الشورى والمعارضة/د. محمد ثامر

Wed, 29 May 2013 الساعة : 14:09

بما ان الحديث على اشده حول الديمقراطية والمعارضة واهميتهما في اعتدال راي الامة وضمان عدم انحرافها عن جادة الصواب, وفي ارجاء عالم يتشكل قد يبدوا من الضروري تذكير الامة بتاريخها علها تنهل منه .
في غزوة الخندق ـ ] سنة 5 ه [ ـ عندما ( اشتد على المسلمين البلاء ) ، بعد أكثر من عشرين ليلة من حصار المشركين للمدينة ، راودت الرسول (ص)، فكرة عقد معاهدة ( حربية ـ اقتصادية ) مع حلفاء قريش من ( غطفان ) وأهل ( نجد ) ، كي ينصرفوا عن حصارهم للمدينة وحلفهم مع قريش ، وذلك في مقابل ( ثلث ثمار المدينة ) ، ففاوض في هذا الأمر قائدي غطفان : عيينة بن حصن الفزاري ، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري . . واتفق واياهما ، وكتب لهما ( مسودة ) معاهدة بذلك.
ورغم أن رسول الله ـ ص ـ كان هو الإمام الحاكم القائد ، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، إلا أنه كان في أمور السياسة هذه ينفذ أمر ربه له ] وشاورهم في الأمر [ . . وكان الرسول يدرك ما للأنصار من خصوصية واختصاص في إمضاء هذه المعاهدة أو معارضتها ، فهم جزء من رعية الدولة ، وفق ذلك لهم ذاتية متميزة في إطار ألة السياسة ، بما حملوا من عبء تكوين الدولة ، وإيواء المهاجرين ونصرة الدعوة . . وأيضا باعتبارهم أصحاب الثمار التي سيحصل أهل ( غطفان ) و ( نجد ) على ثلثها لقاء فك حصارهم عن المدينة . . كان الأنصار ، إذن ، أصحاب مصلحة متميزة في شأن هذا الاتفاق ، فكان أن عمد الرسول ـ ص ـ إلى استشارة زعيميهم : سعد بن معاذ ] 5 ه / 626 م [ وسعد بن عبادة ] 14 ه / 635 م [ ( فقالا : يارسول الله ، هذا الأمر تحبه فنصنعه لك ؟ أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع ؟ أو أمر تصنعه لنا ؟ قال : بل صنعه لكم ، والله ما أصنعه إلا لأنني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ؟ . . فقال له سعد بن معاذ : يارسول الله ، والله لقد كنا نحن وهولاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه ، وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إلا بشراء أو قرى ـ ] أي ضيافة [ ـ فحين أكرمنا الله بالإسلام ، وهدانا له ، وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ؟ . . والله لا نعطيهم إلا السيف ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ؟ . .
وأمام هذا الاعتراض على مشروع المعاهدة ، والمعارضة السياسية في هذا الشأن السياسي ، نزل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسرورا ، على رأي جماعة الأنصار ، وعدل عن الرأي الذي سبق له أن ارتآه . . ( وقال لعيينة والحارث : ] قائدي غطفان ونجد [ : انصرفا ، فليس لكم عندنا إلا السيف . وتناول الصحيفة ] مشروع المعاهدة [ وليس فيها شهادة ، فمحاها . . . )
لقد قامت هذه الواقعة التاريخية ، وتقوم شاهدا على مشروعية المعارضة ، بل وعلى ضرورتها . فلقد سعى الرسول ، قبل إبرام المعاهدة ، إلى مشاورة أصحاب المصلحة ، ولم يكتف بانتظار مبادرتهم هم للمشاورة والمعارضة . . بل بحث عن المشورة والمعارضة في مصادرها وفي مظانها ؟ . . لأن هذا هو شأن السياسة والمعارضة السياسية في نهج الاسلام . . ولو كان الأمر ( دنيا ) لما كانت الشورى واردة ولا كانت المعارضة والاعتراض ؟ .
( انظر د. صالح بن عبد الله الراجحي , حقوق الانسان , الرياض , 1998, ص130.)

Share |