الغالب والمغلوب .../حسين ناجي الطائي

Mon, 1 Jul 2013 الساعة : 13:38

عامل القسر الحضاري تيار جارف يحمل معه أدواته ومواده الأولية على شكل متصاعد لايفتئ أن يسكن أو يجنح , وهذا ما يميز الحضارة فهي ذات صفات ومميزات لأنها تعبر عن حالة من التزام الإنسان مع البيئة وتأثيره عليها وتأثيرها عليه مع امتداد الزمان .
نحن نرى بوضوح بعد كل استعمار أو احتلال لأي ارض أو بلد مشاهد لم نألفها من قبل لعل من أهمها هو هذا التقليد الفاضح لعادات المستعمر وطريقة مأكله وملبسه , وهنا لابد من وقفة قصيرة لمعرفة أسباب الحالة ومديات التأثير .

فما أن دخلت القوات الأمريكية المحتلة العراق حتى رأينا مظاهر الفساد والجنوح إلى الرذيلة والانقسام والتشرذم وظهور التطرف والتيارات المنحرفة , وكذلك حالات الانبهار بالغرب وأزيائه بما ليس له نظير , وتقوقع المجتمع في القوقعة الرأسمالية , الأمر الذي جعله في مهب الريح بعيدا عما ألفه من عادات وتقاليد ظل ردحا طويلا من الزمن
واقع تحت مألوفاتها وركائزها , وأدى ضعف الإرادة إلى تميع وانحلال وفوضى وحالة خواء فكري وأخلاقي لدى الشباب نرى عيانا مآسيه - والعيان يكفيك عن البرهان - .
لقد أورد ابن خلدون في مقدمته في الفصل الثالث والعشرين تحت عنوان ( في أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده ) ما نصه :

((والسبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه أما لنظره بالكمال بما وفر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك واتصل لها اعتقادا فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به , وذلك هو الاقتداء أو لما تراه , والله اعلم ...... ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها , بل وفي سائر أحواله ..... وانظر إلى كل قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زي الحامية وجند السلطان في الأكثر لأنهم الغالبون لهم , حتى انه إذا كانت امة تجاور أخرى ولها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا الشبه والاقتداء حظ كبير .

وقد وجدنا تحقق ذلك تاريخيا كيف أن الغساسنة العرب الذين كانوا يعيشون في الشام , ولما كانواجيرانا للروم المتحضرين فقد كانوا يقلدون الحضارة الرومانية ويتخذون أشكال الحياة الرومانية المتحضرة .
أما في العراق أو ما كان يسمى بلاد مابين النهرين فقد كان محكوما من قبل الساسانيين ولان عرب الحيرة كانوا مجاورين لهم وكانوا أيضا على صلة بهم فقد كانوا يقلدون أنماط الحياة الساسانية المتحضرة .
والشيء الذي يدهش هو أن من يحاول التقليد فهو يبذل قصارى جهده في محاولة التشبه بحيث يبدو أكثر تميزا عن مقلده , وليت شعري كيف لنا أن نسد أبواب هذا الخطر العظيم ؟؟؟

أظن أن الأمر لازال بأيدينا واخص بالذكر الإخوة المثقفين والمتنورين أن يبحثوا ويناقشوا ويرشدوا وكفانا تجميدا وتقليدا في طريقة تفكيرنا فمتى يكون لنا طريقنا الخاص ؟؟ الذي نلتمس منه حضارتنا ومبادئنا القيمة النابعة عن أصول القران وترجمانه أهل البيت (ع) ... هذا نداء لمن فتح نوافذ عقله واشراقات تفكيره .

Share |