الشخصانية والديمقراطية/طاهر مسلم البكاء

Sat, 20 Jul 2013 الساعة : 14:19

كانت ابرز حكايات التاريخ تحكي قصص أبطال عاشوا وحققوا انجازات كانت تكتب لهم وتتداول بين العامة كسير ذاتية تبرز كيف تمكن هؤلاء الأبطال من تحقيق انجازات كبرى خلدت اسماءهم في صفحات التاريخ ،وكان كل منجز يحسب لشخصية بعينها قانون حمورابي ، وجنائن بابل المعلقة لاتذكر بدون نبوخذنصر ، وفي الطوفان كان المنقذ نبي الله نوح بما اوحى الله تعالى له من بناء السفينة ، وحكاية القحط الذي يصيب مصر كان نبي الله يوسف وهكذا حتى نصل الى السير الذاتية الخاصة بكل شعب لنجد ان اسباب انهيار الدولة الفلانية وجود ملك ضعيف وان اسباب توحد اصقاع واسعة من بلاد معينة يوعز الى وجود قائد شجاع ومتمكن .
والقيادة بصورة عامة موجودة في كل مرافق الحياة ولو بنسب مختلفة ،ففي الأسرة نجد أن الرجل هو الذي يمارس القيادة وفي المدرسة نجد المدير وفي كل منظمة أو تجمع أو قسم أو مؤسسة صعودا ً الى الوزارات ومن ثم القيادة العليا للبلاد، و قيل في الأمثال أن السفينة تغرق بدون ربان ، ونجد في الشعرالعربي ما يوحي بنفس المعنى :
لايصلح الناس فوضى لاسَراة َ لهم
ولا سَراة َإذا جُهالهم سادوا
ويظهر ان العامة مجبولة على حب الشخصانية والتغني بأمجاد شخص يسوس الحكم ويرسي اسس العدل ويمنع الظلم ويرد غارات واطماع الأعداء ، وهو نزوع غير مباشر الى الحكم القوي المستقر ،أي أن تكون قويا ً فلا يطمع بك الطامعون ، ولكن كيف كان يصل هؤلاء لتولي السلطة ، وبعد ذلك كيف كانوا يديرون دفة الحكم .
طرائق القيادة كثيرة
ــــــــــــــــــــــــ
ـــ ينزع أغلب من يسهل لهم القياد الى الحكم الفردي الدكتاتوري وكان فيما مضى ملك البلاد لاينازع وتنقاد له جميع القوى الأخرى من عساكر وغيرها ، وفي العصرالقريب كان هناك امثلة على هذا النوع في المانيا النازية وفي الفاشية الأيطالية ،وفي الستالينية حيث نظام الحزب الواحد ، وفي النظام الديكتاتوري في العراق،وأغلب حكام البلاد العربية ، حيث يسيطر الفرد او الحزب الواحد على جميع أنشطة البلاد العامة ولايسمح لأي نوع من المعارضة .
ومما يشتهر به هذا النوع من الحكم هو قمع الشعوب وشن الحروب الخارجية ، وأمتلاك جهاز استخباراتي قوي يحمي النظام .
ـــ الأنظمة الديمقراطية ،وقد تكون ديمقراطية مباشرة يمارسها الشعب وهي من انواع الديمقراطية القديمة التي مورست قديما ًفي اليونان ،أو نيابية ، حيث ينتخب الشعب نواب يمارسون الحياة السياسية نيابة عنه،أو تكون ديمقراطية غير مباشرة .
وهناك أنواع من الحكم خاصة ببعض البلدان كالأمبراطوري في اليابان والملكي في العديد من الدول الأجنبية والعربية والأميري في دول الخليج ، وهي تجمع بين الأنواع السابقة من طرائق الحكم وتخفي اجتهادات قادتها وراء براقع ديمقراطية ولو ان الحكم الأمبراطوري اليوم هو حكم شكلي فخري وليس له تأثير كبير على سياسة البلاد .
من الأفضل ؟
ــــــــــــــــــــــ
مع ان الأتجاه اليوم للحياة الديمقراطية ،وحتى الأنظمة الديكتاتورية بدأت تخجل وتعلن عن برامج ديمقراطية ، ولكن هناك بعض السلبيات التي تغلف النظام الديمقراطي ،وخاصة في بلدان حديثة العهد بها مثل العراق ، حيث تؤدي الديمقراطية الى وصول أشخاص يثبتون، بعد ان يمنحوا الفرصة الكافية ، أنهم لم يكونوا أهلا ً سواء في البرلمان أو في مجالس المحافظات ، فصحيح أن الأغلبية تصوت فترفع الشخص الفلاني ولكن ليس على أساس معايير تؤخذ بنظر الأعتبار مصلحة البلاد ومصالح العامة ،بل أنها تفهم الديمقراطية على أساس انها سباق لكسب منافع شخصية قد تكون فردية أو حزبية أو عشائرية ، وبالتالي تسهل من تسلق عناصر غير كفوءة سلّم السلطة .
ومن جانب آخر فأن المناقشات السفسطائية التي تتخلل الموافقة على القوانين المهمة للبلاد تؤخذ أوقات مملة تجعلها مضيعة للوقت ومضرة بالبلاد التي تحتاج اعادة البناء وردم هوة التخلف التي عاشتها سابقا ً ،وبنفس السياق تؤخذ الممارسات الديمقراطية اثناء الدورات الأنتخابية وقتا ً طويلا ً تكاد تتوقف فيه عجلة البلاد ،حيث استمرار عمل قيادات قد علمت انها خرجت خاسرة من العملية الأنتخابية وخبت لديها هالة السلطة ، بينما تنتظر القيادات الجديدة اجراءات المصادقة والتسليم والأستلام .
كما أن عمل البرلمان ( الوطني أو المحلي ) ككتلة متماسكة لأجل مصلحة البلاد العليا تكاد تكون مفقودة ، حيث التزاحم والتقاتل على أمتيازات ذاتية تخص كتل أو أحزاب أو جماعات .
المعالجة
ـــــــــــ
لايمكن طبعا ً تصور أن مجتمعا ً ديمقراطيا ً مثاليا ً سيتكون حال سقوط النظام الديكتاتوري ،وخاصة ما جرى في العراق من تدمير للبنى التحتية للبلاد واستمرار التدهور الأمني ، ولكن يمكن تقليل الخسائر الى أقل ما يمكن وأختصار وقت الوصول الى أفضل الأحوال ويتأتى ذلك من :
- دراسة حالات الأنتخابات السابقة ونتائجها على مجمل الأوضاع العامة ،وأمكانيات القيادات التي أفرزتها لتصدر هرم السياسة سواء في الحكومة الوطنية أو المحلية ،وعلى ضوء ذلك توضع ضوابط للمرشحين تحتم وصول كفاءات ، من حيث المستوى الدراسي والخبرة السابقة، ومنع التسلق العشوائي الذي لايعدو عن كونه ضربة حظ .
- أعداد ومراقبة وتوجيه الفائزين من قبل قادة الكتل والأحزاب والتجمعات المشتركة في العملية السياسية ،والذين من المفروض أن يكونوا على درجة عالية من الكفاءة والوطنية .
- الأقلال من الوقت الضائع خلال العملية الأنتخابية وعملية المصادقة والتسليم والأستلام وكذلك الأقلال من الوقت الذي تؤخذه المناقشات بشأن اقرار الموازنة العامة كل عام .

وتبقى للشخصية القيادية المتميزة دور كبير في الأتجاه بالأوضاع من حال مزري الى حال أفضل بكثير ، ولانزال حالنا حال جميع أهل الأرض كل من موقعه نستذكر شخصيات أفرزت واقعا ً جديدا ًلاينسى وعلى مدى أجيال ،وبالمقابل نستذكر قيادات ضعيفة لم تحرز أي صيت سوى السمعة الرديئة ،ولكننا اليوم ننتظر من الديمقراطية ان تفرز لنا قادة تتطلبهم المرحلة ،حيث الحاجة الى إعادة البناء في كل مرافق الحياة ، ولايبرز الربان الشجاع الا ّ في الرياح العاتية .

Share |