العراق: تجارب الماضي وصناعة المستقبل/حسين ناجي الطائي

Thu, 11 Jul 2013 الساعة : 11:42

قال العلامة ابن منظور في لسان العرب – ج9 مادة عرق 162 - : والعراق –بضم العين- المطر الغزير , والعظم بغير لحم فان كان عليه لحم فهو عرق.
وفي ص 164 : والعراق شاطئ الماء , وخص بعضهم به شاطئ البحر والجمع كالجمع.
وقيل سمي عراقا لقربه من البحر , وأهل الحجاز يسمون ماكان قريبا من البحرعراقا – بكسر العين - . وقيل سمي عراقا لأنه استكف ارض العرب , وقيل سمي به لتواشج عروق الشجر والنخل به كأنه أراد عرقا ثم جمع على عراق – بكسر العين - .
وقيل سمى به العجم, سمته إيران شهر , ومعناه : كثيرة النخل والشجر , واليه ذهب الأصمعي عن الأزهري .
وورد في الوثائق البريطانية – ص19 -إن أصل التسمية يرجع إلى كلمة ( عرق) وهو أكثر المصطلحات صوابا حيث يعني ( نضح الرطوبة ) والتي تعد أكثر ملائمة لطبيعة الإقليم . وعلى اختلاف هذه الآراء فأن أي منها لابأس فيه بنفسه.
لقد عكفت تلك التجمعات على ضفاف الأنهار لتبني أعظم الحضارات في تأريخ البشرية جمعاء لتخط للبشرية أحرف من نور على ألواح طينية كانت بذلك بوابة الدخول للتاريخ لتتسلسل بعدها إحداث التاريخ كما أريد لها .
هذه التجمعات أقرحتها الغزوات وأقحمتها عجاف السنوات لتكون اشلاءا مقطعة ولتكتمل الحلقة فقد استنفدتها سني الحكم العثماني بمراراته وماسيه والذي أربى على أكثر من أربعة قرون ,امتلأت ظلما وحيفا واضطهادا ,كانت نهايتها على يد جلاد آخر لم يكن هو الآخر يقل عن سابقه وبعد تمخض عسير وعواصف عصفت رضخ المستعمر لبعض المطالب الوطنية بتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكا على العراق والذي عرف بتوجهاته القومية والعروبية , والذي يعتبره الانكليز أمرا مفيدا من ناحية قطع جذور الموالاة للدولة التركية المهزومة من باب دفع الشر بالشر ومقارعة النوع بضده .مضافا إلى نقطة في غاية الأهمية يمكن تسجيلها وهو الشعور البريطاني تجاه قادة ثورة الجهاد في الشعيبة وبعدها في ثورة العشرين فأنه مابرح شعورا عدائيا صرف يتسم بالطابع الثأري وعلى أساس ذلك تبنت سياساتهم محاربة المد الإسلامي الذي يرتبط بأذرع المرجعية الدينية في النجف وكربلاء والفصل بينها وبين القاعدة الجماهيرية بأساليب متعددة , لااقل من إن نلتفت إن القومية والإسلامية نقيضان لايجتمعان فإذا ما اشتد لهيب احدهما خفتت الأخرى , ولعل إحداث النكسة التي حصلت عام 1967 وانعكاساتها على الساحة العربية والإسلامية خير مثال على ذلك إذ يتبين من خلالها صعود الحركة الإسلامية وتفاقمها مقابل الهبوط والتدني الذي أصاب الحركة القومية .
لقد قام فيصل الأول بجهود جبارة لتشكيل حكومة من العدم وإعداد شعب يشعر بالمسؤولية تجاه قضيته فقد ورد في مذكرة سرية له :انه في اعتقادي لايوجد في العراق شعب عراقي بعد , بل توجد كتلات بشرية خاليه من أي فكرة وطنية متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية , لاتجمع بينهم جامعة , سماعون للسوء , ميالون للفوضى ( العراق – الكتاب الأول- حنا بطاطو- ص44 ) .
ضمت هذه الحكومات على طوال أكثر من ربع قرن قادة عسكريين خدموا في الجيش العثماني وقضوا مراحل الدراسة العسكرية هناك وبعد قيام الثورة العربية انضموا إلى الجيش العربي , ومن الواضح جدا إن التأثر بالشخصية العثمانية لم يكن قليلا في أذهانهم وقد أصبح هذا واضحا في تصرفاتهم وسياساتهم الداخلية , إن شخصية مصطفى أتاتورك كانت هي الأولى في الترتيب , فصارت أفعاله بمثابة منهج لبعض الساسة العراقيين الذين راحوا يستنسخون تجاربه ويتقمصون شخصيته بل أصبحوا يتصارعون عليها .
حدد الكاتب حسن العلوي شخصية الحكام القوميين في عراق مابعد الحرب العالمية الأولى في ثلاثة متجهات :-
1 – شخصية الضابط التركي المسلم الشرقي المتنحي بالحرب .
2 – شخصية الضابط البريطاني المسيحي المتغلب بالحرب .
3 – شخصية الضابط العربي الذي ينهض بمسؤولية دولة جديدة .
ؤبالرغم من أنها متجهات تتجه للتضاد بالرغم من انطلاقها من نقطة واحدة فقد اتفقت على إن ترسم السياسة الخارجية لتتلائم مع المصالح البريطانية , وأقيمت السياسة الداخلية على مفهوم تركي استبدادي , وطرحت الدولة شكلها ومضمونها القومي المتعصب في خطابها العربي الإقليمي.
وعلى الرغم من أنهم اعتمروا القبعات البريطانية فان التأثر على هذا الجانب ظل محدودا , وأضحى التأثير التركي في برامجهم اكبر من غيره , واخذ الدور الاتاتوركي الجانب الأكثر أهمية , لعل أهم أسبابها هو راجع إلى الحقبة الزمنية الكبيرة التي عاشها العراق تحت وطأة الحكم العثماني , مضافا إلى نقطة أخرى لاتخلو من أهمية هو تزامن المراحل الدراسية بين أتاتورك وبعض القادة العراقيين مما يكون له الأثر الأكبر لو صح القول .
ولايكون مهما وضروريا سرد الآثار المترتبة على ذلك , فألاهم من كل ذلك هو اخذ العبرة والاتعاظ مما سلف فالحياة تجارب وتوخي الحذر من الانصهار في نفس البودقة والتي ستعيد العراق إلى المربع الأول ويكفي قادة العراق إن لهم تاريخا مجيدا يمكن لهم إن يعضدوه بحاضر زاهر نضر :
وخير الناس ذو حسب قديم أقام لنفسه حسبا جديدا
وبذلك سوف يتشكل الأساس الصحيح لدولة عادلة ذات بناء ديمقراطي تعددي وفق المعايير الإنسانية , وإلا كانت النتيجة أعظم مما سبق وحينئذ لا ينفع الندم - والعاقل لايعثر في حجر مرتين – 

Share |