الدورالمطلوب لجهاز الادعاء العام/القاضي- ناصرعمران الموسوي
Wed, 29 May 2013 الساعة : 0:29

أثار طلب رئاسة الادعاء العام من رئيس مجلس النواب العراقي اتخاذ الإجراءات القانونية وفقا ً لاحكام المادة (72 /ج ) من الدستور العراقي النافذ الواجب اتخاذها وذلك في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية نظرا ً لمرور فترة طويلة على غياب فخامة رئيس الجمهورية الأستاذ جلال طالباني بسبب المرض استنادا ً لأحكام المادة (1) من قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 المعدل أهدافا ً ومبادئ ،الكثير من الجدل وسلط الضوء بشكل كبير على أهمية تفعيل جهاز الادعاء العام، ولعل الكثير من الأسئلة أرقت المهتمين بالشأن القانوني أكثر من الآخرين فبين مؤيد للطلب ورافض له شكل جهاز الادعاء العام متبنياته الجديدة وأخذ على عاتقه رسم طريق جديد لعمله والذي ظل لفترة طويلة حبيس الرقابة القضائية غير المدعمة بصلاحيات واسعة ضامنة لاستقلاليته
الرقابية.
إن تاريخ جهاز الادعاء العام العراقي يؤكد بأن هذا الجهاز عانى الكثير من التهميش بسبب المهمة الخطيرة التي كان من الواجب عليه القيام بها ، وبمطالعه الأهداف والمبادئ التي نص عليها قانون الادعاء العام يتضح لنا أن هذا الجهاز يهدف من خلال عمله إلى تحقيق -كما نص في المادة 1/ أولا - ما يلي : (حماية نظام الدولة وأمنها ومؤسساتها والحرص على الديمقراطية والمصالح العليا للشعب والحفاظ على أموال الدولة ) وجاء في ثانيا ًمن المادة ذاتها : (دعم النظام الديمقراطي الاتحادي وحماية أسسه) والسؤال المهم كيف يمكن لهذا الجهاز الذي يتضمن مثل هكذا أهداف مهمة وعظيمة كهذه أن يؤدي دوره ؟
إن الرؤية الواضحة والدقيقة لجهاز الادعاء العام والعمل على إيجاد نظام قانوني يدعم استقلاليته في ضوء المرحلة الجديدة هي أولى رؤى تفعيل دور الادعاء العام وبالتالي أداء دوره، فالادعاء العام جهة رقابية متسعة طبقا ً لأهدافها لا تنحصر ضمن الرقابة القضائية ،ولعل العلاقة بين جهاز الادعاء العام والجهاز القضائي بحاجة الى توضيح وتأشير ودعم في استقلالية الادعاء العام واستقلاليته تنطلق من البني التحتية لهذا الجهاز ونعني ان تكون له مؤسسة مستقلة وميزانية مستقلة وان لا تكون علاقته بالجهاز القضائي ماسة بدوره الرقابي .
لقد استشعر النظام الدكتاتوري السابق خطر الصلاحيات المهمة لهذا الجهاز فقام بما يمتلكه من أساليب استبدادية بعزل هذا الجهاز عن أداء دوره واقتصر دوره على تحريك الشكوى الجزائية مع أطراف آخرين وحتى في هذا الدور عانى من التدخل في عمله وساهم في ذلك،انه كان خاضعا لوزارة العدل (السلطة التنفيذية) شأنه شأن الجهاز القضائي ولأن دوره رقابي على عمل القضاء فقد تم النظر إليه بكثير من عدم الارتياح فعانى أيضا ً من هيمنة الإدارة القضائية ،وتجلى التهميش في الكثير من الأمور لعل أهمها أن المُعين في جهاز الادعاء العام كان يتقاضى راتبا ومخصصات ضئيلة مقارنة بأقرانه المعينين في العمل القضائي رغم إن الطرفين يتخرجون من المعهد القضائي أو يعينون بحسب الخدمة القانونية وهي أولى محطات الإحباط العملية التي مارسها النظام الدكتاتوري السابق للمعين بهذا الجهاز إضافة إلى صلاحيات مهمة ولكن بدون آليات إجرائية داعمة وساهم في ذلك وجود أعراف سائدة في العمل تؤكد هامشية عمل الادعاء العام، ولم يلتفت إلى التغيير واعتبار الادعاء العام قضاة يتقاضون ذات المخصصات التي يتقاضاها اقرانهم القضاة ، إلا بعد التغيير وبموجب القانون رقم (10 ) لسنة 2006 ،وبالرغم من ذلك ظل قانون الادعاء رهين رؤية إدارة السلطة القضائية العراقية التي ترى أن نظام الادعاء العام هو من أفضل الأنظمة في المنطقة دون أية رؤية تغييرية إصلاحية ودون الآراء الأخرى التي ترى ان هناك ضرورة لاعتماد نظام جديد للادعاء العام لاسيما ان هناك محاولات وصلت إلى وجود مشروع قانون لجهاز الادعاء العام وضعه إقليم كردستان وبالاطلاع عليه نجد بأنه تضمن الكثير من الرؤى العملية المتناسبة مع المرحلة الجديدة وأهمها نظام النيابة العامة واستقلالية الادعاء العام الذي يعزز من دوره الرقابي .
إن قانون إدارة الدولة الانتقالية -وهو أول دستور عراقي وضع بعد التغيير- لم يشر إلى ذكر جهاز الادعاء العام الأمر الذي يؤكد سريان ذات النظرة السابقة ،لذلك شرعت الكثير من القوانين التي تجاوزت على الصلاحيات الخاصة للادعاء العام ومن أهمها قانون هيئة النزاهة وبالرغم من إن الدول التي أخذت بنظام الادعاء العام الشبيه بنظامنا الحالي أحدثت الكثير من الإصلاحات التي أعطت فاعلية لدوره بل إن النظام القانوني للجهاز اقترب كثيرا ً من نظام النيابة العامة في بعض الدول الشبيهة بنظام الادعاء العام المطبق لدينا وعلى سبيل المثال اسبانيا فعلى الرغم من انه يخضع للسلطة التنفيذية إلا انه وبعد تعديلات كثيرة اضطلع جهاز الادعاء العام مع الرقابة المالية بدور كبير جداً في محاربة جريمة غسيل الأموال في اسبانيا وذلك عبر تشكيل جهاز يسمى (سبلاك ) يراقب حركة أرصدة الأموال وتحركها وحسابها لكل فرد في الدولة الاسبانية وهو الأمر الذي يعزز من قدرة الرصيد المالي وقوة النظام المصرفي وتفعيل دور الادعاء العام كممثل للهيئة الاجتماعية والحامي لأموال الدولة.
ان الحاجة مهمة وملحه لتشكيل مثل هكذا جهاز في العراق ،إضافة إلى تشريع قوانين تنظم أهداف جهاز الادعاء العام على المستوى القضائي :
أولا ً:تحقيق استقلالية الادعاء العام بشكل يؤمن وجود نظام نيابة عامة تؤدي دورها القضائي كجزء من حالة إصلاح المنظومة الجنائية .
ثانيا ً:تعزيز دور الادعاء العام في الدعاوى المدنية و الذي يجعله فاعلاً ومؤثرا ًفي الإجراءات ا لقضائية وإصدار الأحكام بما يؤمن التطبيق السليم للقانون وبالتعاون الفعال مع القضاء المدني .
وعلى المستوى الذي يحقق أهداف الجهاز فمن الضروري ان يقوم الادعاء العام وفق آليات معينة باتخاذ كل ما يحقق حماية نظام الدولة وأمنها و مصالحها والحفاظ على أموالها ودعم نظامها الديمقراطي الاتحادي وأسسه واحترام المشروعية وتطبيق قانون .
و نرى وطبقا لأهداف الادعاء العام فانه يمتلك مثل هكذا طلب والمقدم لرئيس مجلس النواب وان هذا الطلب يدخل في باب حماية نظام الدولة فنص المادة (72 /ج ) تسبقه إجراءات وردت في المادة (75/ثانيا ً/ثالثا ً ) والتي أكدت على أن يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند الغياب وعند خلو منصبه لأي سبب كان وعلى مجلس النواب بشكل ملزم انتخاب رئيس جمهورية خلال ثلاثين يوم من تاريخ الخلو.
إن منصب رئيس الجمهورية يمثل رمز وحدة الوطن وهو الراعي والضامن للالتزام بالدستور ،وان المرحلة التي يمر بها العراق مهمة جدا وتقتضي وجود و فعالية وجهود رئيس الجمهورية ،وبخاصة إن هناك فترة طويلة قد مرت على غيابه وان نظام الدولة وحماية أسس النظام الديمقراطي الاتحادي وتطبيق القانون واحترام المشروعية التي نص عليها الدستور تعد من أهم أهداف جهاز الادعاء العام التي تقتضي الطلب من رئيس مجلس النواب اتخاذ الإجراءات وإعلام ممثل الهيئة الاجتماعية الذي على ضوء رد مجلس النواب يمكنه معرفة منصب رئيس الجمهورية هل يدار من قبل نائب رئيس الجمهورية وما هي صفة الإدارة ؟ للغياب أم لخلو المنصب وعندها يتم التأكد من أن هناك تطبيقا سليما للقانون من
عدمه. إن القيام بهذا الإجراء ليس تجاوزا ً على مبدأ الفصل بين السلطات كما أشار بعض النواب وإنما هو من صميم عمل الادعاء العام والذي يفترض أن تكون علاقة العمل بين الادعاء العام والسلطة التشريعية قوية ويفضل أن يكون هناك عضو ارتباط بينهما حيث أن أهداف الادعاء العام وفي المادة( 1 / خامسا ً) تنص :على إسهام الادعاء العام في تقييم التشريعات النافذة ومعرفة مدى مطابقتها للواقع وهو أمر يستدعي عرض التشريعات التي يرى الادعاء العام بأنها غير مطابقة للواقع المتطور،كما أن (الفقرة سادسا) تمنح الادعاء العام تقديم المقترحات العملية في حالة رصد ظواهر إجرامية وإيجاد الحلول لها وربما تكون الحلول في تعديل أو تشريع قوانين جديدة ،كما إن إسهامه في مجال حماية الأسرة والطفولة يقتضي أن يكون على تماس مع التشريعات المقترحة في مجلس النواب والتي تهم الأسرة والطفولة ،وبالمقابل من ذلك على جهاز الادعاء إعداد قانون للادعاء العام يضع آليات قانونية مهمة لتحقيق أهدافه ويضعه أمام الاستحقاق القانوني السليم للمرحلة الجديدة والتي يكون فيها الفاعل والمؤثر كممثل للهيئة
الاجتماعية