أهلا ً شهر رمضان/طاهر مسلم البكاء
Tue, 9 Jul 2013 الساعة : 17:19

شهر رمضان هو أكثر الشهور التي ننتبه فيها الى حركة وتغيير التاريخ الهجري مع فصول السنة بعكس التاريخ الميلادي الثابت ، فشهر رمضان يأتينا في الربيع والخريف والصيف والشتاء خلال العمر ، وفي ذلك حكمة من الله تعالى ليتساوى جميع المسلمين على أمتداد الرقعة الجغرافية للبلاد الأسلامية في تأدية و قضاء الشهر الفضيل مع تغيّر الفصول المناخية .
اختلف في اشتقاق كلمة رمضان وقيل: إنه من الرمض وهو شدة الحر فيقال: يَرْمَضُ رَمَضا ً : اشتدَّ حَرُّه.
و شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري وهو من أكثر الأشهر التي يوليها عامة المسلمون اهتمامهم ،حيث يمتنعون فيه عن الطعام والشراب والجماع من الفجر حتى غروب الشمس ، قال تعالى :
( ُأحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ{187}سورة البقرة .
ومما يزيد من مكانة الشهر الفضيل أن أحدى لياليه خير من ألف شهر ،قال تعالى :
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{5} ) سورة القدر .
وهي ليلة أحتفالية في الأرض والسماء ،حيث تشترك ملائكة السماء مع المؤمنين الذين يحرصون على ملئها بالعبادات لجلالها وعظم ثوابها ،ومما يزيد من عظمة هذه الليلة أنه كان فيها نزول القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ الى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل بواسطة الوحي مجزئا" وفقا" للأوامر والنواهي والأسباب خلال ثلاث وعشرون عاما" ، كما أن أول نزول للوحي كان في هذه الليلة المباركة من عام 610 م ،عندما كان الرسول (ص) في غار حراء بمكة حيث لقنه جبرائيل سورة العلق :
({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق ولا تعرف هذه الليلة على وجه التحديد ،غير أنه نقل عن الرسول الأكرم أنها في ليالي الوتر من العشرة الأواخر من شهر رمضان ،وتميل بعض فرق المسلمين الى أنها ليلة الثالث والعشرون وتميل فرق أخرى الى أنها السابع والعشرون ،والله أعلم .
صحيح أن شهر رمضان من الأشهر التي يواجه فيها المسلمون صعوبة ولكنها ممزوجة بحلاوة وطعم خاص ، فهو على الرغم من انه يمنعهم من أغلب أهوائهم وعاداتهم التي جبلوا عليها ، ولكننا نرى أن المسلمين يستقبلون رمضان بأحتفاء وتهيأ عظيمين قلما يناله شهر آخر ،فأذا أستثنينا تهيأة أنواع المأكولات التي لاتبرز إلاّ في شهر رمضان ، نجد أنهم يميلون الى الجانب العبادي ونجدهم يسهرون كثيرا" سواء للعباده وقراءة القرآن أو لممارسة عاداتهم الرمضانية الأخرى كحلقات السمر ولعب المحيبس أو مشاهدة التلفزيون الذي بدأ يأخذ في السنوات الأخيرة الكثير من أوقاتهم بفعل تفنن الفضائيات ،التي أصبحت كثيرة ، في تنافس واضح لجذب المشاهدين بتقديم المتميز من البرامج لديها بصورة خاصة بشهر رمضان .
ونجد بوضوح هذا التنافس فيما تقدمه وتعلن عنه الفضائيات بأوقات تسبق الشهر الفضيل ، من إنها ستقوم بتقديم برامج متميزة في شهر رمضان ،وهذا يدل على عظم الأستعداد والحافز الكبير الذي يوفره هذا الشهر في جميع مجالات الحياة .
غيرأن أعظم مايوفره الشهر الفضيل لكل مسلم هو اختبار قدراته في التحمل والصبر وترك العادات اليومية التي اعتادها والتي في أغلبها من الأشياء المحببة لديه ، والتي لايمكنه تصور تركها في الأيام العادية ولكنه يتركها ، أنه صقل وتهذيب للنفس الأمارة بالسوء ،صحيح إن الإنسان يملك عقلا" ولكن الغرائز أحيانا" تتفوق على ما يصدره العقل من أحكام على الرغم من أنها قد تكون بالضد من مصلحته ،وهكذا يأتي شهر رمضان ليسند العقل بالضد من الغريزة ،أنه مران للنفس والعقل لايتوفرأبدا" في غير هذا الشهر .
قال الله عز وجل في القرآن الكريم :
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .
وواضح أن هناك ترخيص للمؤمن في حالة السفر او المرض حيث يمكن قضاء الأيام الفائتة مستقبلا" ،رحمة من الله تعالى بعباده.
وعن رسول الله (ص) قال :
مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.متفق عليه .
ومع استمرار أيام شهر رمضان نجد إننا يوما" بعد يوم قد امتزجنا معه وأصبح جزءا" منا ،وبرغم إننا نعد الأيام لكي نصل الى خط النهاية ولكننا سنجد أنفسنا قد عشنا أياما" جميلة متميزة ملؤها السعادة والتحدي ووفرة الطاعات العبادية الثمينة التي قلما تتهيأ في الأيام الأخرى .