تاملات في القران الكريم الحلقات 117و118/حيدر الحدراوي

Sat, 8 Jun 2013 الساعة : 0:18

تاملات في القران الكريم ح117

سورة الانفال الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ{22}
تضمنت الاية الكريمة تشبيهين :
1- ( الدَّوَابِّ ) : هو كل ما دبّ على وجه الارض , فشبهت الاية الكريمة الذين لا يسمعون الحق , سماع عبرة واتعاظ , ولا ينطقون به , كما هو المفترض , كالدواب التي لا تفقه شيئا مما يقال لها , ولا يمكنها النطق به ايضا .
2- ( شَرَّ الدَّوَابِّ ) : تصفهم الاية الكريمة بأنهم ( شر ) الاكثر خطرا , الاشد تمردا , طالما وانهم لا يسمعون حقا , ولا ينطقون به , فهؤلاء بالتأكيد لا تتفتح عقولهم وادراكاتهم فهم ( لاَ يَعْقِلُونَ ) ! .
جاء في تفسير البرهان ج2 / للسيد هاشم الحسيني البحراني ( الطبرسي , قال الامام الباقر (ع) : نزلت الاية في بني عبد الدار , لم يكن اسلم منهم غير مصعب بن عمير وحليف لهم يقال له سويبط ) .
وايضا جاء في نفس المصدر ( قال الباقر (ع) : هم بنو عبد الدار لم يسلم منهم غير مصعب بن عمير وسويد بن حرملة , وكانوا يقولون " نحن صم بكم عما جاء به محمد " , وقد قتلوا جميعا في احد , كانوا اصحاب اللواء ) .

وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ{23}
تبين الاية الكريمة , ان الله تعالى لو علم ان فيهم خيرا ( صلاحا ) , لأسمعهم , لكنهم وان سمعوا , فسوف ينصرفون عن الحق , ويعرضون عنه , ذلك لعلمه تعالى بعدم توفر الخير والصلاح فيهم مسبقا .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{24}
تضمنت الاية الكريمة خطابا مباشرا منه جلا وعلا للمؤمنين , وفيه ثلاثة امور :
1- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ) : أمرا مباشرا للاستجابة الى الله تعالى ورسوله الكريم محمد (ص واله) بالطاعة , الطاعة في امور الدين , لانها السبب في نوال الحياة الابدية , اذا كان المشار اليه في ( إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ) في الحياة الاخرة , لكن يبدو ان المشار اليه في النص ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ليس في الاخرة , بل في الدنيا , وذلك يستفاد من سياق الاية الكريمة نفسها , حيث ان الاستجابة لله تعالى وللرسول (ص واله) تكون في الدنيا , واما النص المبارك الذي يليه ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) , يشير الى انه لا يكون الا في الدنيا ايضا , واما الاشارة الى الاخرة فكانت في ختام الاية الكريمة ( وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) , فيكون ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) في الدنيا , حياة تطبيق كامل لمفردات الاسلام , فيعم الخير والسلام , وتتحقق الغاية من الدين الاسلامي الحنيف , ويغمر العدل الالهي المعمورة , وذلك لا يكون الا في طريقين , احدهما او كلاهما :
أ‌) ما جاء في تفسير البرهان ج2 / للسيد هاشم الحسيني البحراني ( عن ابي جعفر (ع) : في قوله عز من قائل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ) , يقول : ولاية علي بن ابي طالب , فأن اتباعكم اياه وولايته اجمع لامركم , وابقى للعدل فيكم ) , وهذا مما يستلزم ان يكون مصداقا للنص المبارك ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) في الدنيا .
ب‌) ظهور الوعد الالهي في قيام الامام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) : فأن الالتزام والطاعة له (ع) مما يستلزم نشر العدل الالهي في ارجاء المعمورة , فيكون مصداقا اخرا للنص المبارك ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) في الدنيا .
2- ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) : يلفت النص المبارك الى ضرورة ان يعلم الانسان قربه عز وجل منه , وننقل فيه رأيان :
أ) ( يحجز بين الانسان وبين الانتفاع بقلبه بالموت او اقرب اليه من قلبه او يملك تقليب القلوب )"مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي ".
ب) أخرج صاحب تفسير البرهان ج2 / السيد هاشم الحسيني البحراني عدة احاديث في هذا الشأن , فنورد ما جاء في نفس الحديث اعلاه ( واما قوله ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) يقول : يحول بين المرء ومعصيته ان تقوده الى النار , ويحول بين الكافر وطاعته ان يستكمل بها الايمان , واعلموا ان الاعمال بخواتيمها ) .
3- ( وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) : بيان , تذكير , الجميع سيحشر في ذلك اليوم الموعود , عندها سيجزى كل فرد بما عمل .

وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{25}
تكمل الاية الكريمة ما جاء في خطاب سابقتها الكريمة محذرة ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ) , فتنة تعم العاصي والمطيع على حد سواء , اما العاصي , فبذنبه ومعصيته , واما المؤمن , فلعدم قيامه بما يوجب الانكار , في حدود التمكن والاستطاعة , ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) , يجب ان يعلم بذلك العاصي والمطيع , علم وعي وادراك ! .
اما الفتنة المشار اليها في الاية الكريمة ففيها الكثير من الاقوال , لعل ابرزها :
1- جميع الفتن التي تفتك او ستفتك في الامة الاسلامية .
2- اخرج السيد هاشم الحسيني البحراني في تفسيره البرهان ج2 , جملة من الاحاديث الشريفة , وذكر منها ما يشير الى طلحة والزبير وواقعة الجمل , وغير ذلك .
3- فتن المستقبل : كفتنة الدجال , وظهور عيسى بن مريم (ع) والمهدي (ع) , وهنا يجب ان نشير الى امر هام , يعتقد الشيعة ان المهدي (ع) مولود , وهو الان متوار عن الانظار , ويعتقدوا ان الدجال وتياره سيولد في حينه , اما المذاهب الاسلامية الاربعة , فتعتقد على الاغلب , بأن المهدي (ع) سيولد في حينه , اما الدجال , فهو موجود , مختف , متوار عن الانظار , كما في رواية تميم الداري الشهيرة التي يروونها , فنلاحظ التقاطع الحاصل في الاعتقادين او المفهومين , اذا فالفتنة الكبرى يحتمل انها ستكون على النحو التالي :
أ‌) مهدي الشيعة عندما يظهر ويثبت انه كان مولودا ومختف عن الانظار , سيكون هو الدجال في مفهوم المذاهب الاسلامية الاربعة ( لان الدجال عندهم حي , اما المهدي فسوف يولد ) ! .
ب‌) اما المهدي في مفهوم المذاهب الاسلامية الاربعة , الذي سيولد في حينه , سيكون هو الدجال في مفهوم الشيعة , وهنا ستحدث الطامة الكبرى , عندما يلتف كلا من اتباع الفريقين حول مهديه , ويستعد للحرب , ونشر العدل في ارجاء المعمورة كلا على طريقته ! .

وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{26}
تذكر الاية الكريمة المؤمنين بسبعة امور :
1- ( وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ ) : كان عددهم قليل .
2- ( مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ ) : وكانوا لقلتهم مستضعفين في مكة .
3- ( تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ) : تخافون ان يأخذكم كفار مكة بسرعة .
4- ( فَآوَاكُمْ ) : فأواكم الله تعالى في المدينة المنورة .
5- ( وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ ) : التأييد منه جل وعلا بالملائكة ومن ثم بالنصر في واقعة بدر الكبرى .
6- ( وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) : الغنائم .
7- ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) : كل ذلك مما ينبغي شكره ( شكر المنعم جل وعلا ) .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{27}
تضمنت الاية الكريمة خطابا مباشرا منه جل وعلا للمؤمنين , وفيه نهي عام عن كل انواع الخيانة , خيانة الله تعالى ورسوله (ص واله) , بترك الواجب والركون الى المعاصي , وباقي انواع الامانات بين الناس .

وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{28}
تستمر الاية الكريمة في ما ورد من خطاب سابقتها الكريمة , ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ) , الاموال والاولاد مصادر للفتنة ( البلاء ) , ما من شأنه الصد عن الاستقامة في امور الدين والدنيا , وما قد يعرض المرء لخسران اخرته , ( وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) , كما ويجب ان يعلم الجميع ايضا , ان لدى الله تعالى ثواب عظيم .
يلاحظ في الاية الكريمة امران :
1- ( أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ ) : قدمت الاموال على الاولاد , لذلك الكثير من الاراء , لعل ابرزها على سبيل الطرح :
أ‌) تأثر المرء بالمال اسرع من تأثره بغيره , فيسارع الى تحصيله بشتى الوسائل , وقد يعرض نفسه للخطر في طلبه .
ب‌) المال مما يمكن للمرء ان يسعى لتحصيله بمفرده , اما الاولاد فلا يمكنه ذلك , الا بالزواج والاقتران بزوجة .
ت‌) لا يمكن وقد يستحيل ادراك الزواج والاولاد فيما بعد من غير ان يكون للمال الدور الابرز في ذلك ! .
2- ( وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) : حسبك اجرا الباري جل وعلا يصفه بأنه ( عَظِيمٌ ) , كل ما في الجنة هو عظيم , وبعضه اعظم من بعض { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }فصلت35 ! .
مما يروى في سبب نزول الايتين الكريمتين ( 27 – 28 ) حسب ما يرويه تفسير الجلالين للسيوطي , ومصحف الخيرة لعلي عاشور العاملي , وكذلك تفسير البرهان ج2 / للسيد هاشم الحسيني البحراني ( فنختار ما ورد في تفسير البرهان ج2 لكثرة تفاصيله ) " عن الباقر والصادق (ع) : نزلت في ابي لبابة بن عبد المنذر الانصاري , وذلك ان رسول الله (ص واله) حاصر يهود قريظة احدى وعشرين ليلة , فسألو رسول الله (ص واله) الصلح على ما صالح عليه اخوانهم من بني النضير على ان يسيروا الى اخوانهم الى اذرعات واريحا من ارض الشام , فأبى ان يعطيهم ذلك رسول الله (ص واله) الا ان ينزلوا على حكم سعد بن معاذ , فقالوا : ارسل الينا ابا لبابة , وكان مناصحا لهم لان عياله وماله وولده كانت معهم , فبعثه رسول الله (ص واله) فاتاهم , فقالوا : ما ترى – يا ابا لبابة – اننزل على حكم سعد بن معاذ ؟ , فأشار ابو لبابة بيده الى حلقه , انه الذبح فلا تفعلوا , فأتاه ( للنبي الكريم محمد "ص واله" ) جبرائيل (ع) فأخبره بذلك , قال ابو لبابة : فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت اني قد خنت الله ورسوله , فنزلت الاية فيه , فلما نزلت شد نفسه على سارية من سواري المسجد , وقال : والله لا اذوق طعاما ولا شرابا حتى اموت , او يتوب الله علي , فمكث سبعة ايام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه , ثم تاب الله عليه , فقيل له : يا ابا لبابة قد تيب عليك , فقال : لا والله لا احل نفسي حتى يكون رسول الله (ص واله) هو الذي يحلني , فجاءه فحله بيده , ثم قال ابو لبابة : ان من تمام توبتي ان اهجر دار قومي التي اصبت فيها ذنبا , وان انخلع من مالي , فقال النبي (ص واله) "يجزيك الثلث ان تصدق به" ) .

يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{29}
تخاطب الاية الكريمة جميع المؤمنين , وفيها اربعة موارد للتأمل :
1- ( يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ) , نورا وهداية , وايضا ( يعني العلم الذي تفرقون به بين الحق من الباطل ) " البرهان ج2 / للسيد هاشم الحسيني البحراني" .
2- ( وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) يمحوها بالعفو عنكم .
3- ( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) : تعم المغفرة , وما تشتمل عليه من الاثار .
4- ( وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ{30}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1- ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ) : مما يروى في ذلك , ان كفار مكة اجتمعوا في دار الندوة , وتشاوروا بينهم فيما سيفعلونه بالنبي الكريم (ص واله) , فكانت ارائهم :
أ‌) ( لِيُثْبِتُوكَ ) : يوثقونه ويحبسونه (ص واله) .
ب‌) ( أَوْ يَقْتُلُوكَ ) : يقتلونه ( ص واله) .
ت‌) ( أَوْ يُخْرِجُوكَ ) : يخرجوه (ص واله) من مكة .
2- ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) : المكر من كفار مكة الحيلة والخديعة , اما مكره جل وعلا في تدبير امره (ص واله) , فأوحى الله تعالى لنبيه الكريم (ص واله) بما دار في ذلك المجلس , وامره جل وعلا بالخروج من مكة .

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ{31}
تروي الاية الكريمة , عندما يتلى القران الكريم عليهم ( كفار مكة ) , ( قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ) , هذا الكلام صدر من النضر بن الحارث , لانه كان يأتي الحيرة للتجارة , فيشتري كتب اخبار الاعاجم , ثم يحدث بها اهل مكة ( تفسير الجلالين للسيوطي ) .

وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{32}
تروي الاية الكريمة , انهم قالوا ( اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) على سبيل الاقتراح .

وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{33}
الاية الكريمة في محل الرد على قولهم , وذكرت سببين لرفع العذاب :
1- ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ) : رفع العذاب لوجوده (ص واله) .
2- ( وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) : عدة اراء في ذلك منها :
أ‌) كان مشركي مكة يقولون عند طوافهم بالكعبة المشرفة ( غفرانك , غفرانك ) .
ب‌) هم المؤمنين المستضعفين فيهم .
ت‌) ان يكون في ذلك اشارة الى كافة المؤمنين في كل زمان ومكان , لتعلمهم وتخبرهم , ان الله تعالى لا يعذبهم , طالما هم يستغفرون ! .

وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{34}

نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) : كيف لا يستحقون العذاب , وهم يمنعون النبي (ص واله) و المؤمنين من الطواف بالكعبة المشرفة , والصلاة في المسجد الحرام ؟ ! .
2- ( وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ ) : وليست لهم الولاية والتصرف في ذلك كما زعموا .
3- ( إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ ) : يشير النص المبارك الى ان من يجب ان يليه ( المتقون ) , الذين اجتنبوا المحارم , وادوا الطاعات .
4- ( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) : النص المبارك يكشف عن فئتين :
أ‌) الاكثرية : اكثريتهم لا يعلمون ان ليس لهم الحق في ذلك .
ب‌) الاقلية : يعرفون جيدا انهم ليس لهم الحق في زعمهم , لكنهم لا يصرحون بذلك , تعنتا وظلما .

******************
تاملات في القران الكريم ح118
سورة الانفال الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم

وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ{35}
تبين الاية الكريمة ان صلاة كفار ومشركي مكة كانت ( مُكَاء ) الصفير و( وَتَصْدِيَةً ) تصفيق , ( فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) , فذوقوا عذابا عاجلا في الدنيا , يوم بدر بالقتل والاسر والجروح , والامر من كل ذلك كان الهزيمة ! .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ{36}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) : التمويل ضروري للحرب , فيكشف النص المبارك ان الكفار ينفقون اموالهم بقصد منع الناس عن طريق الهداية ومحاربته .
2- ( فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ) : يرد النص المبارك منذرا , ان هذه الاموال ستنفق , لكنها ستضيع بضياع الهدف والغاية المرجوة منها .
3- ( ثُمَّ يُغْلَبُونَ ) : في الدنيا , يوم بدر .
4- ( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) : هؤلاء الكفار ( الممولين والمحاربين ) سيكون مصيرهم وعاقبة امورهم ان يحشروا في جهنم حشرا .
جاء في تفسير البرهان ج2 / سيد هاشم الحسيني البحراني ( علي بن ابراهيم : قال : نزلت في قريش لما وافاهم ضمضم واخبرهم بخروج رسول الله (ص واله) في طلب العير , فأخرجوا اموالهم وحملوا وانفقوا , وخرجوا الى محاربة رسول الله (ص واله) ببدر , فقتلوا وصاروا الى النار , وكان ما انفقوا حسرة عليهم ) .

لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ{37}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) : يفصل بين الخبيث وهو الكافر , وبين الطيب وهو المؤمن .
2- ( وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ) : يجمعه بشكل متراكم , بعضا فوق بعض , ثم يجعله في نار جهنم .
3- ( أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) : من كان في الجمع المتراكم , هؤلاء هم الخاسرون , خسروا طيب العيش في الدنيا والحياة الابدية في الاخرة .

قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ{38}
تأمر الاية الكريمة الرسول الكريم محمد (ص واله) ان يقول ويخير الذين كفروا بين امرين :
1- ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ) : يدعوهم النص المبارك ان يتركوا ويتراجعوا عن عدواة النبي محمد (ص واله) والمؤمنين , ويعودوا الى حضيرة الايمان , فأن الاسلام يجب ما قبله , ستغفر كل ذنوبهم في ذلك , وهذه الدعوة تمثل الفرصة الاخيرة لهم .
2- ( وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ ) : وان يعودوا الى ما هم عليه من الكفر والعداوة , فيعلمهم النص المبارك ان الله تعالى قد قضى بأهلاك الكفار , كما اهلك جل وعلا الامم السابقة .

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{39}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1- ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه ) : يأمر النص المبارك المؤمنين بقتال الكفار لسببين :
أ‌) ( حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ) : شرك .
ب‌) ( وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه ) : فلا يعبد سواه جل وعلا .
لكن هذا لم يتحقق في زمانه (ص واله) , وهي مطابقة لعصر ظهور المهدي (ع) ! .
2- ( فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) : فأن تركوا ما هم عليه من قتال المؤمنين والصد عن سبيل الله تعالى , فأن الله تعالى بصير بكل ما يعملون .

وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ{40}
تخاطب الاية الكريمة المؤمنين , ( وَإِن تَوَلَّوْاْ ) , وان انصرفوا عن الايمان وتمسكوا بباطلهم , ( فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ ) , المتولي لاموركم وناصركم , وهو جل وعلا ( نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) .

وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{41}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1- ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) : يقسم النص المبارك موارد صرف الخمس :
أ‌) ( فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ) : يأمر فيه بما يشاء .
ب‌) ( وَلِلرَّسُولِ ) : (ص واله) .
ت‌) ( وَلِذِي الْقُرْبَى ) : قرابة الرسول (ص واله) .
ث‌) ( وَالْيَتَامَى ) : اطفال المسلمين من مات ابائهم , شرط ان يكونوا فقراء .
ج‌) ( وَالْمَسَاكِينِ ) : ذوي الحاجة من المسلمين .
ح‌) ( وَابْنِ السَّبِيلِ ) : المسافر .
2- ( إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) : ( عَبْدِنَا ) النبي الكريم محمد (ص واله) , (يَوْمَ الْفُرْقَانِ ) يوم بدر , حيث انه كان فارقا بين الحق والباطل , ( يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) معسكر المؤمنين , ومعسكر الكافرين , ( وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وهو جل وعلا قادرا مقتدرا قديرا على كل شيء .

إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ{42}
تصف الاية الكريمة حال واقعة بدر , ونستقرأها في عدة موارد :
1- ( إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ) : حيث كان المسلمون في الجانب الاقرب الى المدينة , وتسمى ايضا بـ ( العدوة الشامية ) .
2- ( وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى ) : وكان الكفار في الجانب الابعد عن المدينة , وتسمى ايضا بــ ( العدوة اليمانية ) .
3- ( وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ) : ( وَالرَّكْبُ ) قافلة ابي سفيان , ( أَسْفَلَ مِنكُمْ ) على ساحل البحر الاحمر .
4- ( وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ) : لو تواعدتم ايها المسلمون , انتم والنفير على القتال في هذا المكان , لاختلفتم في الميعاد ( الموعد ) .
5- ( وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً ) : ليقضى الله تعالى بنصر المسلمين , وهزيمة وخذلان الكفار .
6- ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ) : فمن يهلك من الكفار في هذه المعركة , يكون قد هلك على بينة او حجة قامت عليه , فلا عذر له بعدها .
7- ( وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) : ويؤمن من يؤمن على بينة وحجة ظاهرة .
8- ( وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) : ان الله تعالى , سميع بأقوال الفريقين , عليم بنواياهم .

إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{43}
تخاطب الاية الكريمة النبي الكريم محمد (ص واله) , والمعني بها المؤمنون , جاء في تفسير البرهان ج2 / سيد هاشم الحسيني البحراني ( قوله " إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ" المخاطبة لرسول الله (ص واله) والمعنى لاصحابه , أراهم الله قريشا في نومهم قليلا ولو اراهم كثيرا لفزعوا .
نلاحظ ان الاية الكريمة فيها تحفيزا معنويا للقتال , فلما رأى المسلمون في منامهم قريشا كانوا قلة , شحذ ذلك هممهم , وزاد في عزائمهم , وهذا الامر من الامور المطلوبة في المعارك .

وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ{44}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً ) : بقدرته جل وعلا شاهد ورأى المسلمون عدد قريشا قليل , فشدوا العزيمة , وحملوا عليهم بشجاعة منقطعة النضير .
2- ( وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ) : وبقدرته جل وعلا , قلل عدد المسلمين في اعين قريش , في ذلك رايان :
أ‌) عندما رأت قريش ان عدد المسلمين كان قليلا , اهملت الاستعداد لحربهم كما ينبغي ويحدث في الحروب , وبذلك يكون الاعمال سببا في الهزيمة .
ب‌) عندما رأت قريش ان عدد المسلمين كان قليلا , كي لا يتراجعوا او يهربوا او يتركوا قتالهم , فيقدموا عليها , ويستعدوا لها , فيقضي عليهم المسلمون والملائكة , ويوقعوا بهم الهزيمة والعذاب .
3- ( لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً ) : يتحقق الوعد الالهي للمسلمين بالتأييد والنصرة , والهزيمة لمعسكر الكفار .
4- ( وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ) : اليه عز وجل تعود كل الامور , ما خفى منها وما بطن .
يلاحظ في الاية الكريمة , أنها ذكرت امرا خافيا , وهو ان المسلمين لم يروا العدد الحقيقي للكفار , بل رأوهم اقل بكثير , وكذلك الحال في معسكر الكفار , نطرح في ذلك ثلاث اطروحات :
1- معجزة ربانية , لا يمكن ادراكها , او وصفها , او فهمها , فتنسب الى قدرته عز وجل على كل شيء .
2- خطة عسكرية ( حربية ) , لم يدركها او يفهمها كلا المعسكرين , وعلمها وخبرها وسرها عند النبي الكريم محمد (ص واله) , كونه (ص واله) قائدا لمعسكر المسلمين .
3- خدعة بصرية , من نوع خاص , كرؤية السراب ماءا في الصحراء , هيأ الله تعالى لها الاسباب المناسبة , فكانت بأمره جل وعلا , لعل العلم الحديث سيكشف عنها ! .

Share |