حذاء النائب البرلماني-نعيم عبد مهلهل

Mon, 18 Jul 2011 الساعة : 10:28

امس قرأت خبرا في تايتل قناة فضائية عراقية عن سرقة حذاء النائب ( س ) في الائتلاف الوطني الموجد أثناء أداءه الصلاة في مصلى مجلس النواب ...( إلى هنا انتهى الخبر )...
لم تستحق هذه الدراما المضحكة ــ المبكية لسرقة حذاء في باب جامع .فهذا شائع في جوامع الله .وهناك ملايين الأحذية سرقة من بوابات الجوامع عبر تاريخ الصلاة منذ عذوبة صوت بلال الحبشي وحتى نغم الصباح البغدادي في آذان جامع الخلاني وأبي حنيفة وجامع الشيخ عباس في سوق الصفافير في مدينة الناصرية ( 360 كلم جنوب بغداد ) .ولكن أن يسرق حذاء في مبنى برلمان وفي منطقة محصنة وخضراء هنا المفارقة .لأكرم أنا شخصيا هذا الحذاء المسكين لأضعه في صف 3 أشهر أحذية في رؤى قراءاتي.
الأول حذاء أبي قاسم الطنبوري ومفارقاته الأسطورية .فأين ما كان يرميه الطنبوري تخلصا منه يعود إليه وكأنه المركبة الفضائية كولومبو فكلما ترسلها وكالة ناسا الفضائية إلى القمر تعود إلى الأرض .وعلى وقع هذا الحذاء العتيق بجلده اليابس صنعت شهرزاد لألف ليلة وليلة أجمل حكاياتها .
والحذاء الثاني ذي اللون الأسود هو حذاء خرشوف السكرتير العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي الذي خلف ستالين في قيادة روسيا والذي اشترته لجنة المشتريات في الحزب من محلات باتا الرئيسية في موسكو بعد أن تم فحصه من كل الوجوه حتى بالمجهر واخذ أيضا إلى المختبر الرئيسي في وزارة الصحة الروسية ليكتب فيه تقرير خلو الجلد المصنوع منه من أي مسببات للحساسية والرائحة الكريهة وتم شراءه خصيصا ليتناسب مع البدلة الكحلي التي يرتديها لإلقاء خطابه السنوي في اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة .
والحذاء هذا اكتسب شهرته عندما خلعه خرشوف وضرب به على منصة الخطابة ليسكت من كان يتكلم في قاعة الأمم المتحدة إثناء إلقاءه كلمة بلاده وكما يفعل القاضي عندما يضرب بمطرقته ليسكت همهمة أو كلاما في قاعة المحكمة ...وهو تقليد استخدمه الرومان وكانوا يقولون :المطرقة بعض أدوات العدل في طرقها لينصت الناس لصوت الحق .وخرشوف جعل هذا الحذاء أداة صارمة ليجعل العالم ينصت إليه وينتبه إلى خطابه وعدم عمل ( الشوشرة ) على حد قول إخواننا المصريين.
الحذاء الثالث هو حذاء مراسل قناة البغدادية منتظر الزيدي الذي رماه في المؤتمر الصحفي على الرئيس بوش .وهذه العملية في تقديراتي حملت طابعها الاستعراضي وكأي مشهد عولمي لم تدم في الفعل سوى أيام وانتهت بمعناها الفردي وسجن صاحبها لعام في خطوة كانت فيها للديمقراطية دورا كبيرا ليسجن في هكذا عاطفة في بلد كان النظر فيه شزرا إلى جدارية الرئيس ربما تقودك إلى الإعدام ....!
سُرقَ حذاء النائب البرلماني وربما العملية هي ضمن الصراع السياسي ومحاولة خلق الحرج السياسي بين الكتل المتناحرة حتى على مستوى ( المركوب ) ليتحول هذا الموقف في طريقة صنعه إلى عمل ساذج وبارد أن تسرق حذاء مصلي لتحرجه سياسياً .
أو إن الأمر لم يكن بهذا المعنى ...فلقد سرق الحذاء لأن واحد من الإخوان رآه لامعا وموديله جميل ومستورد ولطشه ، وما أكثر النفوس الضعيفة في هذا العالم وفيها قصص على مستوى أميرات ولاعبي كرة قدم وممثلين مشهورين مُسكوا بالجرم المشهود وهم يسرقون أشياء رخيصة وتافهة ..وحذاء النائب البرلماني علينا أن نضعه في ذات التصور المصنوع من خلال النفس ( الدنية ).
الحذاء المسروق وضع على تايتل الفضائية جزء من سياسة الهمس والصراع في السرقات المتعددة والتي تنخر في جسد الدولة العراقية وفي شتى مفاصلها ليشهد البلد بفضل ما كان يجري وجرى وجعله في مقدمة البلدان التي يتعاط الموظفين فيها الرشا وتمارس فيها بعض المناصب العليا الفساد وخاصة تلك التي تتعلق بقوت الشعب ونفط الشعب ودواء الشعب وتعليم الشعب وغذاء الشعب وانتخابات الشعب.
تم لطش الحذاء المسكين .وربما تبرع واحدا من حمايات السيد النائب بشهامته ليخلع حذائه ويعطيه لسيده ليرتديه فيما يذهب الحماية حافيا إلى بيته .ومظاهر السعادة تبدو ظاهرة على أم بيته وهي تقول له :تعال إلي حافيا .ولا مرتديا النعش.....!

دوسلدورف 16 تموز 2011

Share |