عيد العمال ومعاناة العامل العراقي/احمد الشيخ ماجد
Fri, 10 May 2013 الساعة : 2:28

يستذكر العالم في هذه الايام عيد العمال، ويحتفى به كمناسبة مهمة جداً، ويجعلون من يومهِ عطلة رسمية، ويحظى عيد العمال بـمكانة عالية، خصوصاً من قبل أبناء الطبقات الفقيرة, حيث ان هذه المناسبة تهمهم وحدهم . الغني وكما معروف لايعمل الاعمال الشاقة المضنية ، المهم جاء عيد العمال في العراق وذكرني بكل مايرتبط بالعمال العراقيين ومعاناتهم .. استذكرتهُ وانا ارى معاناة العمال العراقيين المحزنة التي هدمت قواهم وانهكتها . وجعلت منهم كتلة تتضور جوعاً والماً .. الاعمال التي دائماً تتلخص تحت حرارة الشمس الحارقة . وأكاد اجزم ان اكثر الاعمال التي عملوا بها هي .. أي بناء البيوت . لا اعتقد انه يوجد احد ابناء الطبقات الفقيرة لم يعمل هذا العمل الشاق . ولنا ذكريات موجعة ومؤلمة مع « العمّالة» .. فما زلت اذكر حينما كنت اخرج صباحاً وي في الشتاء ، حيث لا نكاد نخرج اصابعنا من جيوبنا لشدة البرد القارس، وفوق هذا صياح الخلفة، ابي حسن حينما كان يصيح جيب الطابوكَـ ابن الـ.... او حينما يقذف علي لاني كنت وبصراحة كسول جداً، واتهرب من العمل حتى اتذكر ذات مرة انهُ قال لي : روح للبيت اكَعد وادزلك يوميتك . اي والله كلما قال لي احد انتَ كسول اتذكر «الچمچة» التي كان يقذفني بها في البرد والحر ولايعرف في اي مكان تصيبني ... استذكرت عيد العمال وانا اتذكر عمال المسطر في مدينة الصدر حينما عصف بهم الانفجارات.. كيف تناثرت اشلائهم بالهواء, وكيف جائت احدى الامهات تتسائل عن ابنها العامل، وحينما دارت وجهها الى الخلف، وجدت ابنها جثة هامدة مرمية على قارعة الطريق وجنبه ادوات «العمّالة « ، حينها اغمي عليها ولم تعرف كيف تتصرف .. استذكرُ عيد العمال, وتقف امامي كل الآلام المرتبطة بالفقر وشظف العيش والحياة البائسة التي يعيشها العامل العراقي . مرّ هذا العيد ولاتفارقني صورة سجاد الصغير الذي رأيتهُ يعمل في مرآب للسيارات، وتتجلى في تقاسيم وجهه كل علامات البؤس والفقر، حينما سألته : لماذا تترك المدرسة وتعمل ؟ اجاب : انني فقدت والدي في خضم الفوضى العارمة التي مرّت بالعراق ولا من معيل لعائلتي ! اي والله لا انساه مادمت حياً، ولا انسى هؤلاء العمال الذين اراهم كلما خرجت للعمل صباحاً يتوسلون بالذي يأتي ويذهب قائلين: هل تحتاج عمال؟
نعم انها نبرة التوسل التي تتبين عند اول كلمة ينطقون بها, وكذلك كلامهم يفصح لك, كم هم آناسٌ مغلوب على امرهم، ولايستطيعون ان يدفعوا الضرّ عن انفسهم، وانه مهما اصابهم من الاذى لايقدرون على التكلم خوفاً على رزقهم والآجر اليومي الذي يعيشون وعوائلهم عليه . اتذكر ذات مرة انيّ رأيت عاملاً حينما تعصب «الخلفه» قذف عليه شيئاً من الحصا و شجّ رأسه .. فذهب ليضمدها ثمّ رجع يعمل وكأن شيئاً لم يكن، قلت له: لماذا لاتتكلم معه وتقول لاتضربني ؟ يرد علي : استر على نعمتي.. احسن الي . اعتقد ان اغلبهم متشابهين في هذه القضية.. كلٌ يريد ان يحافظ على نعمته ورزقه.. تعودوا المعاناة و»الضيم» وكل ماهو متعب .. اذا كان عمال العالم يشتكون من البطالة بنسب متفاوتة، فـعمال العراق معاناتهم وهمومهم من كل جانب .. البطالة, والقتل الجمعي, والاقصاء, والتهميش.. شريحة تكاد تكون معدمة ومنسية في المجتمع ! واذا كان عيد العمال في العالم يستقبل من قبل الناس بالرقص والغناء والابتهاج فعيد العمال العراقي يستقبل بالانفجار في محافظة ميسان جاعلاً العمال اشلاءاً مرمية على الرصيف... السؤال الذي يطرح : بعد كل هذه المعاناة, التي ذكرنا جزء منها هل يأتي يوم ونرى العامل العراقي قد انتعش تماماً وتخلص من الفقر والجوع والقتل وماشابه ؟ قد يأتي احدهم ويقول انك سوداوي وتشاؤمي، ولكن هذا للاسف واقع نعيشه يومياً ونرى تأثيراته وافرازاته الواضحة لكل شاهد، ولاننسى ان هذه الشريحة تستحق ان يحتفى بهم لدورها المشرف والمؤثر في مسار النضال العراقي.. نتمنى ان يحتفل بهم جميع أبناء الشعب العراقي.. لا فقط طبقة واحدة معروفة ، نتمنى للعمال العراقيين في عيدهم ان يُنصفوا من قبل الجهات المعنية، وتوفر لهم فرص العمل الكافية، وان يروا العراق قائماً من ركام الملمات.. يعيشون فيه حياة حرة كريمة بـسلام .