في سوق الشيوخ.. ايشان ام العباس/اياد علي الحسني

Wed, 10 Jul 2013 الساعة : 17:55

أم العباس هو ايشان سومري ركام قديم يرجع الى سنة 2112 ق م ايام سلالة اور الثالثه وكانت مدينة عامره حتى سقطت على ايدي العيلاميين سنة 2000 ق م وكانت لديها علاقة نسب التربة والارض مع قريباتها ايشان ام الحلفه وام الودع وايشان مارو(الذي انشات عليه مدينة سوق الشيوخ) وايشان كيسيكا (تل اللحم ).

(أم العباس) ساحة شهيرة وتل كبير في سوق الشيوخ ترجع جذوره التاريخيه الى الحقبه السومريه تتربع على قلب المدينه، ولهذه الساحة تاريخ غريب ومثير.
وانت قادم من مدينة الناصريه باتجاه سوق الشيوخ وعلى مدخل المدينه تبعد عن مركز السوق بخمسة كيلومترات شمال غرب كانت ايشان كبير والايشان في اللغه السومريه بمعنى (تل) جاءها العرب من كل حدب وصوب ليتخذوها دار استراحه قبل وبعد الفتح الاسلامي حتى العباسيين قضوا فيها برهة من الزمن , وفي هذا التل قيل دفنت فيه ام العباس ابن الامام علي الهادي (ع) في القرن الثالث الهجري, وجاءتها المراكب العثمانيه ليتخذوها مرسا لهم يوم كان الفرات على مقربة منها وتوالت عليها الهجرات حتى مر بها الغزاة الانكليز ذات مره فلم يخلفوا غير الاثم والعد وان واتحذوها مركزا لقيادتهم ردحا من الزمن حتى ثورة الطاعون عام 1919 فغادروها .

بدأت هذه الساحة بممارسة وجودها (كمقبرة) لضحايا مرض الطاعون الذي اجتاح سوق الشيوخ وضواحيها آنذاك ، ولقد أشار الشعراء الى ام العباس كمقبرة، وفي جوعٍ أصاب العراق , نهضت المقبرة من وجودها كفندق للموتى حين تناخى أخيارها من عشائر المجره وبني خيكان والتجار وحولوها إلى ساحة للطبخ , فجاءت القدور لتجتمع في هذه الساحة المقبرة، فاُشعلت النيران وفارت القدور لوأد الجوع، فانتصرت عشائر سو ق الشيوخ وتحالفت فيما بينها بالامام العباس لأبعاد شبح الموت جوعاً، ومنها أخذت هذه الساحة اسمها أم العباس بشكل رسمي ، فكانت (وليمة في مقبرة) كما يصفها العلامه المرحوم عبد الرزاق الحسني كتابه (العراق قديما وحديثا)، من هذه الساحة وبأمومتها تعلّمت عشائر سوق الشيوخ درسها الأول في (الطيبة وحسن المعشر وإكرام الضيف، والابتسامة وروح المسامحة)،) فإذا كانت سوق الشيوخ ثغر بوابة بادية العراق فام العباس أسنانها الناصعة، لكن هذه الساحة ببعدها الهندسي على مستوي الأرض لا يمكن ان تقاوم كل هذا الزحف بأبعاده الزمنية للوصول إلى البعد الرابع لاقتلاعها من الذاكرة السوكاويه وها هي المدينه تاتي زحفا شيئا فشيئا لتقابل ام العباس من جديد نتيجة عمرانها وتطورها . الف سنة رحل عنها الفرات رويدارويدا .متجه الى جهة الشرق بسبب الاهمال الذي اصاب ساحة ام العباس التي تحطمت الساحه الكبيره التي كانت بارزه حتى سنوات الاربعينات وازيلت الساحه بحجة لامبرر لها. وانطوت صفحتها كساحه وبقيت مقبره الى يومنا هذا ولكن بعد قدوم السيارات بشكل واسع قام الاهالي بنقل موتاهم الى النجف الاشرف او بعض المقابرالمحليّه مثل الخميسيه وتل اللحم (كيسيكا) , .. لأقتربَ اكثر فالقلم يضغط عليّ، وأنا أتابع اخبار سوق الشيوخ من بعيد ، فيما البوح في ايشان أم العباس... حيث كانت تلتقي العزاءات الحسينية لإتمام دورتها الطقسية، مواكب حسينية بالزنجيل والقامات والدماء،وتحولت هذه المراثي الى سوق الشيوخ التي تاسست في 1869م وتحول ايشان ام العباس في ثمانينيات القرن المنصرم الى الساحه الأم شاهدة لأعواد المشانق، فاعدم في ام العباس عشرات الشباب في ابان الحرب العراقية الايرانيه وفي الانتفاضة الشعبانيه واصبحت ام العباس مقابر لهؤلاء الشباب . مات الطقس وتحول مجرى الدماء، فصارت ايشان أم العباس ملجأ للأخوة العرب العاطلين عن العمل والراغبين بأكل الكتف العراقي حدّ العظم، حيث عمل العشرات من المصريين في معمل طابوق ام العباس، كما أنها مسطر رهيب لدفن الموتى وغسل السيارات وتفصيخها فأ م العباس مصباح دري لا تنام. ومرت الأيام وأصبحت ام العباس فقيره بائسه لاتقصدها الناس سوى في يوم الجمعه لم تعد أماً بعد سقوط الأبوة، يكرر الزمن دورته والدروس تترى على رأس هذه الأيام، الصيرورة يا لهذه الأم الشجاعة،فسوق الشيوخ بلا قلب والكوليرا تؤطر الأحاديث مثلما اطرها الطاعون قبل تسعين عاما والموت على الأبواب والساحة فارغة ، فاغرة فمها الادرد.اطعموها شيدوها سيجوها واعيدو اليها ساحتها كي تطمئن وتنام قريرة العينين.
قال عنها المؤلف عندما نشر عن ايشان ام العباس باسلوب وصفي بعيدا عن اسلوب كتابة التاريخ
أيها الفاتحون الجدد ان أم العباس ليست هدفاً ولا مقبرة انها أم، والكوليرا على شفتيها، باض الغراب على مبسمها ، فهل تعيد نفسها كمقبرة ؟؟ الساحة معنية بالدرس الأول للإنسان، وانتم معنيون بالدرس المكرر، فكيف يتفق الدرس الواحد على ساحة حبلت بالعظام وانجبت ام العباس مع طاعون وكوليرا والساحة بلا أمومة !!؟

لتكن أم العباس قلبا جامعاً لذي قار هي رحم العراق وثغره ونحره ، وجِيده الذي تؤطره حباله الُجنّب وأشرعة الحب ، لا المسد.. فأم العباس ليست حمّالة للحطب.. وما فيها قدورها نار للحرب والموت ..سوى كانت الروايه صحيحه ام ضعيفه انها مرقد ام العباس احد نساء الامام علي الهادي (ع)
انها ساحة الحب والسلام .. فدعوها تقرع نواقيس العاشقين دوما.
 

Share |