أريد ان استرد صوتي/
Fri, 21 Jun 2013 الساعة : 0:33
(صباح مطر)
الديمقراطية أحسن السيئات ، عبارة قالها تشرشل وحفظناها عنه ، ومع الأيام تبين لنا صدق مقالته وهو الذي أخرجته الديمقراطية من الحكم بل ورمته خارج حلبة السياسة ليعيش بقية عمره بين الورود منفرداً مع زوجته إلى آخر أيامه . أحسن السيئات وهي ديمقراطيتهم ، ورثوها عن أسلافهم وتربوا على قيمها ومفاهيمها وخالطت عقولهم وضمائرهم وأضحت عندهم ثقافة وسلوك ، فما بالك بديمقراطيتنا وهي الهجين الذي ولد بعد مخاضات عسيرة فجاء كسيحاً مشوهاً يتنفس عبر رئة الآليات ويعاني من نقص المفاهيم والقيم . ديمقراطيتنا التي تكالب عليها المخادعون والمداهنون وطلاب السلطة مستفيدين من آلياتها للوصول إلى مآربهم فوعدوا واخلفوا وحلفوا وحنثوا وعاهدوا وخانوا وقالوا ولم يصدقوا القول فكأنهم لم يسمعوا لقوله تعالى ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون / سورة البقرة – الآية 40 ) هؤلاء الذين استمالوا الناس بوعودهم وعهودهم وشعاراتهم وما إن فازوا حتى قلبوا لهم ظهر المجن وتنكروا لمن أولاهم الثقة وائتمنهم على مستقبله ومستقبل البلد . نقضوا العهد دون أن يطرقوا طرفهم حياءً من شائنة ما فعلوا ، ركضوا لاهثين صوب المناصب وكأنها قد دامت لمن سبقهم إليها ، استقتلوا دونها و جعلوا عهد الله والناس وراء ظهورهم ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها / الآية 91/ سورة النحل ) ، بعضهم تنكر حتى للكيانات والكتل التي احتضنته و فاز بأصوات أنصارها ، هذا البعض أغراه بريق المنصب رغم تفاهته وتصاغر شانه ، منصب عفّت عنه نفوس الأكرمين فكانت اكبر منه ومن طالبيه . شاهدنا على ذلك لم يغب يوماً ، وكيف يغب ؟ ، وهو صوت علي بن أبي طالب ( ع ) كان ولازال يقرع الأسماع قائلاً وهو يرفع نعله _ ألا انه أحب إلي من خلافتكم هذه إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلا – ولا زال موقف ابن طاغية الطغاة في عصره ( معاوية الثاني ) دالة عليه حين ركل عرش الخلافة متنحياً عنها إذ عرف إن هنالك من هو أولى بها منه ، هؤلاء وغيرهم فعلوها غير مبالين احتراماً لضمائرهم وإعزازاً لقيم الرجولة والإنسانية وقيم السماء ، فخلدوا وذهب نقائضهم إلى أغوار الحضيض ليستقروا في أدنى قعره المهين . ماذا أعطت الألف ألف درهم لعبيد الله بن عباس حين باع الحسن ( ع ) لمعاوية ؟ ماذا أعطته ؟ غير لوثة لحقت به وظلت لصيقته متى ما ذكر ، وغير خزي يتعقبه إلى يوم يبعثون . الحق أن لا شيء أسوء من الخيانة لم يحتمل عارها وشنارها يهوذا سمعان الاسخريوطي فأعاد الثلاثين قطعة من الفضة التي استلمها من اليهود مقابل تسليم المسيح ثم قتل نفسه ، - هكذا تقول الرواية النصرانية - فهل يفعلها من خان ضميره وخذل الجمهور الذي انتخبه والكيان الذي استقبله واحتواه ووهبه ثقة أنصاره ؟ ، لا أظنه يفعلها لأنه لم يخن ضميره فحسب بل باعه بثمنٍ وأخلى مكانه ليعيش بلا ضمير ، لم يحفظ لله ولا للناس إلاًّ ولا ذمة ، هجره الوفاء ، غادره ، وأضحى منه يباباً وصحراء بلقع تهول في أكنافها جيوش الخيانة . لم يجاف الحقيقة ابن مقرب حين قال
لا تركنن إلى ما لا وفاء له الذئب من طبعه إن يقتدر يثبِ
وقال آخر
إن الوفاء على الكريم فريضة واللؤم مقرون بذي الإخلاف
وترى الكريم لمن يعاشر منصفاً وترى اللئيم مجانب الإنصافِ
لا عجب فهم مسبوقون بفعلهم وأمثالهم كثر ، يتكررون عبر العصور ولا تكاد تخلوا منهم حقبة ، فعلها احدهم في عهد الإمام الصادق ( ع ) واشتكاه غريمه فقال له عليه السلام ( لم يخنك الأمين لكنك ائتمنت الخائن / الشيخ الصدوق - ما لا يحضره الفقيه / 3 – 195 ) . كنا نأمل من الديمقراطية حين حلت بأرضنا أن تخلصنا من هؤلاء وأمثالهم لكنها أرتنا منهم العجب ووقفت عاجزة أمام مكرهم ومكائدهم وهم يتخذونها مطية للوصول إلى مآربهم وغاياتهم ، فهل تجد الديمقراطية لنفسها دواء من هذا الداء العضال ؟ هل من الممكن أن يشرع قانون لسحب الأصوات أو استردادها ؟ وهذا ما يجعل الفائزين ملزمين بالإيفاء بعهودهم وتطبيق برامجهم وهو لا يحتاج إلى كثير عناء فبمجرد أن يكتب اسم الناخب على استمارة التصويت التي توضع داخل الصندوق وهذا ليس عيبا لا زال الانتخاب حق مشروع لكل مواطن والدولة ملزمة بتوفيره وحمايته ويكون باستطاعة الناخب أن يسحب ثقته بمن انتخبه وذلك بسحب الاستمارة متى شاء للضغط على من فاز بصوته وأصوت أقرانه للوصول إلى عضوية المجلس لكي يتناقص عدد الأصوات المتبقية له إلى الحد الذي يجعل من هو في قائمة الاحتياط أعلى منه فيحل مكانه ، لو كان الأمر كذلك لما تجرا بعضهم على التنكر لناخبيه بانضمامه إلى جهة أخرى كان أمامهم خيار التصويت لها مفتوحاً لكنها لا تتطابق مع ميولهم وأفكارهم وربما هم على التضاد معها فعزفوا عن انتخاب مرشحيها . تشريع نتمنى أن يسن و يعمل به في المرحلة المقبلة إلى أن يتم استيعاب مفاهيم الديمقراطية وسلوكياتها وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة والشخصية ، أما ما مضى فقد سبق سيفه عذله و به صعد على أكتافنا من صعد وتنكر لنا ولثقتنا التي أوليناها إياه ، تنكر حتى لمن أوصل ليله بنهاره يعمل لأجل أن ينجحه في حملته الانتخابية ويفوز ، انه الجنوح صوب الأنا ، صوب المآرب و الطمع والجشع ، صوب الاستئثار لا الإيثار ولو كان غير هذا لأثنينا عليه وعلى صنيعه . هذا ما أفرزته نتائج الانتخابات وما لحظناه في تشكيل الحكومة في محافظة ذي قار وهو لم يكن إطلاقاً أبداً فهناك من ثبت على مبدئيته وشرف الكلمة التي أعطاها لجمهوره وللذين تحالف معهم ولنذكره بالاسم لا بالإشارة انه شهيد الغالبي ، السيد الذي يستحق منا أن نرفع قبعاتنا وعقالاتنا وأيدينا له بالتحية ونقف وقفة إكبار وإجلال لهذا الفذ الذي لم يبع مبدئيته بثمن ولم تغره العروض الكبيرة ولم يرهبه من يقف ورائها انه العراقي الغالبي الشيوعي فاسمعوا وعوا واعتبروا به يا أولي الألباب .


