لناصرية.. تقرع جرس الأنذار/طاهر مسلم البكاء
Mon, 20 May 2013 الساعة : 0:29

لايختلف اثنان على ان للانسان روابط متينة مع المدينة التي يعيش فيها طفولته و ذكريات العمر ، فكيف اذا كانت الناصرية ، التي لأسمها ايقاع ونغم خاص على مسامع اهلها وهي مدينة العلم والادب والفن والابداع والفرات والتاريخ .. وبروز مكانتها في نفوسنا يظهر جليا ً ان ابتعدنا عنها لأيام فنحس بالشوق والحنين اليها .
ومع انها كانت محط اهمال واغفال متعمدين في العهد السابق ، غير ان أهلها كانوا صابرين محتسبين وكانت تحسب بضمن المحافظات المناوئة للنظام السابق ،واليوم وهي تدار من قبل ابناءها ، فالأمل يكبر في تعويض ما مر بها من حرمان ،اننا اليوم نطمح ان نرى مدينتنا اجمل مدن الأرض ، وهذا ليس صعبا ً و لسنا طالبي المستحيل والناصرية تمتلك كل مقومات الجمال ،انها أشبه بفتاة ريفية فائقة الجمال ولكنها تفتقد العناية الحديثة والأهتمام التي تبرز جمالها كما تفعل بنت المدينة ، فالفرات الذي يغفو حالما ً في منتصفها يزيدها رونقا ً وتمتد على جانبيه بساتين النخيل الرائعة في مناظر خلابة لشدما كانت ملهمة ً لمخيلة الشعراء والمبدعين .
ومع شديد الأسف نجد أن الأهتمام بمحافظتنا لا يوازي ما تمثله كمحافظة تعد الرابعة من حيث تعداد السكان بعد بغداد والموصل والبصرة ،فهي وفق احصاءات العام 2011 م المحافظة الثانية من حيث مستويات الفقر ،وليس هذا فقط فمن المعلوم إن المحافظة كانت مسرحا ً للعمليات العسكرية في عام 1991 – 2003 وجربت فيها مئات الأطنان من مختلف الأسلحة المحرمة دوليا" وظهرت وتظهر إصابات غريبة على سكانها ،كما كان للتدمير الواسع التي تعرضت له مرافقها العامة كمحطات الطاقة والجسور والطرق والمنشآت الصناعية والخدمية والبنى الأرتكازية الأخرى ، الأثر الكبير على الحالة الاقتصادية لسكانها ،ناهيك عن أنها كانت قبل هذا قد تعرضت لحصار من النظام الصدامي وإهمال كبيرين وخاصة في السنوات الأخيرة التي سبقت سقوط النظام ،وأدى انحسار مياه الاهوار سواء ذلك الذي كان بشكل متعمد من قبل نظام صدام أو ذلك الذي لحق بفعل انخفاظ مياه دجلة والفرات بسبب السدود التي تنشأها تركيا على منابع الأنهر أدى إلى تضرر مناطق واسعة من المحافظة وهجرة أهلها إلى مناطق أخرى , والى هذا اليوم تستمر هجرة الشباب في هذه المناطق بحثا عن العمل .
كما يشكو مسؤوليها من تزايد حالات الطلاق والتي يعود اغلبها إلى الحالة الاقتصادية والى عدم توفير السكن وقلة فرص العمل كما إن المحافظة تتصدر المحافظات في عدد الأرامل .
نتائج الأنتخابات رد فعل يجب ان يدرس جيدا ً
ــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد كانت الأنتخابات الأخيرة جرس إنذار يقرع بقوة ( واللبيب من الأشارة يفهم ) وان الأنتخابات البرلمانية قد تكون الأهم ، فقد كانت النتائج تقول اننا لانزال نعيش الحرمان القديم والتمييز ذاته . وان مسؤولينا لم يفعلوا ما عليهم فعله ،وفي نظرة عامة على المدينة :
- نجد جانبي النهر داخل المدينة شواطئ جرداء بعكس ما هو مطلوب حيث يتوجب أن تكون تلك الشواطئ أجمل ما يكون وموشاة بالخضرة وانواع الأشجار والشجيرات وأن تستغل تلك الشواطئ الطويلة لأنشاء كازينوات وأماكن راحة للعوائل التي نراها مع الأسف في المناسبات تفترش الأرض أو تبحث عن مكان لائق لتمضية استراحة مناسبة ، وسيكون من جانب آخر مصدر دخل للدولة ومدينة يتوسطها الفرات ليس صعبا ً ان تكون هي ومحيطها خضراء ،كما أن جانبي النهر يمكن ان تستغل لأعطاء مسحة جمالية كبيرة للمدينة وتوفير مكان راحة تلجأ اليه العوائل ، وقد ينجز هذا بفتح مجال الاستثمارللمتمكنين من مواطني المدينة ،إذا كانت الدولة قاصرة ، وهذا الطموح يضاهي توفير الخدمات الاساسية ، بل هو يسير جنبا ً الى جنب معه ، فالشوارع يتوجب ان تكون واسعة و معبدة ونظيفة يتوسطها أو على جانبيها أو كلاهما معا ً الاشجار والشجيرات والورود والارصفة منضدة بجمالية ونظيفة، ان انتشار بساط الخضرة والنبات بانواعه يؤثر في نظافة الارض والهواء ونفسية الناظر،ويجب ان ننتبه الى ان شارع ابراهيم الخليل ومجسريه هما المشروعان الواضحان اللذان تم انجازهما منذ عام 2003 وأن المدينه تعاني اختناقا ً واضحا ً ، كما يمكن ان تكون الابنية بألوان مختارة تنتشر في وسطها الساحات العامة الخضر ، وتلك الساحات موجودة في التخطيط الأساسي لاغلب الاحياء غير أنها مهملة فنجدها أما خالية أو مليئة بركام الأزبال في وقت تحسب ايرادات البلدية بأرقام ضخمة لانعلم الى أي جهة تذهب ،أليس من الأولى ان تستغل في اعمار وتجميل المدينة ؟ ، ونعجب عما نسمعه من تصريحات من ان شواطئ الفرات لايمكن التصرف بها كون حق التصرف بها يعود للجهة الفلانية ! ،واذن الى متى نبقى في هذا الأهمال والتخلف والى متى لاتستطيع الدولة من جمع أي أطراف متنازعة على مائدة واحدة وفرض ما يناسب ويفيد المدينة وسكانها ويغيير وجهها ، وهذا ما يحصل اليوم لمشاريع تعود بالنفع على المدينة وأهلها بحجة أن الأرض الفلانية تعود الى عشائر آل فلان ،ويجب ان لايفهم من كلامنا اننا ندعو الى إغتصاب اراضي الغير واقامة مشاريع عليها ولكن الدولة تستطيع تعويض الملاّك الحقيقيون اذا اثبتوا ملكيتهم للأرض بوثائق رسمية ، ومن الخطأ أن يترك المقاول أو المستثمر لمصيره من النجاح أو الفشل ، يجب أن تسـن قوانين لمثل هـذه الحــالات تحــدد العلاقة وتعوض اصحاب الأرض .
ونحن الى الآن لم نتمكن من الأستفادة المثلى من الأماكن العامة الموجودة في المدينة ، فمدينة الألعاب لايمكن ان تقصدها الناس الاّ بالمناسبات بسبب الأسعار العالية وخاصة بالنسبة للعوائل التي لديها أطفال ، ومع مواردها الجيدة فان الزائر يلمس ان الأهتمام بدأ يقل بساحاتها وتوفير الخضرة بداخلها،أو أي تحديث أو تطوير لآلياتها ، ويظهر ان الأمر يعود لمزاج المستثمر وليس هناك متابعة مستمرة من الجهات المسؤولة ، اما المتنزه الذي يشكو الأهمال الكبير بحيث ان واقعه قبل ثلاثين سنة هو أفضل بكثير من واقعه اليوم وهذه مفارقة تثير الأستغراب تدل على اننا نعود الى الوراء ولانتقدم ، ويخشى الأهالي ان يعطى لمستثمر بنفس ضوابط مدينة الألعاب فيصبح من العسير على العوائل متوسطة الدخل والفقيرة دخوله ،والمتنزه يحتل مكان رائع على انعطافة جميلة لنهر الفرات وبالتالي لو صمم بشكل جيد سيكون مكان رائع لمنتجع سياحي حديث تلجأ اليه العوائل حتى من غير الناصرية .
والتراب مشكلة مزمنة في مدينتنا حيث أنه يملئ أجواء المدينة ولايفارقها الاّ في يوم المطر ،ما يلبث ان يعود حال ظهور الشمس لعدم وجود اعمال تنظيف حقيقية . كما أن أزدياد اعداد السيارات يعمل على تطاير هذا التراب بأستمراروطيلة فترة النهار ما دامت هذه السيارات متحركة ، والعلة ليس في حركة السيارات ولكنها في أعمال التنظيف ، فليس هناك تنظيف بالمعنى الحقيقي للشوارع ،فلا غسل ولاأزالة للاتربة التي تتراكم على جانبي الطريق ،حيث أن كادر التنظيف العائد للبلدية يقوم بتنظيف الاوراق والاوساخ البارزة ولاعلاقة له بأكوام التراب أو الطين فهو غير داخل في واجباته أو ليس من اختصاصه كما يبدو !
ان هذا ما يجعل جو المدينة ملوثا ً وسببا ً لامراض تتصدر فيها المدينة أغلب المحافظات مثل الربو والحساسية وامراض العيون ...ونعتقد أن ما تصرفه الدولة لتوفير علاج هذه الامراض يمكن أن يقل بمقدار كبير أذا كان هناك أهتمام بالواقع البيئي داخل المدينة .
وقد يقول قائل ان جو المدينة يتعرض لغبار جوي من خارج المدينة ، وهذا صحيح ولكن نسبته أقل بكثير قياسا ً الى التراب الداخلي المتطاير من داخل المدينة وفي شوارعها بالخصوص ،كما اننا بمقدورنا الاهتمام بالحزام الاخضر للمدينة لتقليل تاثير الملوثات الخارجية ، وهذا الحزام الذي بدأ يختفي بالتدريج متحولا ً الى احياء سكنية بسبب سياسة الدولة القاصرة في معالجة مشكلة السكن بصورة واقعية وصحيحة حيث أن بيوت المدينة القديمة تزدحم بثلاثة أو اربعة عوائل تسكن الدار الواحدة .
وما نريد ايضاحه هو ان بمقدورنا التخلص من نسبة عالية من التراب أذا قمنا بتنظيف شوارعنا تنظيفا ً جيدا ً ومستمرا ً باستخدام اليات حديثة وبمساعدة المواطنين حيث ان كل مواطن مسؤول عن جزء الشارع المقابل لبيته وقيام البلدية بالاهتمام بالحدائق الوسطية والتي اخذت في الاونة الاخيرة تقوم بفرشها بالبلاط فتريح وتستريح ! .
الحدائق
ــــــــــــ
من المؤسف ان لانرى احدا ً يعترض على الغاء الحدائق او اهمالها مع ما لها من اهمية كعامل بيئي ومسحة جمالية تضاف الى المدينة ،نعتقد ان الحدائق بحاجة الى اهتمام وتعيين كوادر متخصصة للاشراف عليها ويمكن اعطاء كل حديقة ،سواء كانت وسطية أو حديقة عامة لفلاحين يتقاضون راتب من الدولة مقابل العناية بها ، وهذا متبع في اغلب دول العالم وعواصمها الجميلة ،ولايقتصر واجب الشخص الذي يعيين مسؤولا ً للحديقة على الزراعة والسقي ولكن واجبه يتعدى ذلك الى الاتصال بالاجهزة الامنية اذا تعرضت شجيرات الحديقة وأسيجتها للعبث ،ويمكن إيصال شبكة مياه لسقي الحدائق يكون مصدرها نهر الفرات فلا تكون عبأ على شبكة مياه الشرب .
وفي الاحياء التي لاتزال شبكة المجاري فيها مؤجلة ، يمكن أحلال الانابيب محل السواقي الآسنة كحل سريع ريثما تتمكن أجهزة الدولة من ربط كامل المدينة بشبكة المجاري .
ان آليات الدولة يمكن ان تسهم بجهد رائع في تغيير وجه المدينة ونعتقد ان ذلك جزء من التواصل اللذي ينشده المواطن من اجهزة الدولة وهذا بدوره يقلل من حالات اللا مبالاة والسلبية التي تصدر عن المواطن نتيجة لما عاناه في العصور القديمة من اهمال .
الزحام
ــــــــــ
الزحام ،سواء في شوارع المدينة أو على جسورها والذي أصبح أمر لايحتمل ، فهو اضافة الى المضايقة الكبيرة للمواطن وعدم قدرته على قضاء اشغاله بيسر فأنه سببا ً للعديد من الحوادث التي تقع يوميا ً ،ويستدعي معالجة جادة وسريعة في مدينة كبيرة تتوسع وتنمو بسرعة ،ودراسة حالات الجسور على نهر الفرات والتي هي الأن بواقع مزري وهي عرضة ،في أي وقت ، لحوادث كارثية لا سمح الله ،كما انها تتعرض الى اهمال من شرطة المرور أيضا ً حيث تترك السيارات التي تزدحم بسبب رداءة الجسور لأجتهادات السواق انفسهم مما يولد ارباك كبير وزحام خاصة اوقات الدوام ،ومن الغريب ان نجد جسر بممر واحد يستخدم كجسر ذو ممريين في تزاحم واضح وخطورة .
واخيرا ً فهناك الكثير مما يقال ولكننا نختصر فنقول : هل ان تحقيق الأماني ممكن أم أنه ضرب من الخيال ؟ ،انه ممكن كون الجميع متعطش اليه ،فبقليل من الهمة والحافز والاستخدام الامثل للأمكانيات المتوفرة يمكن ان تكون مدينتنا الاجمل .