جهازُ المخابراتِ العراقي ! الحلقة ُالمفقودة-قاسم محمد الكفائي
Mon, 18 Jul 2011 الساعة : 9:36

الذي يُدرك أهمية َ دَور مؤسسة المخابرات كمساهم في بناء الأنسان.. الفرد والأسرة والمجتمع ، وفي بناء الدولة والحياة العامة إدراكا واقعيا وصحيحا بحكم الأهمية العظمى لكل أدواره هم حكومات دول الغرب وأمريكا الشمالية ( أمريكا - كندا ) . على النقيض ذاتهِ فأن مخابراتِ هذه الدول تدرك بعمق و – بلا منافس - كيف تستعمل وتتحكم في أدوات هذه المؤسسة لمواجهة ذلك الأنسان في الداخل من أجل إذلاله وضربه وتدمير هويته ، أو ضد الدول لتحطيمها ومصادرة حياة شعوبها على مستوى الخارج . هذا الأدراك تنبعث آثارُه وملامحُه مختلطة ًمن خلال الأنضباط الذي يتحلى به الأنسانُ الغربي ، ومن خلال دوران عجلة الدولة ، ثم مظاهر الحياة العامة ، أو من خلال التدخلات الغربية في دول العالم الثالث التي أفضت الى تأخيرها عن الركب الحضاري والأقتصادي والصحي . قد يظن البعض أن هذه المظاهر وذاك الأنضباط إنطلقا من واقع الثقافة العامة ، والمدنية التي يتحلى بها الأنسانُ الغربي ... !!! نعم ، هذا ممكن ، لكنه على قدَرٍ أقلَّ من مأساةِ واقع ٍ مُتخفي تجتمع فيه كلُّ أشكال الخوف والعبودية والقتل والتسقيط خلف مظاهرِ المدنية والتكنولوجيا ، والتظاهر بالديمقراطية ومبادىء حقوق الأنسان . فالثقافة المغلوطة لدى الأنسان العراقي عندما يسمع بكلمة المخابرات يتخيَّل أمامَ عينيه كمّا هائلا من صور الخوف والدم والأعتقال والتعذيب والتغييب، ولا يظن أن لهذه الكلمة معنىً آخرَ يدل على الأمن والطمأنينة والمساهمة في بناء ما تهدم ،أو تحقيق طموح .
إذ ليس العيبُ في هذا الأنسان الذي فقد حلاوة َعمره محبوسا في سجن – طامورة– لا تعرفه المؤسسات المحلية ولا العالمية ، أو فقدِه لحبيب ، أو جزعهِ من حاكم لا يرى من بعده شمسا ولا قمرا إلا وصورته فيها . عاش الأنسانُ العراقي كلَّ حالاتِ الموت والجزع والذلة والخوف في زمن كان فيه رجلُ المخابرات أداة ً ظالمة من أدواتِ تلك الحالات . إذن .. العيبُ بحكم المنطق والمهنية هو في تلك المؤسسة التي صنعها نظام ٌ لا يُؤمن باليوم الآخر على قدر إيمانه برجل شقي على الله ,والشعب إسمه صدام حسين . كان جهاز المخابرات في تلك الحقبة أداة ً تتحرك بأصابع رأس النظام الذي لا يعرف معنىً للأنسان ، ولا يصون كرامته ، أو يتلمس حاجَته للحريّة .
ما بعد تلك الحِقبة المُظلمة ، والتغيير السياسي في العراق ... صار لزاما على الدولة أن تعي أزماتِها السياسية والأمنية والأجتماعية ، وتتفهم أدواتِ الحلول الناجعة التي من شأنها تثبيت دعائم الأمن في البلاد ، ونشر مظاهر العيش المنشود على أسس الدولة العصرية في مدنيتها ومعرفتها وتطلعاتها . الأزماتُ التي تزيد من إرباك العملية السياسية ، وما شهده العراق منذ سقوط الصنم عام 2003 من تدميرٍ للبنى التحتية وكلِّ اشكال العنف والأرهاب ، هي بمثابة مرض عضال ينتشر في جسد العراق ، ولم يكن ذلك الطموح الذي يستحق كفاحَ الشعب ولو ليوم واحد في مواجهة نظام صدام حسين .
لقد انشغل السياسيون في صراعاتِهم – وما زالوا - وتركوا للأرهاب كلَّ الساحات مفتوحة لملىء الفراغ ، وتركوا لأجهزة المخابرات العربية – الرجعية – ، والغربية ، والأمريكية أن تمارسَ كلَّ الأدوار المطلوب تنفيذها حتى تحقق الكثير من طموحاتهم . صار أبو مصعب الزرقاوي قائدا للمجاهدين – الوهابيين - القادمين من الأردن والسعودية والكويت واليمن وباقي دول الخليج . مرحلة ُ ما بعد التغيير تعتبر من أصعب المراحل في عملية تصحيح مسارها لأعادة بناء ما تهدم على مستوى الدولة والبنى التحتية ، وأشرسها عندما يكون الأنسان قد تأثرَ بتبعات تلك المرحلة ، فأصبح مُعتلاّ في ثقافته وفقره وكلِّ عافيته الجسمانية والنفسية ، ليكون أخطر إرث قد تركه النظام بعد رحيله . إن أدوات العلاج التي انتهجتها حكومتنا في إعادة بناء الدولة والأنسان منذ البداية كانت خاطئة وغير صحيحة ولا تمثل النهج الواقعي وإن حَسُنت النية . لقد ذكرنا في مقالاتٍ سابقة أن العراق تهدَّمَ بمعول المخابرات الدولية فليس بالهيِّن أعادة بناءه بأدوات مغلوطة – تصريحات فلسفية وشعرية - ما لم يكن لمؤسسة المخابرات العراقية دورا (( مساهما )) في عملية إعادة البناء بالوسائل العلمية والوطنية والقانونية ، على أن تجري بمهنية عالية وبانضباط تستوفي كلَّ مسلزماتها من الحكومة وليس بعيدة عنها .
( كانت أهم خطوات المخابرات الامريكية حال وصولها العراق أنها استحوذت على جهاز المخابرات العراقي ، وفصلته عن كيان الحكومة العراقية ليعمل بأمرت الحاكم الأمريكي ) ، بينما ارتضت الحكومة العراقية تأسيس جهاز آخر قد لا يفي بالغرض المطلوب بحسب متطلبات المرحلة الراهنة .
فالدولة التي لا تدرك إستعمال هذا الجهاز في الحفاظ على كيانها وشعبها ، ولا تدرك كيف توظف الأرهاب القادم عليها من الخارج فتجعله سببا لبنائها وليس لتهديمها ، أو كيف تردُّ على مصادر الأرهاب بأرهابها، هذه الدولة إذن تحتاج الى من يَدِلهَا على نمط آٍ خرَ في عالم آخرَ من الصراع . ( المخابرات الأمريكية وظفت الجهادَ والمجاهدين بعد مرحلة الحرب في أفغانستان أداة ً لتدمير البلاد العربية والأسلامية وقد نجحت في الكثير من مخططاتها شريطة أن تبقى يدها بيضاء بحجة أنها ضحية من ضحايا الأرهاب ) . الصراع فنٌ وعلمٌ لا ينفرد عن الفنون الأخرى التي تشغل العقل في إدارتها ، وتربك الجهة َ المُعادية ، وتنقضُّ عليها عندما تكون إدارة الصراع تتحكم بأدواتِها على أسُس ٍصحيحةٍ ومناسبة . بهذا التفسير نجد أن الحكومة في العراق منذ سقوط النظام الصدامي ، وانتشار مظاهر الأرهاب عاجزة عن أن تجد الوسيلة الملائمة التي من خلالها تتعامل مع الواقع الأمني والسياسي في الداخل ، أو في مواجهة الأنظمة الخليجية الرجعية المصدرة للأرهاب في الخارج . على مدى سنين الأرهاب المُدمِّر لكل مظاهر الحياة في العراق يخرج ممثلو حكومة بغداد أو السياسيون على وسائل الأعلام يناشدون و يتوسلون بالحكومات الرجعية في دول الخليج بمنع تدفق الأرهابيين الى الأراضي العراقية لقتل الشعب العراقي الآمن بعيون دامعةٍ وأصواتٍ ركيكةٍ ، مهزومة ، فتعيد تلك المناشدات بين كلِّ جملةٍ وأخرى كلمة الأخوة والجيرة والدين . مثلُ هذ المناشدات تأكد على الواقع أنها ميتة ، بعيدة ً كلَّ البُعد عن واقع الصراع من مصدرهِ حتى مَصَبه . قد يُمكن ترديدها في المحافل الأدبية وليس في ساحات الحرب ومواجهة مخاطر الأرهاب الذي تديره منظماتٌ وهابية حاقدةٌ بجهلها ، متخلفة عن الركب البشري ، ومرتبطةٌ بالأمبريالية العالمية . فهي تعمل على تنفيذ مخططاتِها وتحقيق نواياها . على هذا النمط نجد أن حكومتنا قد تخلفت عن مسؤوليتها في التصدي لهذا الواقع كما يجب ، بعد غياب الدور الحقيقي لجهاز المخابرات في المواجهة الذي يُعد - الحلقة المفقودة - في واقع الصراع . لقد انقضت السنون العجاف من 2004 – 2010كان فيها ضحايا بمئات الآلاف ، وخرابٌ عمَّ العراق ، وتعطلت عملية البناء والاعمار ، وشاعَ الفساد واستفحلت حواضنه ُ، كل ذلك هو بسبب الأرهاب القادم من السعودية التي تعتبر أكبر مُصَدرٍ للنفط الى أمريكا والغرب بما فيهم إسرائيل ، وأكبر مصِّدرٍ للأرهاب الى دول العالم العربي والأسلامي بما فيهم العراق . قوى الأمن الداخلي العراقي منذ نشأتها في مرحلة العراق الجديد أمام محنةٍ كبرى صنعها السياسيون البرلمانيون في صراعاتهم وتكتلاتهم وقد جعلوا من وظيفتهم أسوأ حالات التخبط التي مرّ بها العراق ما بعد مرحلة حكم البعث الصدامي . فكيف يمكن لرجل الأمن أو الأستخبارات في هذا الجو المشحون بالأنفلات أن يواجه و يبدع في عمله بينما يسمع كل يوم أصواتا مثبطة ونشاز تشكك في مصداقية عمله فتبرِّىْ المُجرم في تصريحاتها على الهواء – بدوافع سياسية - حتى لو ذبحَ أكثرَ من إنسان، وأحرقَ أكثرَ من بيت . في الأشهر العشرة الماضية صار عملُ منتسبي وزارة الداخلية والدفاع في جميع مدن العراق مشجعا للمواطن العراقي أن ينام في بيته ، ويمشي في شارعهِ ، ويعملَ في محل عمله ، يأتي هذا بفضل المهنيين في هذين الوزارتين العنيدتين على الأرهاب ، الخاليتي الوفاض من أيِّ تشجيع ٍ يصلهما من لدُن السياسيين المتصارعين بعد عناءٍ مُتواصل في مواجهة الأرهاب ونتائج تلك الصراعاتِ المشينة .
لقد مرَّت على الواقع السياسي العراقي الراهن بعضُ المناسبات ، تلمستُ منها أن المواجهة التي تتبناها الأجهزة الأمنية في محاربة الأرهاب ضعيفة جدا ، وغير قادرة على التحدي على نمط المهنية ، وشعرت بخيبة أمل في حينها ، وقد تكرَّر هذا الشعور حتى تيقنتُ أن الخسائر ستتضاعف في صفوف المدنيين الآمنين وفي القوات المسلحة ، والبنى التحتية ، وهذا ما حصل .
المناسبة ُ الأولى هي حضور السيد رئيس الوزراء نوري المالكي الى البرلمان في كانون الثاني من عام 2007 ومناقشته مع عضو البرلمان السابق عبد الناصر الجنابي – هارب حاليا – في سياق تلك المناقشة أشار وأكد رئيس الوزراء أن الجنابي متهم بجرائم قتل واختطاف لأكثر من مئة وخمسين مواطن عراقي ,,,, بعد كل هذا الأتهام الذي نطق به رئيسُ وزراء الدولة إستطاع المجرم الأفلات والهروب من العراق الى الأردن .
المناسبة الثانية هروب محمد الدايني الذي فجر البرلمان العراقي بسكانه مما تسبب بقتل عضو برلمان ، وجرح العديد ، فلما احس بأنكشاف أمره هرب عبر مطار بغداد وأعادت الحكومة طائرته الى العراق ، ثم عاد وهرب مرة أخرى . هاذان الظاهرتان الخطيرتان ينذران بتخبط العمل الأستخباري وضَعفه، ويؤكدان الى أن الواقع السياسي يخلو من أي حركة وفاعلية يقوم بها جهاز المخابرات العراقي ، بل هو تعبيرٌ عن ركوده وغيابه تماما . في لقاء قادم سوف نتحدَّث بلمحة سريعة وليس بالتفصيل عن حقيقة عمل هذا الجهاز الذي يجب أن يقوم به ، ونتحدث عن معنى دوره الثقافي والعلمي والمهني . كلُ هذا يأتي بحكم التوصيف الشخصي لتراكم معرفي وثقافي ، وبحكم التجربة السياسية المرّة التي خضتها من عام 1974 – الى هذه الساعة . سنحاول سرد الكثير دون مسميات حتى لا يستفيد عدونا جميعا فأستحق العقاب .
قاسم محمد الكفائي – كندا
أخي القارىء الكريم !!
حتى تستكمل المعنى يجب مطالعة المقالات السابقة ذات العلاقة ، وكذلك اللاحقة .