أمراض سينمائية - سياحة في الأفلام المعروضة في برنامج (سينمائيون)- عباس منعثر

Wed, 20 Jul 2011 الساعة : 10:42

تعد مبادرة قناة السومرية (سينمائيون) التي سبقت بها كل القنوات الأخرى واحدة من المبادرات المساعدة على اكتشاف الطاقات الإبداعية في مجال الفلم القصير وحث الشباب على ممارسة الفن السينمائي عبر توفير الدعم المادي المناسب وإعطاء فرص الانتشار. يمكن للمرء أن يشيد كذلك بالحيادية في اختيار السيناريوهات والمخرجين الهواة.
بالرغم من ذلك، تبقى معظم الأفلام المنجزة والمعروضة في برنامج (سينمائيون) على شاشة قناة السومرية دون مستوى الإمكانيات المادية والتوقعات..
طائر التم: الإهمال وغياب الهندسة..مبادرة قناة السومرية (سينمائيون) التي سبقت بها كل القنوات الأخرى واحدة من المبادرات المساعدة على اكتشاف الطاقات الإبداعية في مجال الفلم القصير وحث الشباب على ممارسة الفن السينمائي عبر توفير الدعم المادي المناسب وإعطاء فرص الانتشار. يمكن للمرء أن يشيد كذلك بالحيادية في اختيار السيناريوهات والمخرجين الهواة.
بالرغم من ذلك، تبقى معظم الأفلام المنجزة والمعروضة في برنامج (سينمائيون) على شاشة قناة السومرية دون مستوى الإمكانيات المادية والتوقعات..
طائر التم: الإهمال وغياب الهندسة..
يحيل عنوان هذا الفلم إلى المسرحية الشهيرة (أغنية التم) للكاتب انتوان تشيخوف. نتابع فيها مسيرة بطل الفلم إلى قاعة العرض المسرحي وكيف يعلق في الزحام ويضطر إلى تأجير سيارة أجرة لكي يصل إلى القاعة في الوقت المناسب. نلاحظ أيضا قلق المخرج المسرحي من تأخير البطل وانتظار الجمهور لبدء العرض. يتأخر البطل فيضطر المخرج المسرحي إلى الإيعاز لممثل آخر لم يحفظ الدور جيدا لكي يقوم بالدور بدلا عنه. لكن البطل يصل في النهاية ويقوم بالتمثيل وينتهي الفلم بتحية الجمهور الحاضر.
في بناء فلم (طائر التم) حزمة من الأخطاء الفادحة. اقلها فداحة تلك اللقطة التي تظهر الشارع خال من أي زحام بينما الأزمة التي يعاني منها البطل بمعية مجموعة من الأشخاص الذين يركبون (الكية) هي الزحام الذي يجعلهم عالقين غير قادرين على الحركة إطلاقا. الأخطاء الأكثر فداحة تلك التي تدل على الإهمال التام من قبل مخرج الفلم والمونتير حينما نسمع لأكثر من خمس مرات صوت المخرج وهو يقول (اكشن، زين، كت، يلله.. الخ)؛ مع أن الثانية الواحدة مهمة في الفلم الروائي القصير وكل شيء يجب أن يحسب بدقة المهندس وبراعة الخيميائي. يضاف إلى هذا الخطأ الفني الفادح خطأ آخر لا يقل فداحة وهو شريط الصوت. المشهد يدور في (الكية) أثناء دقائق الانتظار. وإذا بنا نفاجأ أن كل شخصية يرافقها جو عام مختلف عن الشخصية الأخرى. فمرة نسمع صوت محرك الكية عاليا، ومرة بلا صوت (ميوت) ومرة نسمع صوت أطفال يلعبون، وهكذا يتكرر ذلك بتكرر حوار الشخصيات. ويبدو أن المخرج يأخذ كل ممثل على حدة في (شوت) واحد ثم يوزع حواراته على المشاهد مما أدى إلى هذا التفاوت الواضح.. من جهة أخرى، توحي اللقطات داخل الكية بالاختلاف من شخصية إلى أخرى، وكأن الإضاءة قد تغيرت أو تم استخدام كاميرا ثانية..
في مشهد (الكية) فوضى عارمة. إذ يلصق المخرج الحوار جنب الآخر بنظام غريب. فإذا تحدثت الشخصية س بهدوء للشخصية ص ردت الشخصية ع على ص بمنتهى الفظاظة. يتيه الموضوع هنا والانفعالات مشتبكة وغير مبررة. وحينما يكرر السائق قوله لأحد الركاب بريبة غريبة (أعرف شنو قصدك)، لا نعلم نحن كمشاهدين الى ماذا يرمي السائق من هذا الغمز؟ هل هو يتغزل بالمرأة؟ أم ماذا؟ ولا يعود المخرج لتوضيح الأمر.. ثم ما علاقة كل ما يحدث في (الكية) بموضوع الفلم. في الفلم القصير يجب أن تكون كل لقطة وحوار ذات علاقة جوهرية بموضوع الفلم. ليس هناك وقت فائض أو شيء زائد. لكن مشهد (الكية) بحواراته غير المنضبطة وبشريط الصوت البائس وبسلسلة (الراكورات) التي لا تعد، أثقل على الفلم ولم يؤد أي غرض سوى انه أراد أن يقول أن البطل قد تأخر وهو ما يمكن انجازه بعدة لقطات سريعة، قصيرة وموحية للبطل دون الحاجة إلى كل هذا الإسهاب.
بعد نزول البطل الذي يرمز العنوان إليه، نلاحظ أي تفاوت كبير بينه وبين بطائر التم. فالممثل الرئيسي ممتلئ الجسد ويفتقر إلى رشاقة الطائر وجماله. وبلقطة غير مدروسة يظل يمشي على جهة اليسار لكي يوقف سيارة أجرة بيده اليسار بينما كان بإمكانه الوقوف على جهة اليمين – كما هو معتاد- لإيقاف سيارة أجرة بيده اليمين. نكتشف هنا أن الشارع غير مزدحم والسيارات تنطلق بسرعة جنونية. في سيارة الأجرة تظهر الصور التقليدية للسائق بشاب طائش يسخر من المسرح في زمن الموت والضياع. في هذه الأثناء نشاهد لقطات تتكرر بحذافيرها لجمهور جالس في انتظار العرض المسرحي. ثم ننتقل إلى مخرج العمل المسرحي وهو قلق. نعرف بعدها أن البطل هو ممثل المسرحية الرئيس وقد تأخر عن العرض. وبعد اطالات لا يسمح بها الفلم القصير عادة، يقترح مخرج المسرحية على احد الشباب أن يقوم بالدور. وهنا واحدة من أهم نقاط ضعف السيناريو أو الإخراج. قد كان من المفترض أن يقفز الممثل البديل مباشرة إلى (الستيج) كي يمثل لأن الجمهور كان قد انتظر وقتا طويلا والموقف لا يسمح بأي تأخير وإلا لماذا يضطر المخرج المسرحي إلى الاستنجاد بالممثل البديل! لكن ما شاهدناه هو جلوس الممثل البديل بكل برود أمام المرآة وقيامه بالتمشيط والتمشيط والتمشيط. وقد ظل الممثل يمشط بهدوء وعلى اقل من مهله. ظل الممثل يعيد الحركة تلو الحركة، بينما ننتقل إلى معاناة بطل الفلم مع الحارس الأمني المبالغ في تصوير فجاجته. وبينما يستمر الممثل البديل بالحركة البطيئة المملة يدخل البطل ويبدأ العرض (المتخم بأخطاء مخارج الحروف) الذي نفاجأ أنه من مسرحية (في انتظار كودو) مما لا نجده مبررا بالقياس إلى عنوان الفلم (طائر التم).
ينتهي الفلم بتصفيق غير احترافي يحيي كادر العمل المسرحي الذي يقوم بتحية الجمهور بطريقة غير مسرحية ولا احترافية.. مما يؤكد سمة الاهمال الطاغية على الفلم منذ البدء مرورا بمشهد (الكية) والممثل البديل والعرض المسرحي انتهاء بتايتل الختام.

فلم الحاجز: تشويه الالتقاطة الموحية..
فكرة لقاء عاشقين والعراقيل التي قد يتعرضان لها في الزمن الحالي هي محور الفلم. المفارقة أن اللقاء يتم بالقرب من العوازل الكونكريتية التي أصبحت واحدة من معالم بغداد الحضارية المألوفة بعد 2003. في الفكرة إدانة لسدنة الوضع الحالي بطريقة غير مباشرة. وبينما نتابع البطل في رحلته، نجد فتاة جميلة متلفعة بالعباءة تنتظر حبيبها. يلتقيان ويبدأ الغزل والتهكم من مكان اللقاء والحلم به وقد تحول إلى حديقة جميلة. في هذه اللحظات، يظهر رجل ملثم في سيارة وهو يحرك رأسه صعودا ونزولا متوعدا بالحبيبين. يكتب الحبيب ذكرى على الحائط تحمل اسميهما ويغادران. ينزل الرجل الملثم ويكتب (ممنوع لقاء العشاق والأحبة وإلا) على المكان نفسه الذي كتبت عليه الذكرى. يعاود العاشقان لقاءهما ويقرآن المكتوب على الجدار. ينفعل البطل ويطلب من حبيبته الذهاب. وفي لقطة غريبة يأتي رسام تشكيلي ويبدأ بالرسم على الجدار. هناك باب يمكن فتحه في الجدار. ورغم المعنى الايجابي كمعادل للسلبي المتمثل بالملثم إلا أن الإقناع غائب عن هذه الشخصية. حتى اللقطة الأخيرة التي تظهر الجدار يمتد إلى الأفق والعاشقين يمشيان كل في جهة لا تبدو مبررة على الإطلاق. الفلم برمته يجري في مكان تفصله عن الشارع العام مساحة خالية، وهو مكان شبه نظيف. فكيف تحول في المشهد الأخير إلى ملاصق تماما للشارع العام من جهة البطلة ومكبا للنفايات من جهة البطل. ولم نعرف لماذا وكيف تحول البطل إلى جهة الجدار الأخرى بينما لقاؤه بحبيبته تم في جهتها. التبرير الفني يغيب عن الفلم رغم أن فيه بعض الرشاقة سواء في السيناريو بشكل عام أو في التمثيل خاصة الفتاة التي بدت طبيعية للغاية. الميزة الاساسية في الفلم غياب التمهيد المنطقي للمشاهد ذات الطابع الرمزي مثل حضور الرسام، والملثم والمشهد الأخير.

قناديل القصب: سيادة الظلام..
في محاولة لاستثمار قصة روميو وجوليت، يأخذنا السيناريو إلى الاهوار ليكون مكان أحداث الفلم. وفي سلسلة طويلة من الإشكالات ينتهي الفلم نهائية مفجعة بانتحار البطلة وموت البطل.
السيناريو تقليدي جدا تم استهلاكه مصريا وعراقيا في أفلام سابقة ومسلسلات كثيرة. وهنا فقد الفلم عنصر جذب مهم وهو معرفتنا المسبقة لكل ما سيحصل. نقطة ضعف السيناريو هذه ألقت بظلالها على كل مفاصل العمل.
اتخذ الإخراج نمطا واحدا ولم ينوع مما أدى إلى وقوع الشكل الإخراجي في التكرار وغياب الجمالية التي يوفرها المنظر الريفي الخلاب. إن الكاميرا الثابتة التي يستخدمها المخرج على مدى الفلم قيدت إمكانياته تماما. من زاوية أخرى، يكاد موقع الكاميرا من الشخصيات أن يكون خاطئا في كل لقطة أما لوقوعه وجها لوجه مع مصدر الضوء أو لتغييبه ملامح الشخصيات أو لضمه لأشياء ينبغي تغييبها.. وقع المخرج في فخ التصوير الليلي مع عدم قدرته على توفير إضاءة مناسبة للمشاهد. فغاب الممثلون في الظلام ولم تستطع الإضاءة المستخدمة (كالفوانيس وبروجكتر السيارة) إلا أن تلقي ضوءا شحيحا على الجزء الأسفل من الجسد في أكثر من مرة. لم نتبين وجه البطل ولا البطلة ولم نتعرف على معظم الشخصيات وكأنه هروب من (البك الكلوز) أو (اللقطة الكبيرة).. سوء استخدام الإضاءة و (الوايد شوت) صنع مسافة كبيرة بين المشاهد والفلم لم تفلح اللغة ولا النهاية التراجيدية المصطنعة من تقليصها. لقد عرفنا البطل بغنائه المستمر وعزفه للناي، لكن المخرج أظهره بشكل غاية في السذاجة والاستعجال. في البدء جعلنا نستمع إلى شريط صوتي مسجل لمطرب حقيقي يمتاز بالتلوين والصوت الجميل و(العِرَب) المبالغ فيها. ثم صدمنا المخرج بصوت الممثل الحقيقي! لماذا لم يوحد المخرج الصوت باختياره الصوت الخارجي للمطرب المحترف أو الاعتماد على الممثل الرئيسي في الغناء؟ في مشهد يبدأ بغناء محترف مسجل ثم ينتقل إلى صوت الناي المسجل، وفي المشاهد الغنائية الأخرى يعتمد على صوت الممثل الرئيس غير المحترف وغير الجميل ثم ينتقل إلى صوت الناي المسجل، مما بدا التفاوت واضحا بين الحالتين وقلل فرص الإقناع.. ومما أدى إلى ظهور شخصية البطل بما يشبه الشخصية الورقية (الهزلية) في قصة أريد لها أن تكون مأساوية. لقد كان الغناء وعزف البطل للناي زائدا تماما، وكان بالإمكان اعتبار البطل شاعرا يلقي القصائد بطريقة غير غنائية. لكن المخرج أوقع نفسه في ورطة تجميع الغناء على العزف على الشعر في خلطة لم تخدم توجه الفلم.
مصيبة الفلم (كما هي مصيبة كل أفلام البرنامج) غياب الإقناع لوقوع المخرجين في أخطاء جوهرية. فبالإضافة إلى الإظلام الذي رافق الفلم، وبالإضافة إلى الانتقال الغريب من النهار خارجي إلى الليل خارجي والعودة إلى النهار خارجي، وبالإضافة إلى الزيادة في زمن اللقطات المؤدية إلى هبوط الإيقاع، وثبات اللقطة المتوسطة، وبالإضافة إلى عدم الإقناع في مخاطبة الفتاة لأبيها في بيئة ريفية بهذه الطريقة، وبالإضافة إلى غياب الانفعال (خاصة عند العاشقين) وبالإضافة إلى إهدار جماليا الهور، فإن الخاتمة بدت قريبة إلى الأفلام الهندية التجارية بامتياز.. حينما تجلب البطلة المسدس من مكان نجهله وتهدد بقتل نفسها، ثم تنفذ تهديدها، ونجد البطل بطريقة دراماتيكية يقع من على المشحوف ويغرق. هذه الربط السريع من دون مقدمات قد يؤدي بالمشاهد إلى الابتسام لا إلى الحزن على الفاجعة التي تقع أمامه.
من جهة أخرى لم يظهر البطل والبطلة كعاشقين. فطريقة تصوير البطلة وهي تجلس في معظم أوقات الفلم جلسة ريفية أوحى بترهل جسدها وبكبر عمرها، والبطل الذي لم تقترب منه الكاميرا أبدا ولم تصوره عن قرب لكشف مشاعره الداخلية عن طريق تعبيرات الوجه خاصة في مشاهد البكاء المتكررة بدا هامشيا تماما.. وعندما لا يقتنع المشاهد بالعاشقين في قصة حب فإن الفلم كله يقع ولا يعود له أي تأثير يذكر.
مقترح:
أخيرا، نقترح، ونرجو أن لا يكون الأوان قد فات، أن تكون هناك لجنة مشاهدة ما قبل العرض على شاشة السومرية تفحص الأفلام وتعيدها إلى مخرجيها في حالة وجود أخطاء لا تغتفر كما في فلم (طائر التم) و (قناديل القصب) وغيرها من الأفلام التي عرضت في البرنامج، لكي لا تعرض السومرية نماذج هابطة للسينما العراقية ولكيلا يضيع وقت المشاهد فيما لا طائل من ورائه..
ختاما:
في الوقت الذي نعاود التشديد على هذه الخطوة الجريئة والمدروسة لقناة السومرية وعلى أهميتها، نعاود التأكيد على إن استمرار هذا المشروع يعد ضرورة كي يستطيع المخرجون الهواة من اكتساب الخبرة اللازمة لتطوير السينما العراقية وإعادة الروح إليها من جديد خاصة وإنها خطوة في الاتجاه الصحيح وإن شابتها بعض الشوائب التي نتمنى تجاوزها في التجارب القادمة

Share |