مصر والجنرالات/حيدر الجابر
Mon, 22 Jul 2013 الساعة : 12:38

دخلت مصر دوامة جديدة، فهناك الملايين ممن احتجّوا ضد مرسي ثم دعمهم الجيش، وتم عزل الرئيس الذي أثار لغطاً بسياساته شقت الشارع المصري. وهناك ايضاً ملايين اخرى يحتشدون لدعم شرعية أول رئيس منتخب في تاريخ مصر الحديث. صداع أو شيزوفرينيا ستصيب النفس المصرية المعتدّة جداً، يرافقها جدال محترف بين الطرفين بسبب الخبرة الكبيرة التي يتميّز بها المصريون في مجال الإعلام. وهناك، في الأفق، خطر داهم يهدد البلاد التي فيها ما يكفيها، والتهديدات بالحرب تنطلق بين وقت وآخر، مع وجود جيش يتمتع بثقة عالية من الناس، عليه أن يثبت أنه أهل لها.
جيوش عربية قليلة تحظى بتأييد شعوبها، أكثرها اللبناني، الذي يرمز للدولة، والمصري الذي يحظى بتأييد شعبي جارف. رأس لبنان ثلاثة جنرالات انتقلوا من قيادة الجيش الى قيادة الدولة، وحظوا بتأييد كبير، فيما تعاقب على رئاسة مصر خمسة ضباط حتى انتخاب محمد مرسي. وربما الجيشان ـ اليوم ـ يمران باختبار وطني عسير، في لبنان أحمد الأسير والسلفيين، وفي مصر محمد مرسي والاخوان. العاصفة التي تعصف بالشرق الاوسط شديدة الوطأة عظيمة الخطورة، لقد عصفت بأسس الدولة الحديثة، ومزقت ستار القداسة، ولم يعد شخص أو شاخص في منأى عنها. حين تفقد الدول ثوابتها التي تجمع عليها شعوبها يصبح وجودها محل تساؤل، وفي حال دول منطقتنا تبدو الدول هشة وبحاجة الى رموز تفعل فعل المقويات، لتحميها من السقوط.
مصر ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات، ولأول مرة يصبح الجيش محل نظر، وهدفاً لسهام الاتهام، والتخوين. نعم، قائد الجيش وكبار ضباطه هم من يتلقى سهام النقد الاكثر، فيما يراهن المتخاصمون على ولاء المجندين، ولكن تاريخ مصر العسكري ارتبط بالقادة، وبرموز اختصروا المسافة بين الشعب والمجد. لم تعد الشعارات كافية في بلاد الشرق للحفاظ على هوية الوطن وتماسكه، فلابد من ثوابت واقعية تغذي فكرة الانتماء، نقاط للقاء في وقت الاختلاف. في مصر الجيش مثل نهر النيل والأزهر الشريف والكنيسة القبطية وإهرامات الجيزة، وربما يكون الحاجز الأخير في وجه تفتيت الوطن وإلغائه، والقطيعة مع تاريخ طويل جداً.