث في أسس المجتمع المصري.
إن التغيير الذي حدث ابا ن الثورة كان شاملا و لم يكن يقصد السلطة والحكومة فحسب بل كان يقصد إحداث تغيير شامل وكامل للمنظومة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهذا ما اتضح جليا ً في حركة التصحيح الثورية التي قادتها حركة (تمرد ) الشبابية ،وبذلك اكتملت رؤية التغيير التي لم تستطع التعبير عن نفسها بشكل واضح وصريح، وسرقت ثورتها بفعل( قرصنه ديمقراطية ) لقوى سياسية كانت تقود بطريقة او بأخرى مسار التغيير لمصلحتها.
لا يخفى ان هناك صراعا خفيا جليا بين العسكر والإخوان يرجع بجذوره الى زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هذا الصراع شكل ظاهرة اجتماعية يمكن تمييزها بسهولة في بنية المجتمع المصري، ولذلك كان المجتمع المصري يعيش حساسية شديدة اجتماعيا وسياسيا من سيطرة الإخوان المسلمين ومحاولاتهم لـ (أخونة الدولة ) وهو الأمر الذي جعل حركة تمرد تحقق نصرا كبيرا ً فشلت فيه حركات شبابية أخرى.
إن القراءة الصحيحة لرؤى التغيير التي حملتها ثورة (25 يناير ) والتي كانت تتعدى في رؤيتها إسقاط نظام مبارك حملتها الروح الشبابية لمصر، وعبرت عنها بأنها ثورة ضد النظام والمعارضة وضد أسس اجتماعية واقتصادية تمخضت عن سياسات النظام السابق لمبارك وأجندات النظام المعزول لمرسي.
إن الثورة المصرية التي اكتملت كرؤى تغييرية في( 30 يونيو) ،كانت تحمل في داخلها طاقة التشظي التي لا تقتصر على الساحة المصرية فحسب بل شملت تغيير واقع (جيوسياسي )، وهي اولى حالات النجاح حيث أعادت لمصر إطار الزعامة والمؤثرة بعد أن عاشت في مرحلة التبعية والتأثير، ولعلنا سنجد لتشظي الحالة المصرية تأثيرا ً عربيا ودوليا من خلال :
-1 الوضع الفلسطيني : إن التغيير الذي حصل في مصر كانت له تداعيات مهمة على ارض الواقع وبخاصة على غزة التي تتأثر بشكل كبير بما يحدث في مصر كونها الرئة التي تتنفس منها غزة المحاصرة ،هذا من جانب ومن جانب آخر فان حركة حماس فقدت بعزل نظام مرسي حليفا مهما كان له دور كبير في الاتفاق الذي حصل بين حماس وإسرائيل لوقف إطلاق النار، وهناك الكثير من المشاريع بين حماس والإخوان، وهو الأمر الذي أدى بحماس إلى التفريط بحلفائها الستراتيجيين وهما سوريا وإيران ، وبفقد نظام الإخوان فان حماس منيت بخسارة كبيرة على المستوى الستراتيجي والسياسي.
-2 الوضع السوري : تكاد تكون قرارات مرسي بقطع العلاقات مع سوريا ومحاولاته للتأثير وجر الجيش المصري إلى القتال في المستنقع السوري ودعوات الإخوان ومؤتمراتهم العدائية وتحريضهم الطائفي ومحاولة تصدير أزماتهم الداخلية الى الخارج ،القشة التي عجلت بسقوط مشروع الإخوان ،فسوريا ونظام الأسد لما يزل يحتل مساحة مهمة في ذاكرة الشعب المصري تحيله إلى أيام الجمهورية العربية المتحدة والوحدة بين سوريا ومصر وبالمقابل خسرت المعارضة السورية داعما كبيرا يضاف إلى خسارتها لحلفاء آخرين اثر بشكل كبير على مجريات المعارك واتضح ذلك من خلال الانتصارات التي حققها الجيش السوري
-3 الوضع الخليجي : شكل التغيير المصري حالة إعلان مهمة لرجحان الزعامة السعودية وانتصارها في صراعها مع قطر التي توارت بعد التغيير الأميري الذي أطاح بحمد بن جاسم ومشروع زعامة قطر ، وكان بمثابة الحجر الذي اسقط عصفورين هما قطر والإخوان الذين يسعون لزعامة الإسلام السني في المنطقة والعالم، الأمر الذي لا يمكن القبول به سعوديا، وبالملاحظة البسيطة لقنوات الإعلام التي تديرها السعودية وقطر تتضح الرؤية لكليهما في الشأن المصري فالعربية كانت مرافقة لثورة 30( يونيو) التي أسقطت مرسي المقرب من قطر في حين كانت الجزيرة مرافقة لسقوط مبارك المقرب من السعودية ،إضافة لما قدمته قطر لنظام مرسي وما قدمته السعودية للنظام الجديد.
-4 الوضع التركي: لقد فقدت تركيا الطامحة من خلال نظام الإخوان إلى فرض خلافة إسلامية من نوع جديد عبر الترويج لتجربة حكمها الإسلامي التي حاولت تسويقها في ظل أحداث ما يسمى (بالربيع العربي) ،وقد وضعت خطواتها في تونس عن طريق حزب النهضة وفي مصر عن طريق الإخوان ودخلت بشكل مباشر في سوريا لمصلحة الفصائل المعارضة المسلحة ذات التوجه الطائفي والتكفيري ،وقد أضاف سقوط نظام الإخوان مع ما تشهده من حركات احتجاجية عرفت بأحداث ميدان تقسيم ضربة قوية لمشروع اردوغان التوسعي في المنطقة العربية وخوفه من إعادة تجربة تدخل العسكر الذي عانى منها حزبه كثيرا.
-5 الوضع الدولي: أربكت الحشود المليونية في 30 يناير التي طالبت بإسقاط مرسي المراقب الدولي الذي وجدها استفتاءً شعبيا ً على عزله، وكان لتضامن الجيش والشرطة وما تلاها من أحداث أسهمت بعزل مرسي ببيان عسكري وتشكيل حكومة بعد تعطيل الدستور علامات استفهام كبيرة فبين من وجدها انقلابا وبين من وجدها وسطا بين الشرعية والانقلاب ،ولما يزل الموقف الأميركي - وان اجمع على عدم عودة مرسي في حيرة من أمره بين شد وجذب، في حين كان الموقف الروسي والصيني مؤيدا بشكل كبير، وإذا كانت مواقف الدول الكبرى متأرجحة فان الموقف الشعبي اظهر إعجابا كبيرا با رادة المواطن المصري في التغيير وعكس صورة جديدة عن ثقافة الديمقراطية وإيجاد مفهوم جديد للشرعية الشعبية على حساب الشرعية الدستورية.
واخيرا ً فان سقوط نظام الاخوان في مصر جنب المنطقة الكثير من الشد والجذب الطائفي وبدأ المشروع المدني للتغيير باستعادة الكثير من بريقه الذي يؤمن بالدولة المدنية وحقوق الانسان.

Share |