الزهراء(ع) وخيرية الأمة وأوسطيتها/فاطمة ال شبير الخاقاني

Fri, 10 May 2013 الساعة : 2:06

ان فاطمة الزهراء سلام الله عليها، هي انعكاس واضح في اقوالها وافعالها للآية الكريمة:
(( كنتم خير أمة أخرجت للناس )) .
والا اقتصرت الخيرية فقط على عصر الرسول ( ص ).
فعلت الزهراء البتول (ع ) فعلها السماوي ورحلت الى العلي الأعلى بعد أن أوضحت أن حيثيات هذه الخيرية هي في قوله سبحانه وتعالي :
((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )) .
أي أن رجالا ونساء ممن يدعي بالانتماء الى هذه الأمة، من انهم دعاة إلى الاِصلاح بعمل الخير وليس الشر والتكفير والدماء ومصادرة آراء الآخرين، تأسيسا على نظام ثقافي متشكل من ثلاثة اسس لتستحق هذه الخيرية:
وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستمرار على الإيمان بالله ارتباطا بالاعتصام جميعا بحبل الله عزوجل .
ان الزهراء عليها السلام، مثال االمرأة الربانية، لتكون هي بذاتها أمة دعوة وإصلاح علي أساس انساني في اِثراء الحياة الدنيوية بالمثل العليا والحضارة والاخلاق، وبذلك هي تبني الاِثراء الاُخروي، لتعكس ميزة اُمّة لا توجد في غيرها، كما اِنها ميزة اِمراَةٍ لا توجد في غيرها، حتي لو مرت بهذه الاُمّة وبهذه الاِمراَة اَيام عصيبة، فإن هذه الميزة من الثوابت لا تفارقها وما فارقتها، لتتحول الاُمة والاَفراد الى عبارة عن مواقف انحدار وثارات ومنكر ومن ثم الى جهل وان حمل الفرد الشهادات والمسؤوليات والمراتب، لاَن هذه السلبيات التي حذرت منها سيد نساء الجنة والعالمين عليها السلام، هي عوامل جرثومية تمتد كالسرطان في جسد الاُمة والفرد خلقا وتصرفا وآراء .
فالخيرية لهذه الاُمة كما تمثلتها الزهراء عليها السلام، هي الدعوة الخالصة الدائمة الواسعة النطاق، بحكم أن الإسلام دين مكارم الاَخلاق الى العالم كله مسلمها وغير مسلمها، تصرفا وصفاتا، فتكون عليها السلام قبل غيرها، هي انعكاس فطرة الخيرية الكائنة في الانسان، لتجسدها عقيدة وسلوكا، بما هو منطلق الاِيمان الذي عكسته ومطلق التقوي التي ظهرت عليها، لتعبر عن خيرية شاملة في الطاعة لله عزوجل ورسوله صلى الله عليه واله وسلم .
بذلك يمكن فهم الفارق البيّن وان كان هناك عصاة في اَية مرحلة من مراحل عصور هذه الاُمة وبلداننا، يتوضح هذا الفارق فيما تزوجت واَولدت وفي أدبياتها من أدوات فكرية علمية تكتشف من اَنّ الاُمة تمر بمراحل لكي تكون مصفاة، كيما تدرك حقيقة كبرى، وهي كما قال سبحانه وتعالى:
(( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله )) .
وبذلك ارتبطت، كما اَرادت ان تبين سيد نساء اهل الجنة والعالمين سلام الله عليها، طبيعة السلوك في ( الخيرية )، بمنهجية ( الوسطية ) .
وهذا الاستنتاج متجانس ومتطابق حتى مع المعنى اللغوي من اَمر ( الوسطية ) وعلاقتها ( بالخيرية )، بشكل مدهش بلاغي، من كون :
المَرْعى الوسط هو خياره، ووسط الشيء أفضله وأعدله، وواسطة القلادة: الدرة التي في وسطها وهي أنفس خرزها (الصحاح - 3 / 1167 - ، مادة : وسط ) .
وقال ابن الرومي يبكي أحسن أبنائه بقوله:
توخّى حمام الموت أوسط صبيتي ... فلله كيف اختارَ واسطةَ العقد .
وهذه الوسطية هي الواردة في الفاتحة باسم ( الصراط المستقيم )، التي تعبدنا الله بها أي بالفاتحة في كل صلاة لكونها أمّ الكتاب، ومن خصائص هذا الصراط المستقيم أنه موصل للغاية السامية ، وهو وحده كذلك دون الطرق الأخرى الملتوية والمعوجة والمنحرفة والكؤود أو المليئة بالحفر والأمت، وأنه طريق مأنوس بالسائرين إلى الله من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم، وهم أولئك الذين عرفوا الحق وخالفوه، وغير الضالين الذين جهلوا الحق واجتهدوا في جهلهم وتمادوا في غيهم، فأمة الوسط بين هذين الطرفين المنحرفين عن الحق .
فأدبيات الزهراء (ع )، تفسر هذا البناء للاسلام، من كونه مبنيا على الخير والعدل والإحسان والمعروف والأمانة والصدق والعفة وسلامة الصدر وسيادة العقل والحرية المسؤولة واحترام الآخر والتواضع والرحمة والاستقامة والحياء إلى غير ذلك من القيم التي هي جديرة بالقدوة ضمن منهجية رسالة السماء المرتكزة بعد العبادة والتوحيد لله عزوجل على مكارم الاخلاق .
ان سلوكية الزهراء سلام الله عليها، ومنطقها وبلاغتها، بما مثلتها من مكانة السيادة النسائية ومن منزلة التعرش في الجنان فضلا عن الدنيا التي اختارها الله سبحانه وتعالى لها، قد مثلت مبادرة التفسير لاَهمية هذه الاُمة، بما يفترض اَن تحقق ذاتها ونفسها كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:
(( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))(آل عمران : 104) .
ان سيد نساء العالمين والجنة سلام الله عليها، تحفز الأمة لادراك التعبير الرباني الجميل والمستوفي المراد، وكأنه الله عزوجل يطلب صديقا في هذه المسيرة السماوية يتمثل في التعبير – والتكن منكم أمة -، ليحصل التمكين في نشر الاسلام الحق وليس الشعارات والبدع، على منهجية قواعد التواصي بالحق والتواصي بالصبر .
ان ادبيات الزهراء ( ع )، وضوح بلاغي ما بعده وضوح، من ان هذا التمكين لا يحصل الا بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وكان لها ذلك في أول تجربة مواجهة تاريخية عقائدية، لتعكس في ذلك الجمع لامة الاسلام امة ابيها شعار الاسلام من الحرية التعبيرية :
(( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )) .
ولم يحارب الرسول ( ص )، أحدا من العرب ولا من غيرهم لأجل الإكراه على الإسلام، وإنما حارب دفاعا عن الاسلام، وهناك فارق شاسع:
(( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )) (يونس : 99) .
هذا الامر مع غير المسلم، لتحقيق العدل الكوني والتعبير عن حقوق الانسان بالتعبير المعاصر، فكيف الاسلوب اذا مع المسلم ومنهجية الحوار عدلا وانسانية واخاء، فكانت هي تجسيدا لهذه الحقيقة المنهجية في أقوالها سلام الله عليها .
فتتبين فيها سلام الله عليها، كامرأة من امة الاسلام وصف امة الفلاح، في اثارة لوعي ابناء الامة من ان هذا الوصف من اختصاصهم، في تناسق بلاغي بين السلوكية والمنهجية، منبهة الى حقائق غابت عن مدركات ابناء الامة في بيان استحقاق شروط الشهادة فيها وأهمها :
العلم والعدالة والاستقامة على الصراط المستقيم وكل الخصال والقيم الخالدة والأخلاق السامية والخلال الحميدة التي عبر عنها القرآن الكريم بإيجاز معجز: ( بالوسط )، وهي العدل والخيار وسمو المنزلة بما تحقق فيها من اشتمالها على جميع حقوق الإنسانية وحسن توازنها بين المادة والروح وتخلصها أو براءتها من إفراط هناك وتفريط هنا وغلو هناك وتقصير هنا.
ان هذه المنهجية استمرارية لدور خاتم الانبياء ( ص )، الذي هو الشاهد على أمته التي أكرمها الله سبحانه وتعالى بالوسطية لكونه المثال الأكمل لمرتبة الوسط، وإنما تكون هذه الأمة وسطا باتباعها له ( ص )، في سيرته وشريعته، وبذلك قد تفسرت سلام الله عليها القرار الالهي في دلالة الوسطية، إنما يتحقق لهذه الامة وصف ( الوسط ) إذا حافظ ابنائها على العمل بهدي الرسول ( ص )، واستقاموا على مكارم اخلاق رساة الرب عزوجل اليه ( ص ) .
منبهة سلام الله عليها، الى تعبير ( القرآن الكريم )، عن هذه الوسطية بشجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء، وهي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كما ورد في الحديث الشريف، وكما جعل الله الأمة الإسلامية وسطا بين الأمم فقد جعل قبلتها وسطا بين الجهات، فهي إذن أمة وسط في قبلة الصلاة أي في الجهات كذلك جعلها وسطا بين الأمم، وقد هداها سبحانه وتعالى، إليها وسماها الصراط المستقيم فقال تعالى:
(( لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )) (البقرة : 142) .
وقد بينت سلام الله عليها، بعد ذلك وهي في قمة حزنها وعتبها على رجالات الامة ونسائها، ان من من وسطية الإسلام: جعل تحيته: السلام كما نص على ذلك .
وجعل قاعدة العلاقات مع الآخرين ايضا : السلام :
(( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا )) .
ومن ثم : البر بكل من لا يحاربنا ولا يخرجنا من ديارنا ولا يظاهر عدوا علينا فالإقساط إليهم واجب : (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) .
والوفاء بالعهود: (( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ))(( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ))(( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ))(( فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ )) .
وبما أن الإسلام دين الوسط ومن معاني ذلك العدل:
فإن العدل والقسط من أسس الحضارة الإسلامية حتى مع من يعدينا :
(( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )) .
انها سلام الله عليها، تبين عظمة عدالة هذا الدين الذي يظل عظيما بهذه العدالة والا لا يكن اسلاما، حيث أن قاعدة ( العدل أساس الملك )، هي قاعدة إسلامية :
(( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ )) (النساء : 58) .
ولم يقل وإذا حكمتم بين المسلمين فالعدالة شاملة للجميع :
(( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) (النحل : 90) .
فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، لأنه قد كان الظلم ظلمات يوم القيامة، وقد حرم الله الظلم على نفسه كما حرمه على الخلق، وأوجب عليهم ألا يتظالموا فيما بينهم ، ودعوة المظلوم مستجابة ولو كان هذا المظلوم كافرا إذ ليس بينها وبين الله حجاب ، وقد عنون ابن خلدون فصلا من فصول مقدمته بقوله: الفصل الثالث والأربعون في أن الظلم مؤذن بخراب العمران (المقدمة ص353 طبعة دار الفكر بيروت) .
ان السيدة البتول (ع )، تؤكد بهذه العدالة تلك الحضارة السماوية التي تحتفظ للعالم بمجتمع متنوع الثقافات والأديان حتى الثقافات القديمة التي ظلت شاهدة على حضارات القديمة بشعوبها وانواعها، ولا يقاس التقدم الحضاري بالشاقول كما يقول جورج سارطون صاحب كتاب تاريخ العلم ، أو كما يقول الأستاذ الدكتور فيديريكو مايور سرقسطة الإسباني مدير اليونسكو السابق بمقاييس مادية تتجلى في مجتمع الاستهلاك وإشباع رغباته حتى التخمة والإخلاد إلى الخمول، حيث إن المعيار الجديد للرقي الحقيقي هو الذي يتخذ محوره من القيم الخلقية التي ينبغي أن تتوافر في الإنسان بصفته إنسانا، ولا يقاس الرقي بتقدم المعارف وتطبيقاتها التقنية فقد بلغ هذا التقدم حدا هائلا من التضخم جعله يثقل كواهلنا وينسينا الوعي الجاد بخطورة المشكلات المتولدة عنه .
هذا هو الاسلام الحق وهذه هي مدرسة أهل البيت الذي اضات الزهراء ( ع )، عتمة حلكت لوهلة في مسير الامة العظيمة بعد وفاة رسول الله ( ص)، في اتجاهات ثقافية وبذرة مناهج ما انزل الله بها من سلطان من اتجاه التكفير والتفسيق وقطع ارزاق الناس والخروج على النص وتوريط الامة في نزاعات مع كل من هب ودب ومع المذاهب والاديان والشعوب الاخرى، وهي ثقافة إعطاء صور مشوهة عن الإسلام والمسلمين، في نزعة تدعو للدين دون زاد كاف أو فقه سليم أو سلوك قويم، مما يثير الاخوة فيما بينهم وايضا شعوب العالم على هذا الدين، ان ما تطرقت له الزهراء عليها السلام، هو ثقافة التقوى في الاسلام التي ركزت عليها البتول أم أبيها سلام الله عليها، انعكاسا لعلماء مجمعين على هذا الفقه، وهو فقه لا يروق نفسيات ساخطة وعقولاً صغيرة وعلوماً ناقصة وايد دموية، ومما يغيب عن بال كثير ممن يتعاطى الدعوة أن منشأ الفتنة لا يكون من ترك ما أمر الله به فقط ، وإنما من ترك الصبر أيضا، وهنا يمكن ان نستنتج رؤية الانتظار وحكمتها للامام عج، واستغلال هذا الصبر والانتظار ببناء الاخوة والانسانية والعلم والحضارة .
تحفزنا فاطمة الزهراء ( ع )، إن الوسطية المحمدية يجب أن تتحول إلى مؤسسات فكرية تربوية ذات مناهج علمية محكمة تهدف إلى صياغة الانسان صياغة تحقق التغيير النفسي الداخلي المشروط في ( القرآن الكريم ) و( السنة النبوية ) ليتحقق التغيير الخارجي :
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ))(( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )) .
منهجية سيد نساء العالمين والجنة ( ع )، قبل أن تطالب الآخرين أن يتغيروا تفرض تغيير الفرد المسلم وفق ما طمح له من ضبط الداخل والخارج حسب مقاصد الشريعة السامية وحقائقها الخالدة، في المهمة الملحة من إعداد النفوس لعملية التغير والتغيير الداخليين لصيانة الذات وتحصينها، وحينئذ نكون قد تجاوزنا دركات النفس الأمارة حتى تترسخ في النفوس تلك الدوافع النبيلة والنوازع الخيْرية فتنضبط حركةً نحو الخير وسكونا عن الشر ، وتنصهر حتى تصبح روحا واحدة وجسدا واحدا في اتجاه البناء الجديد كأن الجميع نفس واحدة ، وإنسان الظالم لنفسه إلى الارتقاء في الشروع في السير خلال النفس اللوامة التي تمثل المسلم المقتصد حتى نحقق الاستقرار على طريق المسيرة في مدارج النفس المطمئنة أو المسلم السابق بالخيرات بإذن الله، فكلما توافرت للأمة النسبة العالية لهذه النوعية من البشرية استطاعت أن تأخذ مكانتها المحترمة بين أمم العالم :
(( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )) (فاطر : 32) .
ونحن نؤمن انه لا خير وأعظم من الإسلام :
(( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ))(آل عمران : 19) (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))(آل عمران : 85) .
نعرف هو الدين الذي رضيه الله لنا وأمرنا أن نتمسك به ولا نموت إلا ونحن مسلمون، لا يمكن ذلك ونحن نعيش البدع والفتن وسوء الاخلاق وعدم تمثل العقيدة في حياتنا الا ادعاات فكيف نريها للاخرين من غيرنا، وهذا ما اكده الله سبحانه وتعالى : (( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ )) (الحج : 41)
ومن أجمل وأعظم ما ورد في هذه الآية كما سبقت الإشارة التبشيرُ بخيرية هذه الأمة بشرط أن تجاهد نفسها على الإيمان بالحق والعمل به والسير على هداه والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وبكل ما هو حسن وأحسن ، والصبر على ذلك . وهذا يعني البحث عن أنجح الوسائل وأجمل الطرق وأجدى الأساليب وأقوم الخطاب الذي يقدم من خلال القدوة الحسنة والأسوة الخيرة تبشيرا بالخير وترغيبا فيه ، وهو أي الخير:
( ما يرغب فيه الكل كالعقل مثلا والعدل والفضل والشيء النافع ، وهو خير مطلق مرغوب فيه من كل أحد وعند كل أحد ) (مفردات الراغب) .
وبذلك فتحت البتول ( ع )، أبواب معرفة الخير ( استنادا للقران والسنة )، أمام الإنسان ليعود إلى ( الوسط والخير )، وإلى ( الصراط المستقيم )، حتى يستظل بظلال رحمة الله وعفوه ويستمد معرفته الصادقة والصحيحة بربه وعندئذ يتمتع بالكلمة الطيبة في حياته التي هي خير كلها مثل شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وهكذا كان أم ابيها سيد نساء العالمين والجنة عليها السلام .

منوهة سلام الله عليها، الى التوبة كإحدى خصائص الوسطية، وموضحة ان الابواب متروكة لتجديد العبد صلته بربه، ذلك أن الله سبحانه وتعالى، كرم بني آدم إذ خلقهم على الفطرة ، ومهما اعترتها من شوائب وأكدار وحُجُب فإن العمق يظل سليما :
(( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ))(( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ))(فصلت : 34-35) .
مبرزة سلام الله عليها، بإن الإنسان طيب في أعماقه فيه استعداد للمودة وللتسامح والعودة الى الحق والهداية، وصلة ما انقطع لكن يحتاج إلى مخاطبته ومعالجته ومدافعة عناده وإصراره على العداوة ( بالتي هي أحسن )، التي تستطيع أن تخترق تلك الحجب ليمس الفطرة التي فطره الله عليها لتتحول عداوته إلى ولاية حميمة وصداقة وثيقة، بخلاف الشيطان فإنه شر محض مفطور عليه لا يقبل رشوة لذلك فلا ينفع معه إلا الاستعاذة بالله، ومن تجليات الوسطية إكرام الله الإنسان بعقيدة التوحيد التي تتميز بسمة التوازن العقلي والروحي، فلا إنكار للألوهية، ولا غلو فيها ولا وثنية ، فالوحدانية عقيدة بريئة من التفريط والإفراط والتطرف عن الصراط المستقيم يمينا أو يسارا:
(( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) .
إن الثروة البشرية العالمة والعاملة في ادبيات فاطمة الزهراء سلام الله عليها، كبيرة وكثيرة ومتنوعة وغنية وفي المستويات اللائقة، في تناسق من المبدئية وفي تعاون من القواعد .
لنستنتج ايضا إن ( الوسطية والخيريته )، يجب أن نمثلها في سلوكنا وأفكارنا وتعاملنا فيما بيننا أولا ثم ننقلها إلى العوالم الاخرى من البشرية اقوام واديان ومذاهب .
بعد ذلك هكذا تفسر رؤيتها سلام الله عليها، صفات التقوى في الفرد والمجتمع، ومن تلك التقوى والانضباط الروحي والنفسي والعقلي ينشأ الاعتصام بأمر الله جميعا كما نص ( القرآن الكريم )، محذرا في الوقت نفسه من التفرق والتنازع والتناحر يقول تعالى :
(( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )) (آل عمران : 103) .
فإذا تحقق الاعتصام وعدم التفرق فإن وراء ذلك نعمة الله على هذه الأمة التي كانت متعادية متفرقة متقاتلة متباغضة فألف الله سبحانه وتعالى، بين قلوبهم، تحذيرا لهذه الأمة من أن تقع فيما وقعت فيه أمم سابقة، فيجب عليها أن تعتبر حتى لا تكون كأولئك الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات (آل عمران 105)، ثم تأتي ( الآية 110 )، لتخبر المسلمين بأنهم خير أمة أخرجت للناس بالشروط والسمات المذكورة .
إن روح الإسلام هي التي جعلت من عناصر متفرقة وقبائل متناحرة في أم القرى وما حولها وفي المدينة وما حولها ومن عنصري المهاجرين والأنصار أول مجتمع إسلامي متماسك متراص ومتعاون كأحسن ما يكون التعاون، في تلك ملامح من وسطية الإسلام، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مشروع : أين الأمة التي تمثل وسطية الإسلام وخيريته ؟
وبعبارة أخرى: أين أمة الوسط والخيرية ؟
 

Share |