سقوط مشروع الاخوان/ناصر عمران الموسوي

Mon, 8 Jul 2013 الساعة : 17:13

داخل الوعي وخارج المنطق،وضمن إشكالية الرؤى يجد المتابع للشأن المصري نفسه في حيثيات كبيرة تستدعي في كثير منها التاريخ لتستنطقه، مصر الشعب والمعارضة والسلطة ولعبة التجربة الديمقراطية وآلية إنتاجية ثورة (الفيس بوك ) (25 يناير) التي تلاعبت بأمواج الحشود البشرية الهائلة لتنتهي عند ضفاف الإخوان المسلمين وهم التجربة العتيدة في المعارضة، والعمر الزمني الذي يتخطى الثمانين سنة، التنظيم المتجذر والذي اتسع ذات زمن ليشمل العالم العربي والاسلامي.
مشروع الإخوان هو المشروع الأكثر حضوراً بعد انهيار الاشتراكية الشرقية وشيخوخة الرأسمالية الغربية ويمتاز بانه تنظيم عالمي،يتلخص فكر الإخوان المسلمين بما قاله الإمام حسن البنا في رسالته إلى الشباب (بأنه ليس هناك سوى فكرة واحدة هي التي تنقذ البشرية المعذبة،وترشد الإنسانية الحائرة وتهدي الناس إلى سواء السيل وهي تستحق ان يضحى في سبيل إعلانها والتبشير بها وحمل الناس عليها بالأرواح والأموال وكل رخيص وغال، هذه الفكرة هي الإسلام الحنيف ...لا نرضى سواه إماما،ولا نطيع لغيره أحكاما ).
في غفلة من الحضور الشبابي الثائر وتشظي القوى السياسية ألليبرالية والعلمانية،حث الإخوان السير نحو الرئاسة بستراتيجية تحالفية هيأت استغلال اللحظة المهمة تاريخيا، ونجحوا بذلك،لكنهم ومثل كل التيارات الإسلامية المعارضة لم يمتلكوا ستراتيجية ممارسة السلطة حتى أن طريقهم باتجاه الرئاسة جاء بفعل اندماجهم الأعمى في الخطى الأميركية التي جندت قطر لها والتي لعبت دوراً كبيرا في تقارب الإخوان من أميركا وكان عراب الاتفاق هو الدكتور جاسم سلطان الاخواني القطري صاحب مشروع أكاديمية التغيير والذي نظر له من خلال مشاريع نهضوية قائمة على تحريك الشباب ودفعهم للاحتجاج والتغيير.
لقد كان لقطر دور كبير في رسم مجريات وصورة المشهد المصري حتى رأينا صحيفة كبيرة (الفاينشال تايمز ) تقول بان سقوط مرسي ضربة قوية لقطر، وقد اكتفت قطر بعد استلام الإخوان للسلطة،بالدعم المالي،في حين كانت خطوات الاخوان قد شهدت فوضى كبيرة بين شد وجذب وكان اختيارهم البديل محمد مرسي خطأ كبيراً فالرجل لم يكن يمتلك كاريزما القيادة وهي احد العناصر الثلاث التي يراها (ماكس فيبر) ضرورية ومثالية للشرعية التي تقوم أولها على التراث والتقاليد أي المنظومة المعرفية والسلوكية الاجتماعية وانعكاساتها الوجوبية التي تقترن بالعنصر الثاني وهو كما ذكرنا القائد الكاريزما ليوشح ذلك بالعنصر الآخر وهو العقلانية القانونية وهي درجات تنظيم السلم الاجتماعي،فالإخوان وخلال فترة حياة المعارضة مارست الأنظمة القومية العسكريةً عليهم ضغطاً كبيرا تجلى في إعدام احد أهم رموز الحركة ومفكريها وبمرور الوقت صار الإخوان طبقة اجتماعية سياسية دينية ضمن المجتمع المصري العلماني والليبرالي الهوى والقومي العقيدة والمشارب.
ان هذه المفصلية لم تكن واضحة إبان ثورة (25 يوليو ) التي كان الإخوان يتربصون بنتائجها وبما أنهم بالضد من النظام القائم برئاسة حسني مبارك فكان هناك اتفاق ينطلق من مبدأ (عدو عدوي صديقي) كان الإخوان الطبقة السياسية والاجتماعية الأكثر تنظيما،وهذا يهيئ لهم حصد ثمار التجربة الانتخابية وكان للصراع السعودي القطري الأثر الكبير فبعد استبعاد عمر سليمان كمرشح رئاسي لمرحلة ما بعد مبارك واستبعاده مع مرشح ا لإخوان القوي خيرت الشاطر، انحصرت المنافسة بين المعارض الاخواني مرسي وأحد رموز النظام السابق رئيس الوزراء الأخير أحمد شفيق،ومن خلال ذلك يتضح كيف جرى مآل الأمور والتي كان للصراع الخليجي اليد الطولي فيها،فقطر الساعية وعبر التيارات الدينية الى تطبيق رؤى أكاديمية التغيير والتي يديرها هاشم مرسي البريطاني الجنسية وزوج ابنة يوسف القرضاني والتي تشكل مع مشاريع النهضة التي يديرها الدكتور جاسم سلطان الاخواني القطري ستراتيجية واضحة الادارة والتنفيذ وكان لها دور كبير في التغيير المصري الذي جاهدت المملكة السعودية على الإبقاء عليه بشكل كبير،هذا الصراع جعل المشهد السياسي المصري يعيش عدم الاستقرار بل انعكس بشكل كبير على شخصية الرئيس التي كانت قلقة مضطربة مهزوزة في قراراتها فالإعلانات الدستورية وقرار إعادة مجلس الشعب والتراجع الكبير عن الكثير من القرارات هي أمور تدل بشكل واضح وكبير على ان الرجل رهن ثنائيتين هما سلوك وثقافة المعارضة التي لا يمتلك سواهما وتأثير جماعة الإخوان وقرارات المرشد التي كانت ذات أفق ضيق ولعل المؤتمر الأخير الذي عقد في ستاد القاهرة والذي أعلن فيه الرئيس مرسي قطع العلاقات كافة مع سوريا ووصفه بعض ابناء شعبه بوصف أظهرهم كفارا وانجاسا وتجسد فعليا هذا التحريض بجريمة قتل الشيخ حسن شحاتة التي وصفها الكاتب محمد حسنين هيكل بأنها وصمة عار في جبين الدولة المصرية وإنها لم تحدث بتاريخ مصر القديم والحديث.
إن السياسة الممنهجة الساعية الى إيجاد تحالفات دينية طائفية مثلها (الغريفي والقرضاوي ودعاة الإخوان ) فضلا عن محاولة (أخونة) الدولة المصرية أدت إلى قيام حركة تصحيحية في 30 يونيو لإعادة ثورة 25 يناير الى حاضنتها الحقيقية،وقد ارسى الشعب المصري في حركة التصحيح مبدأ ديمقراطيا جديداً أثار جدلا كبيرا على الصعيد الدستوري والقانوني والشعبي وهو ان هناك شرعية شعبية قادرة على تغيير الشرعية الدستورية متى ما شعرت الإرادة الشعبية ان الشرعية الدستورية انحرفت عن مسارها الصحيح، فليست صناديق الاقتراع ونتائجها وما رشح منها أمراً مقدسا وبعيدا عن خيارات الشعب.
لقد قال الشعب المصري خياره الانتخابي بخياره الجديد فالشعب ابداً هو مصدر السلطات،وأعاد الإخوان إلى مربعات المعارضة حيث لابد لهم ان يعيدوا حسابات التاريخ من جديد فالزمن لا يؤمن بالجمود الفكري الذي لا يتسع للآخر ولا لحركة المجتمعات وتبدل الأزمنة.
وبالرغم من كل ذلك فان هزيمة الإخوان تعني بداية مرحلة جديدة لصورة الشرق الأوسط وخارج ستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية فالدويلات الدينية التي ستخلق مناخاً آمناً لدولة إسرائيل صارت من الماضي فلا يمكن لمصر ان تحتكر دينيا او طائفيا وانها لن تكون مناخا للامان الاسرئيلي ولشرعنته ولا يمكن ان تقاد من الصغار، فمصر هي الزعامة العربية والإفريقية والبعد والثقل الإقليمي والدولي. الم يتغن بها المصريون دائما ويصفوها بأنها (أم الدنيا )..؟

Share |