عقدة التدريس / الجزء (1)- عقيل عبد الجواد
Sun, 24 Jul 2011 الساعة : 12:32

قم للمعلم ( المدرس ) وفّه التبجيلا.....
انت تربوي ........
أصبحت كليشهات فارغة من محتوى ولا تصلح إلا لتصديع الرؤوس خصوصا ً تلك التابعة لأصحاب الاختصاص .
لا تقليلا ً من قدرها بل لأنها لم تجد لها أي انعكاس على ارض الواقع فأصبحت كفرقعات صوتية تستقبلها آذاننا لتتحول بعدها الى شيء خالي من معنى ولا نجد به أي عزاء فهي لا تسمن ولا تغني من جوع
حشو كلام وما اكثره .
ان أتفه واغبى شيء في الدنيا هي المبادئ عندما نتشدق بها وأثمن شيء في الوجود المبادئ عندما تطبق . فالتبجيل للمدرس يشمل تبجيله ماديا ً ومعنويا ً كما بجلت الحكومة الطبيب والمهندس والموظف في دائرة الصحة والكهرباء والنفط وغيرها ... فالمسألة ببساطة مسألة عمل نأخذ عليه اجر لا أكثر ولا اقل ولذا لا جدوى ان اتفانى او احترق كالشمعة لغيري .
فهل هناك أقدس من العلاقة مع الله واكثر مبدئية . والله ابعد عنها كل مبادئ وقالها ببساطة اعملوا وجزاءكم الجنة .
أم تحسبون المدرس يتأسى بأولياء الله الذين عبدوا الله لا لجزاءه . واذا كان كذلك فما بال غيره علما ً انه امر مستحيل وان حصل من احدهم -إيمانا ً به -فهو غباء منه إلا ان يكون قلة حيلة وانعدام البديل إذ ما يليق بأولياء الله لا يليق بمن سواهم ..
تقسم المراحل التي مر بها المدرس او – التربوي كما يسمونه – الى ثلاثة :
المرحلة الأولى او (الذهبية ):-
وتبدأ منذ نشوء الوظيفة في الدولة العراقية حتى السبعينات عندما كان المدرس يقضي عطلته الصيفية في تركيا او احدى بلدان اوربا الشرقية ,حينها كان التدريس وظيفة ذات مردود مادي جيد ومساوي لقدر الرواتب في الوظائف الأخرى يضاف لها ما كان يمثله المدرس من رمز اجتماعي .
المرحلة الثانية : وهي الأسوأ اعني بها فترة التسعينات وفيها تدنت اجور كل الموظفين بضمنهم المدرس وبدأ الجميع بأخذ الرشوة , وبدأ المدرس يعطي راتبه للمدير ليبحث عن عمل اخر واصبح الطلاب يجمعون له الكروة اذا كان في المناطق النائية اضافة ً الى هدايا من الطلاب وانتشار اخذ الرشوة منهم – قطعا ً الكلام لا يشمل الكل - .
لكن ما لّطف البلوى ان المدرس كان من ضمن مجموع الموظفين يعاني كما يعانون فلا فرق فهناك مساواة في اقتسام المعاناة والظلم .
وشهدت هذه الفترة ايضا ً سقوط هيبة المدرس واصبح التندر عليه امرا ً شائعا ً وفقد احترامه المجتمعي حتى قيلت قصيدة تهكمية اصبحت ذائعة الصيت …
يقول مطلعها :
" ادري بيك أتموت سكتة وادري برويتبك بين الرواتب صار نكتة ..."
وهنا يعجبني استخدام الشاعر لكلمة " ارويتبك وليس راتبك " حيث كان المدرس يستلم ارويتب 3 آلاف دينار في حين كان راتب نائب الضابط 55 او 60 الف دينار
واطمئن الشاعر ان ارويتبه لا زال نكتة !!
أما الحزورة في درس القراءة الشهير " تعال يا سمير وأنت يا سميرة ..."
فقد تم تحويرها من " فما اسم شيء يؤكل ليس لديه ارجل .... يعيش في الماء فقط حروفه بلا نقط " الى " .. حروفه بلا نقط يعيش عالكمية فقط " . والقصد واضح
المرحلة الثالثة : وتبدأ منذ التحرير المبارك وهي المرحلة التي كان يفترض انها مرحلة النجاة للمدرس وسواه
وفعلا ً كان ذلك فقد القي طوق النجاة للجميع لكن ما ان رفع الغريق رأسه – وهو المدرس – واستنشق الهواء وبدأ بجر حبل النجاة ويتمتم بكلمات الشكر لله والثناء حتى لاحت منه التفاتة فرأى الآخرين من موظفي الدولة وقد ركبوا اليختات الفاخرة وادرك كم انه كان ولمّا يزل في ذيل القافلة .
ولان التدريس بالنسبة لبقية الوظائف كما صنف المشاة بالنسبة لبقية الصنوف لذا نرى الكثيرين يحاولون النفاذ بجلدهم ما أمكن ليتخلصوا من هذا العبء بان يتحولوا الى وظائف ساندة داخل سلك التعليم كما كان الجنود يحلمون بنقل انفسهم من الخطوط الأمامية الى الخلفيات او كما كان يقوم البعض من طياري القوة الجوية او مديرية طيران الجيش – السمتيات- بنقل صنفهم من طيار الى أداري وذلك ايام الحرب مع ايران . واصبح هناك ترهل بالوظائف الساندة امام نقص جنود( مدرسين) بالخطوط الأمامية .
وظل المدرس المسكين ينتظر فرجا ً تنزل به السماء ليلحقه بركب اقرانه المدرسين في الدول المتقدمة او دول الخليج .
وكان الاختراق الوحيد في حاله هو أنشاء المدارس الأهلية –رغم اجورها الزهيدة – إلا انها تبقى خطوة مبشرة بدخول القطاع الخاص الى هذا الميدان
وايضا ً – الله ينطي امريكا - اللي جعلت الفرصة متاحة للمدرس ان يعمل مترجم والبعض الآخر في المنظمات الانسانية التي دخلت البلاد بعد التحرير وبالتالي زاد المدرس من دخله وبدا – وان ظاهريا ً – انه قد لحك ربعة –
وكان رد فعل مديرية التربية ان زاد حبها للمدرسين خصوصا ً من الاختصاص المذكور وأغدقت عليهم معاملة خاصة منها عدم تساهلها بأعطاء الاجازات بلا راتب رغم انها متاحة لغيرهم وبسهولة .
الكل يحاول ان يميز نفسه عن المدرس ويرتفع عليه وان لا يبقي له مزية يتفوق بها فحتى موظفي التربية لا يريدون ان يكونوا اقل من المدرس لذا تم ايجاد الكلية التربوية المفتوحة والدوام فيها يومان فقط بالأسبوع جمعة وسبت ومهمتها اعطاء شهادة البكالوريوس بالمجان
هناك كلمة نستعملها لوصف هكذا امور ما انزل الله بها من سلطان .
فما اكثر (.......... ) العراقية وما اكثر استعمال هذه الكلمة بحياتنا .
دائما ً هناك الفارق الواجب ابقاءه بين الآخرين والمدرس فاللاعدل اهم ميزة من ميزات ابناء عراق الامام علي والحسين عليهما السلام فمخصصات الزوجية للمدرس هي (50) الف والأطفال ( 10) آلاف لكل طفل وهي اقل من بقية الوزارات فمثلا ً الشرطي يأخذ مخصصات زوجية (75 ) الف والأطفال ( 15) مما يظهر الاصرار على جر المدرس للخلف دائما ً وحصره بالزاوية والامعان بأذلاله .
وان لم يكن هذا السبب فلا يتبقى إلا ان زوجة المدرس اقل حظا ً من جمال زوجة موظف الدولة وطفله اقل عراقية وانتماء .