دور المرأة العراقية القديمة في ضوء أرشيف مدينة گرشانا/أباذر الزيدي
Wed, 15 May 2013 الساعة : 0:09

حديثاً تم نشر ما يقارب ألفاً وخمسمائة واثنان وسبعون تابليت ( رقيم ) لا يعرف الطريقة التي خرجها بها النصوص سوى أنها خرجت بطريقة الحفر العشوائي ( الغير علمي ) وهذه النصوص بعد دراستها من قبل الباحث ( David Owen ) من جامعة كورنيل الأمريكية ( CUSAS 3 ) تبين أنها تعود إلى مدينة سومرية تدعى " گرشانا " ومعنى أسم المدينة هو ( الحامية العسكرية ) وأما النصوص المسمارية فهي تغطي الفترة الزمنية الممتدة من حكم الملك ( شوسين ) ثالث ملوك سلالة أور الثالثة ( 2114 – 2004 ق.م ) إلى مدة حكم الملك ( أبي سين ) رابع ملوك سلالة أور الثالثة وهي تلقي الأضواء على هذه المدينة السومرية المهمة التي تعود إلى مقاطعة أوما وعلى الرغم من أن موقعها الأصلي لا يزال غير معروف حالياً إلا أن أسم " گرشانا " نادر جداً في نصوص مدينة " أوما " وهذا الإغفال في الوثائق يشير إلى وثائق مدينة " گرشانا " وموقعها الجغرافية وهي مدينة ملكية بالإضافة إلى موقعها المهم جداً يضاف إلى أهمية مدينة أوما من الناحية الاقتصادية والعسكرية .
طبقاً للباحث ( بيوتور ستنكلر ) فمن المحتمل أن مدينة گرشانا تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من مقاطعة ( گرسو ) والذي أقترحه من عدة سنوات ماضية في الموقع المسمى ( تل الناصرية ) والذي يحمل التسلسل ( 56 ) والذي يتألف من تلين أو أكثر من التلال الصغيرة ويقع على بعد حوالي ( 13 كم ) غرب مدينة تلو ( گرسو ) الحالية تقع على بعد ( 15كم ) شمال مدينة الناصرية لكن هذا مجرد تخمين إلا أن الحل القاطع لهذه المشكلة هو أجراء مسح سطحي لهذه المنطقة حيث سيجدد الاستكشافات الأثرية في جنوب العراق .
ذكرت نصوص گرشانا ( سيمات أشتران Simat-Istarn ) وهي من المحتمل زوجة الأمير ( شو كبتا s-Kabta ) من العائلة الملكية وقد أصبحت على رأس الأدارة المنزلية للعائلة الملكية فهناك على الأقل أربعين ختم من المؤسسة المنزلية التي كانت تديرها وكذلك من خدامها إضافة إلى أن أرشيفها يحتوي حوالي ألف وأربعمائة نص والتي سجلت في بداية السنة السادسة لحكم الملك ( شو سين ) ثالث ملوك سلالة أور الثالثة ( 2114 – 2004 ق.م ) وقد توفيت في الشهر الثاني من السنة الرابعة لحكم الملك ( أبي سين ) أخر ملوك سلالة أور الثالثة مع أن هناك نصوص قد سجلت رجوع ( سيمات أشتران Simat-Istarn ) الى مدينة نفر (بزرش دكان Puzris-Dagn ) .
أظهر لنا أرشيف گرشانا على أن هناك وظائف في المجتمع السومري للمرأة مساوية لوظيفة الرجل وهي كالأتي :
القصار male lu2-azlag2 القصاره geme2-azlag2
الطباخ male muhaldim الطباخة geme2/munus-muhaldim
الحارسة male i3-du8 الحارس geme2-ì-du8
مطهر الفناء male kisal-luh مطهرة الفناء geme2-kisal-luh
المغنية male nar المغني nar-munus
الطبيب male a-zu الطبيبة munus-a-zu
الكاتب male dub-sar الكاتبة munus-dub-sar
كاهن التطهير male gudu4 كاهنة التطهير munus-gudu4
فقد وردت تسمية المرأة التي تغزل الصوف أو القطن في المصادر المسمارية بالصيغة السومرية MÍGA.ZUM.AK.A ويرادفها بالأكادية halistu(m) أو halistu(m) ، اقتصرت هذه المهنة على النساء ولم يرد ذكر دور الرجال في مثل هذه المهنة ، وكان عمل الغزالات يتمثل بتمشيط الصوف أو القطن أولاً لتنظيفه ولف الخيوط المضعّفة كي تصبح شعيرات الصوف أو القطن متساوية ومتجانسة ومعدة بشكل جيد للغزل ، وعادة تستخدم النساء الغزالات في هذه العملية آلة أو أداة كانت لها رؤوس مسننة تشبه الشوكة، وعادةً تكون مصنوعة من الخشب وقد ذكرت في بعض النصوص بالصيغة السومرية GISGA .ZUM .AG وأحياناً ترد بتسمية سومرية أخرى هي GISGA. ZUM . SI . AKA ويرادفها بالأكادية masadu او masatu .
كما وردت تسمية المرأة الخيّاطة Tailor) ) الخياطة بالصيغة السومرية MÍTUG2 . KA KES3 وبالأكادية kasirtu ،إذ كان للنساء دور كبير في هذه المهنة . ويعود أقدم ذكر لمهنة الخياط إلى عصر السلالات الأول (2800 –2700 ق . م) إذ كانت من المهن السومرية المتعارف عليها في ذلك العصر والتي تطورت فيما بعد .
وأيضا أطلقت على المرأة التي تعمل على بيع الخمر وغيره من المشروبات الكحولية الأخرى بـ (بائعةالخمر Seller Wine )، وتسمى أيضاً صاحبة الحانة نسبة إلى مكان عملها وهي الحانة أو الدكان الذي تباع فيه تلك المشروبات وقد وردت في المصادر المسمارية بالصيغة السومرية MÍKAS .TIN . NA أو MÍKURUN . NA ويرادفها بالأكاديةsabitu(m) . ورغم أن النساء هن أكثر من مارس هذه المهنة، فأن الرجال كان لهم دور فيها أيضاً، إذ وردت تسمية الرجل صاحب الحانة بالصيغة السومرية LÚKŪRUN.NA ويقابلها بالأكادية sabu(m) ، وتعني صاحب الحانة أو بائع الخمر .
أن عدداً من المواد القانونية في شريعة حمورابي قد أفردت لصاحبة الحانة ، وأن بعض تلك المواد قد وجهت العقوبة لها إذا ما حدث أمر خارج عن الأسس القانونية، مما يدل على أن هذه المهنة فيها نوع من المغامرة في العمل، فعلى سبيل المثال كان على صاحبة الحانة التبليغ عن المجرمين أو السراق إذا مادخلوا بيتها أو حانتها أو اجتمعوا فيها، وكان عليها تسليمهم إلى القصر، حيث الإدارة المحلية التابعة للملك ، وبخلاف ذلك فإنها ستعاقب بالإعدام وعلى الرغم من أن النساء عملن في هذه المهنة في الغالب، إلا أن هناك منعاً لبعضهن من مزاولة هذه المهنة، مثل كاهنات الناديتوم والأنيتوم وكذلك بعض نساء القصر من الراهبات، إذ حُرم عليهن العمل في الحانات وبيع الخمور والمشروبات، كما منعن من الذهاب إلى تلك الحانات .
أبي سمتي زوجة الملك ( أمار سين ) وأم الملك ( شوسين ) كان لها دور فعال في العمليات التجارية ومنها ما يذكره أحد النصوص عن إرسال بعض الحيوانات كتقدمات أو قرابين (siskur2) إلى معبد الإلهة أنانا في مدينة زبلام ( بزيخ ) كذلك هناك نص أخر يعود الى السنة الثالثة لحكم الملك شوسين يذكر أرسال كمية من الخبز والبيرة من قبل الملكة " أبي سمتي " إلى معبد الإلهة أنانا في مدينة زبلام ( بزيخ ) شمال مدينة الناصرية .
هناك مهنة وردت في النصوص المسمارية أرتبطة بشكل مباشر بالمرأة وهي ( نن دنگر Nin-dingir ) بمعنى "كاهنة عظمى" يقابلها بالأكدية (entu) وتمثل الأنتو (Entu) أعلى درجات السلك الكهنوتي الخاص بالمرأة، علما أن أكثر النساء اللاتي نصبن بهذا المنصب هن من السلالات الملكية، إذ كان الملك هو الذي ينصبهن بعد أن يبدي الإله رغبته بتعيين أحداهن من خلال الفأل.
ونحن نرى في كثير من الأحيان إلى حد بعيد إشراك المرأة في عمليات الإقراض والاقتراض، وشراء أو بيع الأشياء، والفضة والماشية والعبيد والبساتين أو المنازل، كما فعلت عادة الرجال، كما يتضح من خلال النص الأتي :
1. ½ ma-na 2 gín kù-babbar نصف منا واثنان شيقل من الفضة
2. mas3 5 gín 1 gín-[ta] واحد شيقل لكل خمسة شيقلات مهمة
3. ki Geme2-d-li-si4-na-ta من گيمي ليسي الى
4. Ama-sa6-ga أما ساكا
5. ù Mas-gu-la dumu-nita وأبنها ماشكولا
6. su ba-an-ti-es أستلمتها
أما في مجال دور المرأة في عمليات البيع والشراء فنقرأ في النص والذي يعود إلى مدينة نفر ويرجع تاريخه إلى السنة الثانية من حكم الملك أبي سين أخر ملوك سلالة أور الثالثة :
1. 1 sag munus En-né-d-la-az mu-ni-im عبده واحدة أسمها أينه لاز
2. 1 gin igi 3-gal3 ku3-babbar 33و1 شيقل من الفضة
3. sa10 ti-la-ni-se3 سعرها الكامل
4. ki sa-at-d-suen-ta من شو سين إلى
5. Geme2-d-nanna-[ke4] گيمي نانا
6. [in-si-sa10] باع
هناك أكثر من مائة ختم أمتلك من قبل نساء من عصر سلالة أور الثالثة ومنها ( نن ميلام nin-melam ) زوجة الحاكم ( أورليسي ur-li9-si4) وقد ذكرتها النصوص بـ "نن – ميلام زوجة الحاكم nin-me-lam2 dam ensi-ka ) كما كان لها دور في النشاط الاقتصادي في عصر سلالة أور الثالثة في عهد زوجها ( أورليسي ur-li9-si4) وبعد وفاته وهي شأنها شأن باقي النساء الملكيات التي ذكرتهن الوثائق المسمارية مثل سيأتوم أم الملك شولگي و (ابي سيمتي (أُم الملك شوسين وزوجة الملك شولگي، فقد عملت في ميدان التجارة كالأستلام والتسليم والوساطة والنقل وفي مختلف المواد كالمنسوجات والجلود والطحين وقد أنجبت الى ( أورليسي ur-li9-si4) ولد أسمه ( لو – أيماخ lu2-emah ) ولم تكن الوحيدة التي عاشرها وإنما كانت لديه محضيه ( لوكر lukur ) والتي أنجبت له ولد أخر أسمه ( أكالا I-kal-a ) بالإضافة إلى أبنه أسمها ( نن – أيكوتا Nin-ekuta ) فقد ورد في النصوص " نن- أيكوتا ابنة محضية الحاكم dumu lukur ensi2-ka Nin-e2-ku3-ta)
عائلة الحاكم أور ليسي
ur-li9-si4
nin-me-lam2 lukur
Nin-e2-ku3-ta I-kal-a
Lu2-emah
ذكرت النصوص المسمارية من عصر سلالة أور الثالثة وبالتحديد نصوص مدينة أوما أن حوالي واحد وعشرون ختماً قد عثر عليهما توضح دور الأميرة ( نن خي ليا nin9-he-li2-ia ) في عمليات البيع والشراء والوساطة من الناحية الاقتصادية في المجتمع السومري فقد تعاملت بمختلف المواد مثل ( الزيت الملكي i3-gis lugal ، الزيت العادي i3-gis ، الجلود kus، السمك ku6، الخراف udu-niga، والخشب gis ) كما أنها زوجة حاكم مدينة أوما ( أأ كا لا a-a-kal-a ) حيث ذكرت في ختمها (نن خي ليا زوجة أأ كا لا حاكم مدينة أوما nin9-hi-li2-a / dam a-a-kal-la / ensi2 umma-ki-ka ) ويذكر أن ( أأ كا لا ) وهو ثاني حكام مدينة أوما حكم من السنة الثامنة لحكم الملك أمار سين الى السنة السابعة لحكم الملك شو سين وهو أخو الحاكم ( أور ليسي ur-li9-si4) .
أما المرأة الخبازة فقد وردت بالصيغة السومرية MÍNINDA ويرادفها بالاكدية epitu (m) ويرجع أقدم ذكر لمهنة الخباز إلى العصر السومري القديم عندما ظهرت التسمية السومرية الخاصة بهذه المهنة في النصوص السومرية القديمة ، كما ذكرت النصوص المسمارية صانعة الحصران أو المرأة المتخصصة في صناعة أو حياكة الحصران بصيغة SALGA2.GA2 وبالاكدية musabbiktu وهي مهنة كانت معروفة عند السومريين، وكان دور النساء فيها كبيراً جداً ، إذ كانت صناعة الحصران من الصناعات المهمة التي عرفت في بلاد الرافدين وكانت الحصران تستخدم كغطاء للأرضيات ، كما استعملت في التسقيف إذ كانت توضع فوق الروابط الخشبية الغليظة الممتدة فوق الجدران ثم تغطى بطبقة من اللبن من الأعلى أو تربط على الجذوع أو الروابط الخشبية .
أيضاً كان للنساء دور في صناعة المعادن, وقد وردت تسمية المرأة العاملة في المعادن بالصيغة السومرية . ZU . MA SA3ويرادفها بالاكدية qurqurratu(m) , كما لم تقتصر مشاركة النساء في هذه المهنة على الأحرار منهن فقط , بل كان للإماء دور أيضا , وربما يكون دورهن أكثر من النساء الحرائر, ويشير احد النصوص من مدينة كارانا إلى إن بعضاً من الحدادين او المشتغلين بالمعادن كانت لديهم إماء تساعدهم في انجاز إعمالهم , سواء كان ذلك في مشاغلهم الخاصة ام في مشاغل الدولة .
وعملت المرأة أيضاً في بيع وشراء الملابس لاسيما ما كان يصنع محلياً، كما تاجرت بالمواد الغذائية كالحبوب وأهمها الشعير، فضلاً عن تجارة الجعة ، وكان للنساء العاملات في التجارة دور في تجارة العبيد أيضاً . ورغم أتساع دور المرأة ونشاطها في التجارة فأن بعض النساء تخصصن بتجارة معينة دون الأخرى، ومنهن من جمعت بين أكثر من تجارة واحدة كما هو الحال مع الرجال ، فقد اختصت بعض النساء ببيع وشراء العقارات وتأجيرها، وكان أغلب من عملن في هذا المجال من كاهنات الناديتوم، إذ كن يمتلكن بعض العقارات كالبيوت والأراضي فضلاً عن اشتراكهن في عملية البيع والشراء مع بعض التجار والوكلاء التجاريين وكذلك الكاهنة ( ارشتي – شمش eresti-samas ) التي كانت تمارس نشاطها التجاري من خلال بيع وشراء العقارات كالبيوت والأراضي والحقول الزراعية كما كانت بعض النسوة يشاركن أزواجهن في كثير من الأعمال التجارية، فقد ذكرت المصادر الكتابية التاجرة ( "نيطبتم" nitibtum ) ، وهي زوجة التاجر ( "امليكنم" emliknum )، وكان الإثنان يعقدان الصفقات التجارية المشتركة كما كان للمرأة دور أيضاً في مهنة البائعة المتجولة ، إذ وردت لهن تسمية خاصة باللغة الأكدية هي ( samallutu(m) ) ، ويرجح أن عمل البائعة المتجولة كان داخل المدن فقط، إذ يصعب على المرأة المتاجرة خارج المدن أو الأقاليم كما أشارت إلى ذلك بعض المصادر المسمارية التي وردت فيها هذه المهنة .
يتضح مما تقبل أن المرأة العراقية القديمة كان لها دور كبير في مشاركة الرجل في صنع الحضارة العراقية القديمة كأم وكمربية للأطفال وكعاملة في ميدان الصناعة والزراعة والتجارة وغيرها من فعاليات الحياة اليومية .
الموقع الأثرية لدولة أور الثالثة ( 2114-2004ق.م )
حيث تظهر مدينة گرشانا ينظر :
Owen, D.I. & Mayr, R.H., CUSAS-3, p.9.
