التاثير والتأثر/حسين ناجي الطائي

Sun, 30 Jun 2013 الساعة : 18:10

خضع الإنسان – لاشعورا – لمحددات متعددة تضفي عليه مجموعة من التصورات والمفاهيم , هذه المحددات تبدأ من الحلقة الابتدائية التي تتمثل بالدائرة الأصغر - العائلة – والمقصود هنا هو مجموع التقاليد والأعراف التي يدور الفرد داخلها , ومن ثم الحلقة المتوسطة والتي تتمثل بالمجتمع الذي يبني كيانه ووجوده فيه عمدا أو تلقائيا فالمجتمع له إيحاءات متكررة على الفرد تصنع منه فردا أعمى يسير في داخل دائرة من المفاهيم والعقائد ويسمى الخضوع لهذا المعيار حسب اصطلاح الانثروبولوجيين بالعقل الجمعي-

, أما الحلقة الثالثة فهو مايتمثل بمجموعة الثقافات والأديان والعقائد الحاصلة في المجتمع أو الواردة إليه من الخارج وهذه الحلقة قد تختلف ضعفا وشدة بحسب
الظروف الزمانية والمكانية ..
بعد هذه المقدمة يتضح أن الرؤية المعرفية لجيل المتأثرين بالتفسيرية الحديثة تنطلق من محددات منفتحة على وقائع حياتية متعلمنة , بما يتيح للواقع انفتاحا قسريا مهجنا أضفى مفاهيم جديدة أو حاول تجديد رؤية عكسية للتقاليد الدينية المعهودة داخل المعاهد الدينية ..
ولا يمكن تجاهل ما لهذه الصيحة من اثر على مستوى المفهوم الشعبوي أو مستوى القراء أنصاف المثقفين , لعل

من تجليات هذه الأفكار هو الممارسات الفكرية المتعوجة والشطحات الكتابية التي تبرز بين الحين والآخر .
وفي هذا الخضم المتراكم من الكلمات فان هذه التعابير ليست مغفولة المعنى بالمدى الذي يتيح لبعض القراءات المغرضة والمغلوطة ان تجد لنفسها مرتكزا ومسندا سهل الامتطاء تستغله لتنفيذ أجندات وخدع لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم .
إن محاولات البعض بتدجين النص وتسويقه كمنتج بشري يخضع بالأساس لعاملين : عامل داخلي وعامل خارجي , ولا يخرج عنهما في أرجح الظن إلا قليلا :-
العامل الأول : العامل الداخلي وهو ما يعيشه الفرد في

نفسه ووجدانه من أجواء تطبيقية سيئة للنص المقدس ومحاولات التأويل والتأصيل الفاسدة بعنوان ضخم ومقدس مما يخلق - كنتيجة كونية وسنة تاريخية - نوعا من الأفعال الارتدادية تكون باحة النفس جزءا لا يتجزأ منها إن لم تكن الأكبر .
العامل الثاني : العامل الخارجي وهو ما يمكن أن يطرح ضمن سياق الثقة بالنفس أو المؤامرة أو كليهما :
فمن ضمن سياق الثقة وبناء الشخصية ما يرتبط بالاندحار أما النظريات التأويلية الجديدة ومفاهيم الهرمنيوطيقا وهو يندرج مع ضعف التفكير وسقم الفكر أما ما يخص المؤامرة فهو واقع راهن

وتجربة يعيشها الكل وان لم يشعر بها البعض أو أنكرها ولازالت مراكز الدراسات تحاول استئصال ما بقي من تراث المسلمين من نص مقدس يربطهم بالسماء لمحاولة فصل مقيتة تستهدف بناء نظام ارضي علماني يسير ضمن الأطر المطروحة في سياقات النظرية المادية .
ويسهم إيجاد هذا النمط من التفكير في عشوائية لانهاية لها , فهناك قراءات لاتخضع لهذا القانون حتميا , كما في النص المقدس وقوانين المجتمع البشري , وهذا ما المح له امبريق ايكو في إشارته إلى أن هناك حدودا ينتهي عنده التأويل طالما أن هناك دلالة ومقصدا يحكم عملية الدلالة

.مرة أخرى قد يتسائل الإنسان حول فحوى قدسية نص , ولكن في مقام الجواب هناك حالتين :
الأولى :- إن هناك مفاهيم يمكن الركون عليها والاستناد إليها وتسمى بالبديهيات واليقينيات , وأخرى مفاهيم لا يقينية لايمكن الاستناد عليها ,
ومن أمثلة البديهيات هي الحقائق الرياضية التي لايغيرها تغير الزمان والمكان ,فلا يعقل يوما ما أو في أي محل سماوي أو ارضي أن يكون ناتج 1+1≠2 .
الثانية : إن الإنسان وفي صميم ذاته عاجز عن إدراك كنه نفسه فكيف بمن حوله وهو لايرى ابعد من أرنبة انفه !!, فأنى له إدراك

مصالحه ومصالح غيره من بني البشر , وهذا ما نراه جليا في القوانين الوضعية التي تحكم بني البشر في أصقاع الأرض فترى بنفسك المظالم والمجازر والقبح و المنكر سائدا خصوصا إذا ما عرفنا ان نفس تلك القوانين هي من صنع فرد ناقص تسيطر عليه النفس الأمارة بالسوء والمصالح الشخصية و الفئوية والحزبية ونحو ذلك من التعابير ..
وحسب هذا فان وجود نص مقدس هو مطلب ضروري للفرد البشري لمنع وقوع الظلم والتعدي أولا ولإيجاد مصلحة عامة لأفراد البشر

وفق رؤية إلهية قادرة خبيرة بمصلحة البشر ,قال تعالى ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) ,وقال عز من قائل (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..)) وقول الرسول الأكرم (ص) (( حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة )) .
أما محاولة فهم النص بشريا فأصحاب هذا الرأي هم نتاج وضع مرتبك للحالة الإسلامية نتجت كرد فعل عنيف لما اختزله العقل الانفعالي الجماعي .
إن المبشرين بالقراءة الوضعية (البشرية ) للدين ينحون نحوا أشبه بمن يقلب الكأس الفارغة على رأسها ويحاول ملئها بالماء , مستعينا بما يحمل معه من أدوات الجدل والإقناع الكتبي واللفظي , مع استغفال الجمهور المتلقي , وكأنهم

ضارعوا الإنسان الأوربي في تحويل ما هو سماوي مقدس إلى ارضي غير مقدس !!..
وبإفراغ الدين من محتواه الميتافيزيقي – الماورائي- يبقى بالنتيجة عبارة عن طقوس كنسية فارغة , وبالتالي أمام من يبشر طريقتين :
1- إما أن يكون في موضع مقدس جامد ينفض عنه التراب حاله كحال القطع التراثية النادرة التي تزهو بها أروقة المتاحف الأثرية ومقابر الفراعنة الخالدين ؟؟!! .
2- أو يكون في موضع المتغير والمتحول والتغير يكون على نحوين :

• في المصاديق وهو ما يستتبع تغير الظروف والمداخلات الزمانية والمكانية , الأمر الذي يتيح للمتشرع

تسويغ الاختلاف تبعا لتبدل الحالة - كما نراه في نظريتي منطقة الفراغ والزمان والمكان- .
• في المفاهيم وهو ما يكون عليه الاعتراض والنقد تجاه من يتبناه لان أساس العلوم الدينية هو أولا: الثقة وثانيا : الثبات وقد خرمت هاتان المذكورتان بهذا النحو ..

وتكمن إشكالية الفهم المغلوط للمعرفة الدينية في انتحال التصور والفهم الكامل لمجمل العلائق القائمة بين خيوط المعرفة , مع أن المقتحم لهذا المسلك ليس من أهل الاختصاص سيما انه بشر بشبهات ناتجة عن فهم ناقص ليس إلا .
إن ظاهرة وجود هذا النوع من الكتابات بهذا الخصوص هي ظاهرة

مرضية انتقلت إلينا عن طريق الدفع والزخم الإعلامي المضاد الذي تمتلكه الحضارة الغربية المادية , والتي تتبنى العلم والمصلحة والمنفعة كشعار وفكر وهدف , وقد قامت على هذه الأفكار فلسفات وشطحات فكرية متعددة , ألقت بظلالها قسرا أو اختيارا على مفردات بعض المتعلمين والمثقفين – للأسف – خصوصا من أكمل تعليمه في مدارس غربية , الأمر الذي يجعل أكثر من سلكوا هذا المسلك عبارة عن أبواق فارغة تملئ وتعد بأفكار جاهزة وليس عليهم سوى تلميعها , وإبرازها بحلة جديدة تتناسب مع حجم المتلقي ونفسيته ومع الواقع الذي تلقى فيه الفكرة .
ولعل هذه الأقوال متأثرة بما قرأت وسمعت عن العلوم الحديثة التي حصل

فيه التبدل والتغير فمثلا زعم اينشتاين وكان من كبار الفيزيائيين الرياضيين بل كاد أن يكون أعظمهم بعد كشف النظرية النسبية إن اقصر الخطوط هو الخط المنحني وان الضوء يسير على خط منحن غير مستقيم , وكان فيما يقوله يستند على تجاربه واستنتاجاته السابقة , ثم أتيح له أن رصد بالات أتقن من الآلات السابقة وقام بحسابات أخرى فعدل عن رأيه وقال إن اقصر الخطوط هو الخط المستقيم وان الضوء يسير على خط مستقيم .  
 

Share |