دولة بلا تخطيط-صلاح بصيص

Sat, 23 Jul 2011 الساعة : 10:25

تهتم جميع الدول المتقدمة والنامية بالتخطيط، لما يمثله من أهمية وضع الأسس لبناء الدولة، على المستقبل القريب والبعيد، التي يصفها اهل الاختصاص بالمدى
القريب والمتوسط والبعيد، تفرض الحاجة احيانا تخطيطا انيا سريعا وملموسا لغرض معالجة حاجة ملحة، اكثر ما تكون اقتصادية، او اجتماعية، او خدمية،
حينها تتظافر الجهود وتتوحد القوى لتسيير مرحلة الحاجة وتذليل كل ما يعترض وصولها الى الناس، بالتأكيد فإن هذه التلبية تصطدم مع مصالح البعض، كما
انها تنفع مصالح البعض الآخر، أي هناك خاسر وهناك مستفيد، ولكن نسبة الاخير اكبر من الأول... في العراق ما اكثر الحاجة وما اقل التلبية، والسبب واضح
هو وجود مخططين كفوئين رفدوا العراق في المراحل الماضية بعدة مشاريع كان لها أثرها الايجابي الواضح والعميق، رغم ان اغلبها اني، تفرضه الحاجة،
والتخطيط كان يتجه احيانا عكس المطلوب، المستفيد منه القلة، والخاسر فيه الاغلبية، لان النظام في تلك الفترة كان يوجه ذهن المخطط بالقوة، لخدمة
مصالحه، وهي كثيرة ومعروفة إذا ما اردنا استقراءها، منها تجفيف الأهوار، وانشاء الانهار، وغيرها كثير، هذا من جانب المخططين اما عدم وجود تخطيط
بمستوى الطموح، فهو يعود لاكثر من سبب، ربما السبب الاهم والمباشر هو التناحر السياسي وعدم الركون الى ارضية سياسية ثابتة ورصينة، فعلاقة التخطيط
بالسياسة تكاد تكون واحدة، كما حال الأمن، الاعمار، الاستثمار، فهي مرتبطة مع السياسة بروابط وشيجة، فالاستقرار السياسي لا يوزع فقط على النواحي
التخطيطية، بل يشمل جميع مرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ...الخ، وكما هو معروف، فالسياسة في العراق دائما ما تضع الكفاءات في غير

مكانها، والأدلة كثيرة فعالم الآثار لا يكون بالضرورة وزيرا للآثار، والطبيب لا يكون وزيرا للصحة، والضابط الميداني المتمرس لا يكون وزيرا للداخلية،

والاكاديمي والعالم وهكذا، ما عدا وزارة المرأة، او ما يعادلها في العراق، تكون وزيرتها امراءة، وهو فرض دستوري لا مناص منه، وهذا ينعكس بالنتيجة على

عمل الوزارة، وعجزها عن تقديم خطط بديلة وسريعة وملموسة، يكون لها اثرها على الشارع... وهنا إذا ما اردنا استعراض عمل الوزارات نجد بينها تشابه

الى حد كبير، خصوصا من ناحية الفساد المالي والإداري، والوزير غير التكنوقراط، وعدم امتلاك الوزارة مخططا فعليا، كذلك فإن الوزارة تعاني باستمرار

من ايجاد خطة ناجحة مرنة حتى وان كانت تلائم مرحلة زمنية مؤقتة، تكون قابلة للتغيير في حال استجد ما يؤثر على استمرارها... احيانا نجد وزير تكنوقراط،

في مكانه المناسب، لكن الوزير لا يكون هرم الوزارة، بالمعنى الكامل للكلمة، لما تفرضه عليه العملية السياسية والمحاصصاتية من وكلاء وزراء ومدراء

عامون يكونون بمثابة المعطل لعمله، هي دوامة لا تنتهي أسسها التناحر السياسي الذي اضفا بظلاله على جميع مرافق الحياة، استطيع ان اصفه بـ(الابدي) في

العراق...فهو يمتد الى( ما قبل الدولة العثمانية وإلى يومنا هذا) واعتقد ما يليه، كما وصفه الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث...
ربما هذا الكلام لا يلائم اراء المختصين الذين يفلتون التخطيط عن يد الدولة، وبالاخص اصحاب المدرسة البرجوازية، باعتباره عملية فنية مستقلة عن طبيعة

النظام السياسي(مجيد مسعود/ دليل المصطلحات التنموية)...وهو واقعا، إذا ما كانت الدولة متماسكة، لا تعاني التناحر، يكون همها إعمار البلاد وسيادة النظام

والأمن في المجتمع، اما في ظل دولة الرجال المطاطيين، ممن يصلحون لكل مكان وزمان، ففيه نظر كبير، ويحتاج الى تأمل وابتعاد عن مراد المختصين...
برغم عدم اختصاصي في هذا المجال، إلا اني اجد ثمة علاقة وثيقة بين التخطيط والتعداد السكاني، فمهمة التعداد تمتد الى ابعد من معرفة عدد السكان، فلا نجد

رقم حقيقي لعدد العاطلين (وهو من باب المثال لا الحصر) لنتمكن من وضع خطة تناسب عدد العاطلين، او مساعدتهم، ولا يمكن الاعتماد النهائي على

المؤسسات المعنية بالعاطلين لانها غير دقيقة، حالها في ذلك حال المؤسسات الاخرى، وكم من تقرير نشر على وسائل الاعلام عن وجود بعض الاسماء

الوهمية، وبعض العاملين المسجلين على انهم عاطلين، وبالتأكيد فالمؤسسة تسعى لترتيب اوراقها ومستمرة في مراجعة جميع الاسماء لفرز المستحقين

الفعليين، وعلى هذا فقيس، وربما تكون قضية العاطلين هي قضية جزئية جدا وصغيرة قياسا بالتخطيط العام للدولة، لكنها مهمة، وهي هم كبير يعاني منه جميع

العراقيين اليوم، فالتعداد السكاني يعطي اهمية اجتماعية واقتصادية لابناء المجتمع العراقي...ومن هنا يقدم المخطط الدراسات المطلوبة لتقديم ما يناسب الواقع،

وهو – أي المخطط- يكون بمثابة الأعمى في حال لم يستند في تخطيطه على التعداد السكاني ومعرفة ما يحيط بالسكان والمستوى المعاشي والصحي لهم،

ومن باب اعمق يتعلق التخطيط بالبنى التحتية للبلد فالمخطط الماهر يستطيع وضع الخطط المناسبة للاستثمار والسياحة وتصريف الموارد الطبيعية والبشرية

بصورة تعود بمنافع مادية كبيرة على البلد.
لم تصل الحكومة الحالية بعد، فعليا، الى مصاف الدول التي تعي فيه أهمية دعم التخطيط بكل جوانبه، بسبب الفساد المالي والاداري الذي ينخر جسد الدولة،

والذي اتاح الفرصة في هدر اموال طائلة، فرغم وصول برميل النفط الى اكثر من 110 دولار، إلا ان نسبة كبيرة من العراقيين يعيشون فقرا مدقعا، ولا يعقل

ان يستمر الحال في بلد يعد من اغنى دول العالم تهدر امواله بغير حق، وتذهب الى جيوب الاغنياء، وهو ما وصفه النائب عن القائمة العراقية حيدر الملا في

مؤتمر صحفي نشرته وكالة (اكانيوز): أن الحكومة العراقية تبذر أموالاً طائلة دون تخطيط أو دراسة، مشدداً على أن صرف الأموال يتم بصورة عشوائية، وإن

تبذيرها يتم تحت عناوين دعم المحتاجين، ولكن بالحقيقة تذهب إلى الأغنياء قبل الفقراء...
[email protected]

Share |