ثورة العشرين وابعادها الوطنية والقومية/عبد الامير محسن ال مغير
Sat, 29 Jun 2013 الساعة : 22:46

كان العراق جزء من الدولة العثمانية وهوجم من قبل القوات البريطانية بسبب دخول العثمانيون الحرب العالمية الاولى الى جانب دول المحور (المانيا وايطاليا واليابان) ودخل الجنرال مود بغداد عام 1917 وكان المخطط البريطاني ربط العراق بحكومة الهند البريطانية حيث كانت الهند مستعمرة بريطانية آنذاك وبنتيجة صدور وعد بلفور عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وحصول اتفاقية سايكس بيكو السرية في القاهرة بتقسيم الوطن العربي كمناطق نفوذ بريطانية وفرنسية ونكول الحلفاء بالوعود التي اعطوها بإقامة دولة في المشرق العربي (تضم الهلال الخصيب وجزيرة العرب) بقيادة الشريف حسين ملك الحجاز الا ان الحلفاء نكلوا بتلك الوعود التي اعطوها بنتيجة عدم موافقة الشريف حسين بالتنازل عن ارض فلسطين لليهود وقد قامت السلطات البريطانية المحتلة في العراق بأتباع اساليب بوليسية مبنية على القهر وارتفاع وتيرة فرض الضرائب والرسوم من قبل تلك السلطات على السكان مما اشاع التذمر وان ذلك التذمر قد سببته سلطات الاحتلال البريطاني ليس في العراق فقط وانما في مختلف ارجاء الوطن العربي وادى كل ذلك الى اندلاع الثورات في مختلف البلدان العربية كثورة دنشواي في مصر عام 1919 وثورة العشرين في العراق عام 1920 وقد حظيت ثورة العشرين بدعم وتوجيه الحوزة العلمية في النجف الاشرف كما حظيت بدعم مختلف التيارات الوطنية والقومية في العراق وكان الحاكم السياسي البريطاني في الرميثة والذي يعني كمصطلح (مدير ناحية) وهو ضابط عسكري برتبة نقيب يضطلع بمهمتين ادارية وعسكرية ويذكر المؤرخين ان ذلك الضابط كان يفتقر الى ادنى تجربة ادارية وذو طباع نزقة في تصرفاته وقام بزيارة الشيخ شعلان ابو الجون رئيس قبيلة الظوالم ولم يحظى من قبل الشيخ شعلان بأي ترحاب او موافقة بدفع الضرائب للسلطات البريطانية في الناحية كما يؤكد المؤرخون ان تلك الثورة بالإضافة الى الدعم والتوجيه من قبل رجال الدين في النجف الاشرف فقد اخذت ابعاد وطنية وقومية وفي اليوم الثاني لتلك الزيارة استدعى ذلك الضابط الشيخ شعلان أبو الجون وادرك الشيخ شعلان بأن الحاكم السياسي البريطاني سيتخذ اجراء بحقه فأخبر الشيخ غثيث آل حرجان وهو احد رؤساء عشيرة الظوالم أيضا وطلب منه نجدته في حالة حصول توقيفه واتفقا على كلمة سر بينهما بأن يزوده ( بتسع ليرات ذهب ) وفعلا قام الحاكم السياسي في الرميثة بإيداع الشيخ شعلان ابو الجون التوقيف وفي يوم 30/ حزيران /1920 قامت ثلة من الثوار الشباب بمهاجمة مركز الرميثة واطلقوا النار على حراس المركز واردوهم قتلى واخرجوا الشيخ شعلان من التوقيف ويؤكد اغلب المؤرخين ان احدى العوامل المباشرة لاندلاع تلك الثورة هو ما اتصف به الحاكم السياسي في الرميثة من حماقة حيث كانت القوة العسكرية التي بعهدته لا يمكن ان يعتد بها وقوامها لا يتجاوز 500 مقاتل من ضمنهم ممن استعانوا بهم من العراقيين الا ان الظروف الموضوعية والذاتية كانت ملائمة لاندلاع تلك الثورة حيث وجهت الحوزة العلمية بالنجف الاشرف بعدم اعطاء الضرائب للسلطات المحتلة وعدم التعاون معها والثورة بوجهها عند الاقتضاء واعتبرت ذلك جهادا مقدسا ولأن العراق يتأثر وفي جميع العهود بما يدور حوله من احداث قومية ووطنية وقد اكد جميع القادة العرب والعراقيين ومؤرخي هذا العصر بأن سقوط الدولة العثمانية سيعطي للسلطات الاستعمارية البريطانية النهمة توجها بنهب خيرات شعوب هذه المنطقة وتوسيع نفوذها الاستعماري وفعلا هو ما حصل بعد ذلك الاحتلال وطبقا لما خططت له تلك السلطات الاستعمارية فصدر وعد بلفور عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين مما الهب المشاعر الوطنية بوجه الانكليز كما ذكرنا ودللت الاحداث بأن خطل وعدم حكمة الحاكم السياسي الذي كان يتولى ادارة ناحية الرميثة عسكريا ومدنيا بأنها سببا مباشرا لاشتعال فتيل تلك الثورة وكما ذكرنا فلم يكن بعهدة ذلك الضابط سوى 500 مقاتل وزعها على اربعة اقسام فوجه احد الارتال باتجاه منطقة العلاوية الى عشيرة آل بوحسان والرتل الثاني باتجاه الطبر (عشيرة بني زريج) والرتل الثالث كانت مهمته غاية في الصعوبة حيث توجه ذلك الرتل نحو منطقة بعيدة عن مركز الناحية ووعرة جدا باتجاه الظوالم ( آل حاجم ) وابقى القسم الرابع معه في مقر مديرية الناحية ويؤكد اغلب المؤرخين بأن الارتال الثلاث لم يعد منها احد وتم محاصرة القوات التي بعهدة الحاكم السياسي وبأمرته في مركز ناحية الرميثة فتوجهت لنجدته قوة من قيادة القوات البريطانية في الديوانية وواجهت تلك القوات القادمة من الديوانية مقاومة شرسة في معركة العارضيات المشهورة واتسع نطاق الثورة حيث توجهت قوات اضافية قادمة من البصرة ثم الناصرية ومن ثم السماوة ومنها باتجاه الرميثة فاصطدمت بالثوار في معركة نهر السوير الشهيرة وفي تلك المعركة انكسرت القوات الاستعمارية البريطانية انكسارا شنيعا ورغم التفاوت الكبير بين اسلحة القوات البريطانية المتطورة جدا سواء الثقيلة منها كالمدفعية او الخفيفة والمتوسطة كالبنادق وبين مقتنيات الثوار من الاسلحة القديمة والتي اقتصرت على البنادق من مخلفات الدولة العثمانية او الاسلحة التي كان يغتنمها الثوار من القوات المحتلة الا ان التفوق من الناحية المعنوية كان واضحا الى جانب القوات الثائرة وبنتيجة ما واجهه المحتلون اضطروا ان يعترفوا بحق العراقيين بالاستقلال وفتحوا باب المفاوضات والتي انتهت اخيرآ بأيفاد قيادات دينية وسياسية منتدبة عن الثوار العراقيين بالذهاب الى مكة المكرمة واستقدام الملك فيصل الاول ابن الحسين شريف مكة ليكون اول ملكا في العراق بعد استقلاله وكان ذلك اول منجز عظيم لتلك الثورة .