أزمة العلاقات الإنسانية-عصام الطائي

Sat, 23 Jul 2011 الساعة : 10:28

هناك أزمة واضحة على مدى التاريخ في طبيعة العلاقات الإنسانية سواء أكانت تلك ألازمة بين الحاكم والمحكوم او بين الحكام فيما بينهم ‘ وهكذا تكمن
ألازمة بين الناس فيما بينهم . والسبب في سوء العلاقات تعود الى طبيعة النفس الإنسانية حيث نجد الكبر والحسد والطمع ‘ وتتضخم الذات الإنسانية فلا تصل
الى حالة التكامل الأخلاقي مما يجعل النفس تستخدم الأساليب الغير مشروعة في تحقيق أهدافها مما يسبب الوقوع في ظلم الآخرين ‘ لذلك يتحقق الفساد في
تى جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والفكرية.
ولا يتحقق أي تصحيح في المسيرة الإنسانية ما لم يتم الاهتمام في الجوانب الأخلاقية لأنها الأساس في حل كل مشكلة ‘ ونتحول المشكلة الى أزمة مما
يصعب علاجها وتتراكم التقصيرات والأخطاء والسلبيات مما يسبب أزمة في كل العلاقات الإنسانية. ولو وجدت تلك الصفات الأخلاقية السيئة كالكبر في
شخص معين سوف يسبب تعالي ذلك الشخص عن الآخرين حيث يجعل من نفسه أفضل من الآخرين فيهمش الآخرين وقد يصل الى تحقيرهم والاستهانة بهم ‘
وهذا مما يسبب مشكلة في العلاقات الإنسانية لان البعض يتصور انه مع امتلاكه المال يجعله عنصرا أفضل من الآخرين فيتصور ان كماله في ماله ‘ وهكذا
بالنسبة الى الحاكم حيث يمتلك السلطة فيجعل من امتلاكه للسلطة سببا للتكبر على الآخرين وبالتالي يستحقر ويستهين بالأخرين.

وإن المشكلة التي تجعل مثل هكذا علاقات هو الجهل والمقصود بالجهل هنا هو عدم معرفة الحقيقة فالذي يجهل الحقيقة حتى لو كان يمتلك المعلومات او وصل

الى درجة علمية عالية كالطبيب والمهندس والفيلسوف في التلبس بالجهل اذا ما جهل الحقيقة ‘ لذلك معرفة الإنسان لذاته تجعل سلوكه حسن مع الآخرين

وجهله بذاته يجعله سلوكه سيء فالأساس في كمال أي فكرة او أي شخصية او أي عقيدة هو التعامل الايجابي لذلك نجد ان هناك شخصية ايجابية تتعامل مع

الآخرين بايجابية فتحترم الآخرين ونجد شخصية سلبية تحتقر الآخرين .

ومن مظاهر العلاقات الإنسانية السلبية نجد الغش والكذب والحيل فلا نجد أي عمل منضبط فعامل البناء لا يفكر يتحقق البناء المضبوط لأنه يفكر في حصوله

على المال مهما كان نوع عمله ‘ والتاجر يستخدم شتى الأساليب في الحصول على الربح السريع ولا تهمه نوعية السلعة حتى لو تلفت ليوم واحد ‘ ورجل

الدين قد يفتح حوزة ما فلا يهمه أن يتعلم الآخرين بل ينصب اهتمامه بحصوله على المال فهو قد يحصل على مبلغ كبير من المال مع سائق وسيارة وإن زوجته

تحصل على مبلغ أخر فيكون ظاهر العمل هو خدمة الإسلام أما حقيقته فهو خدمة الذات ‘ والموظف قد لا يهمه انجاز المعاملات بل كيف يتصيد ويحصل

على الرشوة وهكذا نجد الفساد ينصب في شتى مناحي الحياة مما يسب أذية الآخرين .

لذلك نجد الإنسان المخلص يصعب عليه العيش بهذه الأجواء الفاسدة فالجميع لا يريد الإنسان المخلص وإن كان يمدح من قبل الجميع ‘ فالموظف الذي لا

يرتشي يكون عائقا يتم إبعاده ‘ والمدرس الجيد يمنع من التدريس لأنه يدرس حسب ما يرى من رؤية لا وفق أجندة تلك الحوزات وهكذا نجد صحة المقولة ان

المؤمن مبتلى وذلك لان المؤمن بل الأصح المؤمن المخلص يريد الحق والعدل والإنصاف أما غيره فلا يفكر الا بمصلحته . ولا بد من تصحيح عنوان المؤمن

لان الكثير من أدعياء الإيمان لا ينطبق عليهم عنوان الإيمان في كثير من الأحيان لان هؤلاء همهم ذاتهم المريضة وليس الإيمان الا مجرد ستار يتستر فيها

للحصول على المكاسب.

وإن الإنسان المعاصر يعيش مخاض بعد مخاض وكل ذلك بسبب فساد العلاقات الإنسانية لان تلك التقصيرات تولد المحن والشدائد فالكثير يشعر بالتعب ‘

ومن هنا تظهر عظمة مضمون كلمة الإمام علي ع بان المتقي يتعب نفسه ويريح غيره . والمتقي هو تعبير عن الشخصية الايجابية وغير المتقي هو الذي يتبع

الأهواء والشهوات والرغبات يريح نفسه ولكن يتعب الآخرين . وتظهر عظمة المدرسة الإسلامية من خلال تحقيق مفهوم العدل بان الله يريد تحقيق العدل لان

العدل يجعل الجميع يشعر بالسعادة والراحة أما الظلم فهو يتعب الجميع لذلك كانت العبادات الإسلامية هي تعبير من اجل الوصول الى التكامل الإنساني

والحضاري .

وإن كل الأزمات التي تعيشها البشرية لا يمكن حلها ما لم يتحقق الرقي الإنساني من خلال تهذيب الذات الإنسانية ‘ وإن كل المشاكل هو بسبب تضخم الذات

وعدم معرفة الذات وعدم تهذيب الذات . وان عالمنا المعاصر يجتاحه الظلم في كل شيء ‘ وان كل حل لا قيمة له ما تصل الذات الى التكامل الإنساني ‘

فالمتكامل هو الذي يحب الآخرين وغير المتكامل يتصف بالحقد على الآخرين . وان مشكلة البشرية هو بما يحمل الكثير من حقد وكره وبغض للآخرين ‘

وإن الحقود لا يريد الخير للآخرين والحسود لا يريد النفع للآخرين ‘ والمتكبر لا يريد ان يرى الآخرين أفضل منه ‘ فهكذا تسوء العلاقات الإنسانية بسبب

هذه القيم الزائفة من التكبر والحسد والطمع وغيرها.

والعلاقات الإنسانية تنقسم الى قسمين هناك العلاقات المادية البحتة وقد كرس الغرب هذه العلاقات المادية فأضحت علاقات مادية بحتة بعيدة عن عنصر الإيثار

وابسط مثال على ذلك فاذا ما وجد أي أشخاص في مكان ما كالمطعم فمستعد كل فرد أي يأكل ولا يقول للشخص الذي لا يملك المال الذي ينظر اليه كلمة تفضل

وقد تجد كثيرا من هذه الحالات في البلدان الغربية فقد تحدث لي احد الاصدقاء في الدانمارك بان هناك طالبات ثلاثة قد اجتمعن في فترة الاستراحة وكانت هناك

طالبتان تأكلان والطالبة الثالثة تنظر إليهما ولم يقولا لها تفضلي معنا الى ان تدخل صاحب المطعم وكان باكستانيا مسلما وقال لها لماذا لا تأكلين ؟ قالت ليس

لي نقود فقدم صاحب المطعم طبقا من الطعام لها مجانا وشكرته . والسبب الذي جعل عدم وجود عنصر الإيثار هو العلاقات المادية البحتة وقد عمقت الحضارة

الغربية هذه العلاقة ونجد في الشرق عكس هذه العلاقات فجانب الإيثار أكثر عمقا وتألقا ولكن نجد سوء العلاقات بشكل أخر بسبب الطمع والحسد والكبر

فتظهر سوء العلاقات مما يسبب المظالم الكثيرة في حياة الفرد والمجتمع.

Share |