الابداع بين مطرقة الفقر وسندانة الاغتراب/كريم شلال

Sun, 14 Jul 2013 الساعة : 1:07

لقد راينا الدم
وليس هذا بتكهن
سياتي الدم
سياتي الدم
ان المتتبع لحالة الابداع في الادب العراقي عموما وفي الشعر حصرا ، قد لايشك من ان هناك حالة ابداع تشكل علامة فارقة دون ريب. تظهر بين قدحات القصائد بين شاعر واخر ، ونرى تصاعدا مستمرا في وتيرة الالم والحزن والغربة التي تصرخ به ، لوعة وهيجانا يناى بها ضمير الشاعر ، الامر الذي بات يسجل حالة مميزة في الشعر العراقي ، ولعل من نافلة القول ان اشير لها غير مرة في دراساتي سواء كانت في حالة الشاعر ( كمال سبتي او عقيل علي او عند قيس لفتة مراد ) على سبيل القصد وليس الحصر،الامر الذي دفعني ان ابحثها مدونة بقصائدهم كدلالة على ثقل حيفها الذي يطرق باب ابداعهم فيظهر القا مشوبا بالحزن والفاقة الثقيلة على اكتافهم فيلوذون بكلماتهم كمعادل موضوعي لدفع ظله القاهر لمعظم طموحاتهم فتراهم يترنحون في حالة صراع ،فيصرخون عند اشتداد المحن عليهم :
لقد نفقتنا الالهة
اننا غرباء حتى مع انفسنا
وهي لحظة انكسار عالية بعد ان يشعر الانسان حالة الاغتراب حتى مع النفس ليعيش في اتون العتمة والافتراق ، اذ تصل حالة الشدة والفقر احد اركان الانكسار القاتل للابداع حالة عدم الاستكانة وعدم الاستقرار بعد فقدان الانسان لماوى متهاويا يلوذ به مع جسده الخاوي ليسجل ابداعه ، كما يسجله " جان دمو" :
اعطيني غرفة اعطيك رواية . .
وتستمر اهاتهم شعرا يبوحون به كحالة ابداع ، يقول كمال سبتي :
وكنت غريبا في بلاد تسمى بلادك ، حتى ظننت ذات مرة انك لاتتكلم لغتها ، اخذت منك كل شيء ، واستكثرت عليك النوم في فنادق " الميدان الرخيصة .
وقد لايختلف الشاعر خالد المعالي عن اقرانه بعد ان لاذ بفقره وغربته التي لمسها في عاصمته " بغداد " بعد ان كان باحثا عنها ، يقول :
شعرنا بعزلة اجتماعية ووجدانية قاسية ، انها الغربة البغدادية بعد غربة القدوم الاول.
عند كل تلك التراكمات يشعر الشعراء انهم في عالم غير عالمهم ، فيلوذون بشعرهم ، فيكتبوا تلك الحالة الضاغطة عليهم سواء كانت ( فقرا او غربة ، او تجاهلا ) .
ان الصدام الحاصل بين الذات المغتربة والواقع ينجب عنه احيانا رد فعل معاكس خارج افق التوقع فلم يعد الشاعر المغترب يبحث عن طريقة لاحتواء التوتر الناجم من هذا الصدام بل تمرد على تلك الانفعالات والاتجاه الى قهر ذلك الاغتراب، ووفق هذا المنطلق اتجه الشعراء صوب شحن هممهم ، محاولين قهر اغترابهم ، والتمرد على لحظات ياسهم وهروبهم ، متخذين طرقا عدة في ثورتهم ، تمثلت في انشائهم مدنا حلمية " يوتوبيات " صنعوها بانفسهم وهي خيالية كتعبير عن حالة السمو عن واقعهم المتردي ، اضافة الى تمسكهم بذلك الزمن الماضي كاستعادة لزمنهم المفقود وفرارهم الى طفولتهم كما سجلها عقيل علي :
على دفاتري
ارسم حجرا
ارسم تاجا
ارسم طفولة مخطوفة
وقد تاخذ لحظة الابداع شكلا ماساويا اخر اكثر وقعا وايلاما عند البياتي ، بعد ان يرى حتف جده امام ناظرية موتا ذليلا فيشبهه كالغراب او الجرذ او الصرصور، ويعجز حتى عن دفنه دفنا مهيبا ،وهي دلالالة رامزة على سوداوية حالته ولحظة انكساره واغترابه ، اذ يقول :
مات جدي كالغراب
كالجرذ، كالصرصور، مات مع الخريف
فدفنته في ظل نخلتنا
وقد يشكل الفقر وغربة المكان مع من يعيش رافدان قاتلان لكينونة الانسان ولكنهما يرفدانه بلحظات ابداعية رائعة وان كانت تحمل بين جنباتها الما وتعاسة ، كما يراها قيس لفته مراد:
واب مرهق. .
وام الصغار
تحزم الان لفة من فراش
غجر نحن
كل حين بدار
ثم ترنو لزوجها
هذه كتبك
قلتها الف مرة
قلت: بعها
اي نفع بها؟
وماذا الحصيل؟
لم يسدد دينا
ولاسد فقرا
بل هو الفقر. . والعناء الطويل
وتصل المعاناة اوجها بعد ان يشعر الشعراء ان الدنيا رفضتهم ولم يعد متسعا من الارض يفترشونه الا الرصيف ، وغذاؤهم فتات المزابل ،كما يقول عقيل علي :

وسادتك الرصيف
ومكانك فضلات المزابل
التوجس والدهشة والحيرة وايام اللاجدوى
من كل ذلك نطرح سؤالا : هل يرتجى من كل تلك الضغوطات ابداعا ؟ وهل تكون السرر الناعمة لغيرهم ؟ اليس لهم حق في بلدهم ، بعد ان كتبوا احلى قصائدهم بحقه، كما يذهب عقيل علي :
سيدي
ياعراق
ان الذي بيننا هما
سيدي
ياعراق
من كل ذلك نخلص لغاية نريد قولها من ان الفقر والاغتراب بقدر سوداويته وقهره الا ان همة بعض الشعراء غلبت عليه لتحيله قصائدا ناطقة باللوعة والشجن تحفر اهاتها عميقا في مسارب الحزن وتمد جذورها في عمق الجرح العربي لتزهر كلمات تنزف بما الت اليه قصيدة الابداع ومصائر الشعراء بين ضياع وغربة وتجاهل احيانا .
الا ان الزمن الذي تجاهل ابداعهم كفيل بان ينحني امام تالقهم يوما ، كما يؤكد المعنى قيس لفتة مراد بقوله :
تشكين اني شاعر . . انا شاعر كبير . . ولكن الحظوظ عواثر
ولاذنب لي ان لم ينلنـي ناقد يعرف بي . . او لم ينلني خابر

Share |