التربية في الإسلام .../حسين ناجي الطائي
Tue, 16 Jul 2013 الساعة : 1:31

أولا : - الأسس البنائية للإنسان برؤية قرآنية :
الإنسان هذا الكائن الذي رسمت يد الغيب ملامح تكوينه بعناية فائقة , وأصبح خليفة الله في هذه الأرض , قد جمع في فلسفة وجوده ضدين مما هو محال كما عبر عنه المناطقة , هذا التضاد أسبغ على الإنسان خصوصية كونية وأضفى عليه مزيدا من التكريم وألقى على كاهله مسؤولية كبرى , عبر عنها القران (( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا ))..
هذه الأمانة التي أسرها الله إلى الإنسان ليحملها هي المسؤولية التي حملها الله لابن ادم ولكنه كان ظلوما جهولا كما عبرت عنه الآية الكريمة , إن هذا التضاد يقع من حيث الخلقة الأولى ضمن بعدين أو قل ضدين :
الأول :- هو إيجاده من أحقر المواد وأصغرها وأذلها كما جاء في قوله تعالى (( خلق الإنسان من صلصال كالفخار )) , والصلصال : الطين إذا يبس , وصار له صوت وصلصلة عند الضرب عليه , وقد تكون هذه حلقة في سلسلة النشأة من الطين أو من التراب , كما أنها قد تكون تعبيرا عن حقيقة الوحدة بين مادة الإنسان ومادة الأرض في عناصر التكوين ,وقد عبر القران عنها في آية أخرى بـ (( حمأ مسنون )) والحمأ والجمأة – كما يقول ابن منظور في لسان العرب - : الطين الأسود المنتن , وحمئ الماء حما وحمأ , خالطته الحمأة , فكدر وتغيرت رائحته .
وما أعظم ما أشار به القران من دلالة عظيمة أغنت بكلمتين قصيرتين عاليتي الفصاحة والبلاغة – بصغر المبنى وعظم المعنى - عن إنشاء جمل وفوارز جمة لبيان هذا المعنى الفلسفي الدقيق والمفهوم اللطيف .
الثاني :- هو هذه النفخة الإلهية التي صبها الباري عز وجل في قبضة الطين اللازب لينتج عنها هذا الخليفة الذي استودع السر الإلهي , تلك النفخة - مجازا- هي روح الله كما عبر عنها القران (( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )).
ويدور الصراع في داخل الإنسان بين هذين القطبين ( قطب النزول ) و ( قطب الصعود) , احدهما يرفع الإنسان والآخر ينزله , وقد ورد في الروايات عن أئمة أهل البيت (ع) ما مضمونه (( إن الله ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة , وفي الحيوان شهوة بلا عقل , وركب في بني ادم كلتيهما ...)), كل ذلك يدل بدلالة واضحة إلى معنى أن كل عنصر يفعل فاعليته , ويجنح نحو صنوه , فالطين يخلد للدعة والراحة , والروح تسمو نحو العلى والكمال .
والطين هو ما يكون مسيره نحو الحقارة والرذالة والخسة والنزول إلى الحضيض الأسفل والاستقرار في البرص والقاع , والروح تسعى جاهدة نحو الكمال الذي هو غاية كل إنسان وهدف لكل طامح له على اختلاف العناوين وثبات المفهوم .
هذا هو مبدأ البنية الأساسية للإنسان في تعبير الآيات الكريمات , وبهذا استوعبت القصة حياة الإنسان ورسالته على الأرض , وعرفت الإنسان , وحددت معناه وحركته وخطوط انطلاقته باعتباره مخلوقا يسير ليقطع المسافة من التراب إلى الله , وهذه المسافة والطريق الذي يتحرك فيه هذا المخلوق اسمه(( الدين )) والمقصد الذي ينتهي عنده الطريق هو ((الإنسان)) .
إن التصور الإسلامي للإنسان هو أعظم تصور واشرف معنى في الوجود يمكن أن يتصور ويفوق حتى المذاهب التي تعتقد بأصالة الإنسان ( اومانيسم ) حيث لم يعثر الفلاسفة على معنى يحدد الإنسان ويعرفه كمثل هذا المفهوم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ..