قصر بني مقاتل ( سلسة تلول الأخيضر )/الباحث الأثاري أباذر الزيدي

Wed, 29 May 2013 الساعة : 0:27

يصب وادي الأبيض الآتي من العربية السعودية في الطرف الجنوبي من بحر الملح على الحدود الشرقية للصحراء العربية وتحت صفة الوادي الشمالي بعض التضاريس الترابية المتموجة في محيط قصر الأخيضر العباسي يسميها العرب ( تلول الأخيضر ) وترتسم في هذا التكوين الجيولوجي معالم حقل أثري لاتكاد تلحظ وهو ذو أبعاد تبلغ حوالي ( 220 × 170 م ) ترتفع في وسط هضبة مربعة الشكل .
         ينظر إلى سلسة تلول الأخيضر ، الواقعة على بعد ستة كيلو مترات شمال قصر الأخيضر في قضاء عين التمر ضمن الحدود الأدارية لمحافظة كربلاء المقدسة ، على أنها صلة وصل هامة من الناحيتين التاريخية والعمارية بين فترتي ما قبل الأسلام والأسلام المبكر . وقد نجح التعرف على هذه الخربة وأمكنت مطابقتها مع قصر مقاتل ( ينظر صورة رقم 1 )  . وينسب هذا القصر الى مقاتل بن حسان حسب رواية ياقوت الحموي ، وكان مقاتل من عشيرة الشاعر المشهور عدي بن زيد ، وكلاهما من قبيلة العباديين المسيحية في الحيرة . وتشير لوحتان صغيرتان وجدتا في الخربة وعليهما أشارة الصليب وبقايا كتابات باللغة السريانية الى معتنق صاحب القصر وعائلته . ويتوارد ذكر قصر بني مقاتل مراراً منذ منتصف القرن السادس للميلاد ، وكما يبدو فأنه كان يؤدي دوراً هاماً في تلك المنطقة فألقمة بن عدي وعمر وبن هند كانا يذهبان معاً الى الصيد ، ومرة أتى حاكم الحيرة النعمان الثالث الى قصر مقاتل ومعه الشاعر الحارث بن سالم ، كما ألتقى سيد الحيرة قيس بن قبيسة مع ملك الساسانيين كسرى الثاني قبيل معركة ذي قار . وكل هذه الروايات تجعلنا نستنتج أن فترة أنشاء قصر مقاتل يمكن تحديدها على الأغلب بحوالي منتصف القرن السادس للميلاد.
       تبدأ الكتابات الأسلامية بالظهور على جدران القصر بعد زمن معين . كما تم أيضاً بعد عام 715 للميلاد بناء مسجدين صغيرين خارج المبنى الرئيسي . كما تقول الروايات أن خالد بن عبد الله القسري قد مر بقصر بني مقاتل في سنة 21هـ / 739 م . بطريقه الى هيت والرصافة في سوريا . ويبدو أن الزخارف الجصية الموجودة في القسم الرسمي الأحتفالي تعود مع غيرها الى هذه الفترة ( ينظر صورة رقم 2 )  ، ومن الملاحظ أن النماذج الزخرفية المستخدمة متطابقة مع بعض تشكيلات العصر الأموي . كذلك تم تأريخ ما وجد من زخارف وزجاج في الفترة الأموية ، كما تعود النقود المعثورة عليها الى فترة مطلع الأسلام ( ينظر صورة رقم 3 )  .
      ويقول خبر تأريخي أخر أن عيسى بن علي عم اول خليفة عباسي أبي العباس السفاح أمر بهدم قصر مقاتل بغرض أعادة أعماره من جديد في السهل الواقع الى الجنوب منه : قصر الأخيضر العباسي ويشبه ما كشف عنه حتى الأن من هضبة تلول الأخيضر المركزية في بنياته الحصون والقصر الصحراوي التي سمحت أعمال المسح الأثري المختلفة بالتعرف عليها ، ونرى فيها البناء الرئيس مؤلفاً من سور خارجي تحصنه الأبراج نصف الدائرية في وسطه ثلاث أرباع دائرية في زوايا المبنى . كما أستند على الأسوار في الداخل صفوف مزدوجة من الغرف المتحلقة حول فراغ مركزي نجد على أمتداد محوره جناحاً رسمياً مميزاً يتألف من صالة الأعمدة التي يتلوها فراغ أخر ذو توجيه عرضاني ولا يمكن في هذه المرحلة من البحث بعد الحديث عما أذا كان هناك صالات متشابهة لهذه في جهات الباحة الأخرى .
    أما صالة الأعمدة الدائرية فمتميزة ليست فقط بتشكيلها المعماري ، بل أيضاً بزينتها الزخرفية . وتقوم صفوف الأعمدة بتقسيم الفراغ الى ثلاثة مجازاتها الأقواس ويدعم طرفهما نصفاً عمودين دائرينين يبرزان من الجدار الخلفي للصالة ويقومان بدوريهما على بروزين جدارين ويبلغ مجاز القسم الأوسط من الصالة ( 60,4 م ) بينما يبدو بالمقارنة عرض مجازي الجناحين الجانبيين البالغ ( 50,1 م ) ضيقاً نسبياً . أما العمودان الأولان فيتوضعان على حدود الباحة تماماً ذات المنسوب المنخفض قليلاً . كانت الجدران الطويلة للصالة المزينة برسومات جدارية ، تلتها لا حقاً زخارف جصية . اما الجدار الخلفي للصالة فكان غنياً بتشكيله المتميز من التراتب في عمق وبروز العناصر ،كما أن الأقواس الرابطة بين الأعمدة كانت أيضاً ذات أشرطة من الزخرفة الجصية . وأغلب الضن أن الأجنحة الجانبية والوسطى كانت مسقوفة بقبوات أسطوانية جعلت الجناح المركزي يرتفع سقفه ( 8 م ) عن سطح الأرض تقريباً .
         يؤدي باب موضوع في محور تناظر الصالة الى غرفة خلفية توجد فيها باكية قليلة العمق محفورة في الجدار الخلفي . وفيما عدا الجانب الداخلي للباب والذي توجد عليه زخارف جصية ، فان ما تبقى من الغرفة خال من الزينة النافرة ولا يحتوي سوى رسومات بالأبيض والأسود .
      أسفرت الحفريات أيضاًعن كشف جناح خدمي خارجي نطاق البناء الرئيسي وتظهر صلته بالقصر من خلال الزخارف الهندسية الملونة والبارزة وقد تعرض المبنى الرئيسي المربع على مر الأيام لعدة تغييرات ففي مرحلة بناء أولى تم تشييد المبنى وأستخدامه وذلك تنفيذاً لتصور موحد للمسقط والتشكيل  وبعد تغيير في الملكية ظل المبنى على وظيفته وأقتصرت التعديلات المعمارية المنفذه على مظهره الخارجي فحسب . لكن الأكساء الداخلي أظهر تحولاً في الذوق نحو نمط جديد حيث أضيف زخارف جصية على الأجنحة الرسمية كما أعيد تلبيس القصر بأكمله وتلبس الأعمدة بشكل أملس ورفع مستوى أرضية الصالة قليلاً . ويبدو أن القصر قد هجر في نهاية مرحلة الأستخدام هذه وبقي فارغاً لفترة من الزمن أما بعد ذلك فقد طرأ تحريف على وظيفة البناء ودخلته وظائف غريبة ، فقسمت الفراغات الكبيرة الى سكنية صغيرة تحتوي على مواقع للطبخ وأفران للتدفئة وحفر في الأرض للمؤونه وبعد هذه الفترة هجر الموقع كليه وهدم بشكل كامل عن سابق قصد وتصميم .
          وأخيراً هناك أمر جدير بالأشارة ، فقد ذكر الدكتور أحمد صالح العلي في ( مجلة سومر 21 / 245 ) أن عيسى موسى صار أليه قصر بني مقاتل بن حسان بن ثعلبة ، وهو القصر الذي صار أليه الأمام الحسين بن علي ( عليه السلام ) سنة 61 هـ وكان فيه عبد الله بن الحر الجعفي حيث دعاه الأمام ( عليه السلام ) لنصرته فأبى .  من المنطقي والمرجح أن تنسب مرحلتا التشييد وأعادة تشكيل الداخل لنفس الشخصية التاريخية التي سبق ذكرها ، أي مقاتل بن حسان ، أو بشكل أعم لاْهل فجر الأسلام . أما تحويل القصر الى مأوى سكني مؤقت فربما يكون قد تم لاْيواء العمال الذين كانوا يعملون على تشييد قصر الأخيضر . وبعد الأنتهاء من أعمال بناء القصر الجديد فقط أصبح وجود قصر مقاتل على مقربة منه وضمن مجال نظرة مصدر أزعاج فتم هدمه عندئذ .

المصادر المعتمدة في البحث :

الزيدي ، أباذر راهي سعدون ، حصن الأخيضر دراسة في ضوء التحريات والتنقيبات والصيانة الأثرية ، مجلة العميد  ، العددان الأول والثاني ، كربلاء المقدسة ، 2012 ، ص 574 ومابعدها .
أحمد صالح العلي،"منطقة الكوفة "، مجلة سومر، مج 21 ، مطبوعات الهيأة العامة للآثار والتراث، بغداد، 1965 ، ص245.

Barbara Finster-Jrgen Schmidt, Sasanidische und frhisla-mische Ruinen im Iraq – Tulul el-Uhadir,Baghdader Mittelungen 8, 1976, 50-150.
Deutsches Archäologisches Institut Orient-AuBenstelle Baghdad, 50 Jahar Forschungen im Irak 1955-2005,p.77-79.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( صورة رقم 1 )  قصر بني مقاتل - مخطط مبسط للمبنى الرئيسي

 

 

 

 

 

 

 

 

( صورة رقم 2 )  نماذج من الزخارف الجصية المكتشفة في قصر بني مقاتل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( صورة رقم 3 )

قصر بني مقاتل ( سلسة تلول الأخيضر )/الباحث الأثاري أباذر الزيديقصر بني مقاتل ( سلسة تلول الأخيضر )/الباحث الأثاري أباذر الزيديقصر بني مقاتل ( سلسة تلول الأخيضر )/الباحث الأثاري أباذر الزيديقصر بني مقاتل ( سلسة تلول الأخيضر )/الباحث الأثاري أباذر الزيدي
Share |