أور ليسي حاكم مدينة أُومّا (2062 – 2039 ق. م)/أباذر الزيدي
Sat, 11 May 2013 الساعة : 22:59

إن ظهور الحاكم أو الأمير في المدن العراقية القديمة لم يكن بالأمر المفاجئ أو الطارئ الذي ينشأ بين عشية وضحاها ، بل سبق ظهور هذا الزعيم أسباب كان من شأنها أن تساعد على بلورة نظام الحكم وظهوره بالصورة الأولى له ويأتي مقدمة هذه العوامل المساعدة عامل طبيعة العراق الجغرافية لاسيما البيئة الطبيعية في القسم الجنوبي من العراق (بلاد سومر وأكد) فضلاً عن الطبيعة القاسية الناتجة من اختراق الأنهار المحملة بالمواد الغرينية للمنطقة وتكوين شبكة من السهول الفيضية والرسوبية التي ساعدت في تكوين الأنهار والمستنقعات أضف إلى ذلك قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات المفاجئة والمدمرة الأمر الذي جعل السكان يتكاتفون من أجل تنظيم حياتهم من خلال فتح القنوات والجداول لري الحقول وتصريف المياه وإقامة السدود لدرء أخطاء الفيضانات وحماية الأراضي الزراعية التابعة للمدينة .
ومن هنا نشأت ملامح السلطة الجماعية باعتبار أن القرارات النافذة كانت تتخذ من قبل أطراف المجتمع لذا فأن تسميتها بالسلطة الاجتماعية أنسب من تسمية السلطة السياسية ، أي أن عملية تنظيم المجتمع لجميع جوانبه كان يتم من خلال مجلس عام يضم جميع المواطنين يقسم بداخله إلى مجلس الشيوخ (المسنين) ومجلس عام يضم غالبية المواطنين .
على قمة هرم السُلم الإداري لإمبراطورية أور الثالثة يأتي الملك ومن بعده يأتي الوزير الأعظم
(سوگال- ماخ SUKKAL-MAH = بالأكادية sukalmahhu) . الذي كان له صلاحيات مستقلة عن نظام الحاكم وله مرتبة توازي أو تفوق مرتبة الحاكم (إنسي ENSI2 = بالأكادية issakku) الذي كان يعين من قبل الملك وهو مسؤول أمامه عن واجباته وما يتخذه من قرارات، وكان الحاكم يدير وحدة إدارية ويُمثل السلطة القضائية العُليا في مدينتهِ، إذ مُنِحَ صلاحيات واسعة كالمقاضاة في المحاكم المحلية مثلاً، إلا أنه لم يكن بمقدوره أن يخطو خطوة سياسية من دون موافقة الملك واستشارتهِ، فهو وكيل مُعين من قبل الملك. ومن واجباته أيضاً أن يشيد المعابد المُكرسة لعبادة الملك المؤله .
وهناك منصب آخر هو الحاكم العسكري (شاگان SAGAN = بالأكادية sakkanakku) وهو المسؤول عن الأمن العسكري في الوحدة الإدارية إضافة إلى ذلك فقد كانت له سلطات مدنية أيضاً. وظهر لأول مرة في عصر أور الثالثة منصب رئيس البلدية (رابيانوم rabianum) وهي (كلمة مأخوذة من الأكادية)، وكان الربيانم محافظاً في المدن الصغيرة التي لا تتطلب أن تكون مقراً للحاكم. أما الشيخ (خزانم hazzanum) وهي (كلمة مأخوذة من الأكادية)، كان مديراً أو مسؤولاً عن المستوطنات الصغيرة .
إضافة إلى الجيش والموظفين الموكلين بإدارة أملاك القصر والمعبد، والكهنة والكاهنات وطبقة من الموظفين تمثلوا بمدراء المشاغل والمصانع الخاصة بالقصر والمعبد، والموظفين الصغار وهم الكتبة والمسجلون (دُب- سار DUB-SAR= بالأكادية tupsarru)، وكان هؤلاء على مراتب ودرجات .
ومن الأنظمة التي اتبعها ملوك سلالة أور الثالثة هي نقل الحكام من مدينة إلى أخرى لمنع إزدياد قوة وسلطان الحاكم في الوحدة الإدارية من خلال ارتباطاته المحلية القوية بالوحدة الإدارية، وكان الملك يطلع على شؤون الأقاليم من خلال عدد كبير من الرُسل، في حين تمت المحافظة على العلاقات مع الأمراء خارج حدود الدولة من خلال الممثلين الدبلوماسيين ( ينظر مخطط السلم الأداري لدولة أور الثالثة 2114 – 2004 ق.م ) .
ذكرت المصادر المسمارية أسم ( أورليسي ur-li9-si4) منذ السنة الثالثة والثلاثين لحكم الملك شولگي ( 2095 – 2047 ق.م ) ثاني ملوك سلالة أور الثالثة ( 2014-2004 ق.م ) وعلى الرغم من أننا لا نعرف الكيفية التي تولى فيها أدارة أُومّا ألا أن وظيفة أبيه المرموقة وأنسيابه لعائلة لها حضوه لدى ملوك أور فضلاً عن كفاءته الإدارية ربما ساعدته في الوصول لمنصب الحاكم في مدينة أُومّا ومعنى أسم ( أورليسي ur li9-si4) " عبد الأله ليسي " وعلى الرغم من أن الإله (ليسي) من الإلهة السومرية المعروفة والتي اشتهرت في الألف الثالث والثاني قبل الميلاد وهي والدة الإلهة ( دموزي ) وأبنه الإلهة ( ننخرساك ) وأخت الإله ( أشگي As-gi ) في مدينتي ( أداب وكش Adab-kes ) وقد عبدت الإلهة (ليسي li9-si4) في المعبد المسمى ( e2 ur5-sa-ba ( في مدينة أُومّا وقد تم تسمية الشهر التاسع في مدينة أُومّا بـ iti li9-si4 ) ( والذي يتم فيه تقديم حيوانين كقرابين و يقابله في التقويم البابلي (kislimu) كانون الأول ، علما أن هذا الشهر كان يقرأ قديما (dne-gun) .
عرفت أختام العصر السومري الحديث أو عصر سلالة أور الثالثة بأنها نتيجة لتطور طبيعي لأختام الدور الأكدي السابق ويضاف هنا استعمال منظر التقديم إلى الآلهة وهو ما تميزت به أختام أور الثالثة إضافة إلى بعض الأمور الخارجية كالبأس الطويل الذي ينتهي عند القدمين بحاشية ذات أهداب وكذلك بعمامة الرأس ذات العصبة العريضة وجودة الحفر والعناية به وبصغر حجم الختم ورشاقة الأشخاص والحيوانات ، أن الختم الأسطواني أصبح من المقتنيات الشخصية الضرورية للفرد حتى أن فقدان الختم يؤدي إلى قيام السلطات الرسمية بعد أن يقوم صاحب الختم بأخبارها الى الإعلان عن فقدان الختم وذلك بواسطة نفخ البوق في الشوارع كوسيلة من وسائل الأعلام الرسمي للحيلولة دون إساءة استعمال الختم الأسطواني من قبل الغير ، يختلف الختم من شخص لأخر لكون الختم لصيقاً بالأفراد ويعبر عن هويتهم الشخصية في ممتلكاتهم وسجلاتهم ورسائلهم فهو يختلف من واحد لأخر مما يزيد في أهمية دراسة الأختام بسبب كثرة الموضوعات والمشاهد والأشكال والرسوم التي تحملها الأختام بشكل محفور والأختام بصورة عامة تعد خير مصدر لدراسة جوانب حضارية مختلفة من حضارة بلاد الرافدين فقد ذكرت النصوص المسمارية التي تعود إلى عصر سلالة أور الثالثة بأن أسم الحاكم ( أورليسي ur-li9-si4) أستخدم في خمسة أنواع من طبعات الأختام خلال فترة حكمه وكان مجموع الأختام التي وصلتنا حوالي مائة واثنا وأربعون طبعة ختم من مدن مختلفة وبالأخص منطقة أُومّا ( جوخة ) .
مخطـط يمثل السُلم الإداري لدولـة أور الثالثـة ( 2114 – 2004 ق.م )
