لو كان " مترنيخ " في بغداد لانتحر/محمد علي مزهر شعبان

Sun, 26 May 2013 الساعة : 23:33

في مقال لكاتب امريكي يصف فيه المالكي " مترنيخ في بغداد " ولكن ما يثير الاهتمام في التشبيه ، ان ميرنيخ واجه مشاكل خارجيه دون اي ازمات داخليه وهذا خلاف في التشبيه . وذلك حين تلخصت سياسته وتركزت جهوده حول المحافظة على توازن القوى في أوروبا بحيث لا يميل إلى مصلحة أى من دول التحالف. هذا المبدا لسياسي أدرك أن داخله قويا متماسكا مندفعا وراء قائد ، عرف مقادير القوى حوله ، فأنطلق من ذلك الداخل المتراص الصفوف المتوحد الرؤى ، في وحدة الامبراطورية النمساويه. وهذه الانطلاقه التوسعية فرضت عليه باديء الامر وكوقاية لهذه الانطلاقه، أنه إذا ما حافظ على مسافة متساويه من جميع الامبراطوريات وخاصة فرنسا وروسيا ، فإن ذلك سوف يمنحه قدرا كافيا من حرية الحركة والمناورة للحفاظ على المصالح النمسوية.
هذا المبدأترسخ كركيزة أساسية للنظام السياسي الأوروبى طوال القرن التاسع عشر . وجه المقارنه مختلف على الارض بين ما يجري في العراق وبين حقبة مترنيخ ، الا تقاربا في بعض الجنبات وهو الفكر في ادارة ومواجهة الازمات ، رغم اختلاف ابعادها الزمانيه واختلاف الاهداف . رجل يحارب في جعل امبراطوريته تزحف لتنهش وتحتل الاخريات ، والاخر يريد ان يلم شتات وطن ، فيه من المشاكل التي تختلف عما جرى في القرن التاسع عشر ، ربما يلتقي المالكي على سبيل الفرض مع " بسمارك" حين وحد الولايات الالمانيه بموهبته في طريقة ردود الافعال على الاحداث وتحويلها ميزة للصالح العام ومن خلال كلمة مأثوره لبسمارك يقول " كلما زادت قوتنا قلت احتمالية الحرب " فبين من اتجه الى ان يفرض سيطرته على الامبراطوريات بذكاء ، ومن جمع شتات امة اضحت اقوى الدول وهي المانيا ، لكن الازمة عند رجل في العراق يريد ان يضع حلا لشعب يتناحر ويتقاتل فيما بينه ، وكل عصبة فيهم كأنها امبراطوريه .

لنتوقف قليلا عند ابعاد التحليلات الامريكيه وعلى ضوء ما طرحه الكاتب حول شخصية نوري المالكي، فبين من يعده شخصا تمكن من " اللعب على الحبلين" الاميركي الايراني في وقت واحد، يرى آخرون انه شخص طائفي موالٍ لايران. وهناك من يراه "رجل " اميركا في العراق وانه ينفذ سياسات محددة. والسوال هل هذا فنا في ادارة امور الحكم حين تقف على مسافة واحده من جميع الاطراف ويحتار المحللون فيك ، ام انها طبيعة السياسة الواقعية الخطره على ارض هذا الوطن ، حين تتلف كيانات حول هذا الطرف ، واخرى تساق باجندة طرف اخر ؟
كلنا ندرك موقف هذا الرجل يوما ، وداخل اقوى بيت حكم في العالم ، وامام اعظم رئيس دولة في حاضرنا اليوم ، حين اختلف موقفه مع امريكا بشأن القضية السوريه ، وحين كانت كل الاحتمالات ، تقدر ان ذهاب الاسد لا يمتد لشهرين ليس الا ، واذا بهذا الرجل الذاهب الى امريكا بحالها وعظمتها في التقدير والتحليل والاستخبار والقدرة على تعجيل ماهو راكد ، وزراعة الارض بالقنابل الموقوته ، يقول للعالم " اعطيكم سنتين " والكاتب نفسه يقول في مقاله " ان المالكي لا يعتبر الاسد صديقا او حليفا.
هل هي نبؤة ام قراءة هو ذا السؤال ؟ ولكن حين تقف على مسافة واحدة ، ليس من باب ان تلعب بالتكتيكات على حساب الاهداف وستراتيجيتها ، انما اللعبة في ان لا ينأى في بلدك فصيل او قومية او طائفة ، باتجاه تعميق الخطى نحو الانفصال والابتعاد لتكون قوى بررت ابتعادها من خلال ميول من يحكمها لهذه الاجندة او تلك ، ولان الهدف هو الوطن وشعب الوطن ، والتجربة السياسية المهددة من جميع التجاذبات الاقليمية ، وادواتها المحلية .
المالكي وان بدى لك انه لم يكترث للايدولوجية القومية ، فبدون شك على ارض وطنه تسكن قوميات اخرى ، كردية وتركمانية وغيرها ، ولانه لم يستخدم الميول الطائفية ، وان اتهمه الطائفيون بهذا السلوك ، ما هي الا جعجعة فارغه ، ومن يريد التحقق من ذلك حين قال " كركوك عراقيه" فلو اراد الذهاب مع طائفيته لارضى الاكراد ، وجعل اوارها بين الكرد والعرب السنة " ويا سعود جنك ما غزيت" حينما يكسب حليفا قويا مثل الاكراد .
فسيدي الكاتب وان كان عنوانك ان "مترنيخ " في بغداد لتؤسس في ما دفن من نوايا في سطورك ان الخبث السياسي الذي مارسه هذا النمساوي يلتقي برؤية المالكي في ادارة الازمه . اقول لك ان مترنيخ بنى امبراطورية هي الاعظم في زمانه ، وانه هو الاجل الاكبر احتراما بين اقرانه ، وان قارنت المالكي في طبيعة النزوع فعليك ان تدرك ان الفا مثل مترنيخ لا يستطيع أن يقود فصائل وكتائب وائتلافات وكتل وميليشيات ، وصفوف الوعث منها والسلاب والعلاس والذباح واكلي الكبود ، والمرتبطون والمنساقون الى حمد وموزته المبجله والسلطان العثماني الجديد ، وباعثة التشويه لرسالة الرحمة ، مملكة الوهابية
صدقني لوقف مترنيخ وبسمارك اجلالا لهذا الرجل ولمسحا سجلهما السياسي في فن اللعبة .

Share |